خوف الاختلاف وفخ التقليد

بقلم/ شيماء المرزوقي

هل لاحظت يوماً أنك عند رؤية صف من الناس ينتظرون أمام مطعم، أو متجر ما، تشعر فجأة بالرغبة في الانضمام إلى هذا الصف، حتى لو لم تكن تعرف ما الذي ينتظرونه بالتحديد؟ وهل سبق أن اخترت منتجاً أو قمت بمشاهدة فيلم، فقط لأن الكثيرين من حولك فعلوا ذلك؟ هذا السلوك ليس عشوائياً، بل هو ظاهرة نفسية معروفة تُسمى «سلوك القطيع».

«سلوك القطيع» هو ميل الإنسان إلى تقليد سلوك الآخرين، واتخاذ قرارات مشابهة لهم، حتى لو لم يكن مقتنعاً تماماً بها. وهذا الميل لا ينبع من الضعف أو الجهل، بل هو غريزة طبيعية في الإنسان، إذ يوفر لنا شعوراً بالأمان والانتماء، ويقلل من شعورنا بالمسؤولية عند اتخاذ القرارات.
في تجربة شهيرة أجراها عالم النفس الأمريكي سولومون آش في خمسينيات القرن الماضي، تم الطلب من مجموعة من المشاركين الإجابة عن أسئلة سهلة وواضحة حول طول مجموعة من الخطوط. وبرغم سهولة الإجابات، فإن الباحث لاحظ أنه عندما قام بعض المشاركين (الذين كانوا متعاونين مع الباحث عمداً) بتقديم إجابات خاطئة عمداً، بدأ المشاركون الآخرون في تقديم نفس الإجابات الخاطئة، رغم معرفتهم بأنها غير صحيحة. التجربة أظهرت أن نحو 75% من المشاركين اتبعوا رأي الأغلبية، حتى وإن كان خاطئاً، لمجرد خوفهم من التميز أو الاختلاف عن الجماعة في الجانب الآخر، نجد قصص نجاح عديدة لأشخاص قرروا الابتعاد عن التقليد المعتاد، واختاروا مسارات مختلفة قادتهم إلى نجاحات عظيمة. مثلاً، الكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل، رغم أنه عاش في فترة ساد فيها الأدب التقليدي، اختار طريقاً مختلفاً بكتابة روايات مثل «1984» التي عارضت الأفكار الشائعة في عصره، وبرغم أن قراره في البداية كان يبدو غريباً، فإنه أصبح لاحقاً من أشهر وأهم الأدباء في التاريخ.

هذه الظاهرة تدعونا إلى أن نُفكر أكثر عندما نجد أنفسنا نتبع الآخرين. علينا أن نكون أكثر وعياً بقراراتنا، وأن نسأل أنفسنا: «هل هذا القرار هو حقاً ما أريده، أم أنني فقط أتبع الآخرين؟».

التنبه لهذا السلوك يساعدنا على أن نصبح أشخاصاً أكثر استقلالية وصدقاً مع أنفسنا، وأن نستخدم التقليد بذكاء كأداة للنجاح وليس مجرد وسيلة للاندماج مع الآخرين.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى