احذر التواصل الجامد

بقلم/شيماء المرزوقي

كما هو ماثل في هذا العصر الذي نعيشه، نرى ونعيش كل يوم تطوراً ما، وقفزة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهي قفزات مدوية، البعض يتعثر وهو يحاول اللحاق بها، أو الإلمام بكل هذا التطور والتقدم وسط كل هذه التقنيات التي شكلت منهجاً جديداً في الحياة البشرية، وبدلت طرق التواصل مع بعضنا بعضاً، حيث احتلت الرسائل الفورية والإشعارات والصور والأشكال مكان طرقنا المعهودة.
هذه الوسائل الآلية تشعرنا بأننا قريبون من بعضنا بعضاً، لكن الواقع أننا بعيدون. هذا الجانب تناولته عالمة النفس الاجتماعي الدكتورة شيري تركل، في كتابها الذي حمل عنوان «معاً وحدنا: لماذا نتوقع أكثر من التكنولوجيا وأقل من بعضنا بعضاً». وهي أستاذة العلوم الاجتماعية والتكنولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MITT) وقد كرست عقوداً لدراسة تأثير التكنولوجيا في حياتنا العاطفية والاجتماعية. وفي هذا الكتاب، الذي نشر عام 2011، تناولت الروبوتات التي تمنح إحساساً بالاهتمام، لكنها في الحقيقة لا تقدم الجوهر الإنساني للتواصل، مثل الإصغاء العميق، التعاطف الحقيقي، والمشاركة العاطفية.
والمشكلة الكبيرة أن الأجيال الجديدة بدأت في تفضيل هذه العلاقات على العلاقات البشرية المعقدة، وهو ما يضعف المهارات الاجتماعية. ولا تنس الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تمنحنا شعوراً بالاتصال الدائم، لكنه اتصال غير كامل وسطحي. نحن نرسل رسائل سريعة، ونشارك صوراً ومقاطع قصيرة، لكن من النادر أن نشارك في حدث طويل صادق أو دافئ.
ولعل أخطر ما تناولته الدكتورة شيري تركل في كتابها هو أن التواصل الرقمي، رغم سرعته، يفتقر إلى الصبر والتفهم، الذي يتطلبه الحوار المباشر، هناك لغة جسد، نبرة صوت، تبادل لحظي للمشاعر، جميعها جوانب إنسانية، لن تجدها على الشاشة، ولا في تلك المحادثات النصية، ولا في الأشكال والرموز.
ولو أردنا رصد ما توقعته الدكتورة شيري تركل، فبيننا أطفال يقضون ساعات أمام الشاشات أكثر من اللعب في الخارج، وأسر تجتمع على مائدة الطعام، لكن كل فرد غارق في هاتفه، وأصدقاء يفضلون المحادثات النصية على اللقاءات المباشرة.
هذه العالمة المميزة لا تدعو للانقطاع عن التكنولوجيا، بل تنبه إلى أهمية إدارتها بوعي ومهارة، وهو ما يعني أن على الأسر، والمربين، إيجاد مساحات زمنية وأنشطة بعيدة عن الشاشات، وتدريب الأطفال على مهارات الحوار والإنصات، حتى لا تصبح التكنولوجيا الأداة الوحيدة في التواصل.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى