بعد أن نتخذ قراراً، كبيراً كان أو بسيطاً، كثيراً ما نجد أنفسنا نفكر لاحقاً: «ماذا لو اخترت الخيار الآخر؟» أو «هل تسرعت؟»، حتى وإن كان القرار في لحظته منطقياً ومناسباً.
الشعور بالندم بعد اتخاذ القرار شعور إنساني مألوف، لكنه أيضاً ظاهرة نفسية معقدة تعرف باسم «مفارقة الاختيار»، وتزداد وضوحاً في مجتمعات اليوم التي تمتلئ بالخيارات وتعظّم فكرة الوصول إلى القرار المثالي.
كتاب تناول هذه النظرية، تحت عنوان: «مفارقة الاختيار: لماذا المزيد يعني الأقل» من تأليف باري شوارتز، يرى أن المشكلة لا تتعلق فقط بتعدد الخيارات، بل بتوقعاتنا لما يجب أن يكون عليه القرار المثالي. نحن نعتقد، دون وعي، أن القرار «الصحيح» يجب أن يأتي بلا عواقب أو أخطاء أو شعور بعدم الراحة، بينما الحقيقة أن كل خيار، مهما بدا جيداً، يحمل في طياته بعض الخسارات الصغيرة أو التضحيات. لكن عندما نبالغ في توقع الكمال، يصبح من السهل أن نشعر بالندم لاحقاً، حتى عندما لا يوجد سبب حقيقي لذلك.
أيضاً، يلعب الزمن دوراً كبيراً في تضخيم الندم، فعندما تمر الأيام وتتغير الظروف، نعيد تقييم القرار بناء على ما نعرفه الآن، لا بناء على ما كنا نعرفه وقت اتخاذه. وهنا يظهر ما يعرف بالإدراك المتأخر، وهو الميل للاعتقاد بأننا «كنا نعلم النتيجة منذ البداية»، بينما الحقيقة أننا لم نكن نملك نفس المعطيات آنذاك.
لكن هل الندم دائماً سلبي؟ ليس بالضرورة. في بعض الحالات، يكون الندم أداة مفيدة للتأمل وتعلم الدروس.
المشكلة تحدث عندما يتحول إلى شعور دائم يعيقنا عن المضي قدماً، أو يجعلنا نتجنب اتخاذ قــــرارات مستقبليــــة خشية الشعـــــــور بالندم مجدداً.
في مواجهة هذا الشعور، من المفيد أن نعيد تذكير أنفسنا أن اتخاذ القرار هو فعل شجاعة بحد ذاته، وأن المهم ليس دائماً الوصول إلى الخيار «الأفضل» بقدر ما هو الاستمرار والتكيف مع الخيار الذي اخترناه، فبدلاً من مطاردة «القرار المثالي»، ربما علينا أن نتعلم كيف نصنع الأفضل مما اخترناه.
الندم ليس عدواً، بل إشارة ذكية من النفس تدعونا إلى الفهم، لا العقاب. وحين نفهم لماذا نندم، نقترب أكثر من الثقة، ونفتح الباب لقرارات أكثر وعياً وسلاماً.