عادات مصنوعة بحب

بقلم/ مارلين سلوم

كل عام وأنتم بخير. لا يكتمل الإحساس بالعيد إلا باكتمال بعض الطقوس التي نتوارثها من أجدادنا وآبائنا، ونتمنى أن يواصل الأبناء تطبيقها وتعليمها لأبنائهم، فالطقوس وإن بدت غير جوهرية لدى البعض ويرونها مجرد مظاهر وعادات اجتماعية، إلا أن لها مذاقها المميز الذي يصبح مرتبطاً بشكل مباشر بالعيد وتستمتع به وكأنك تتذوق طعمه في فمك، وإذا تلاشت تلك العادات فسيفقد العيد الكثير من بهجته ورونقه.

الاستسهال والكسل يجرفان الناس فيبتعدون عن التقاليد والعادات التي نشؤوا عليها، فكثيرون باتوا يفضلون شراء كعك وحلويات العيد أسهل من صنعها في البيت، لكنهم لا ينتبهون إلى أنهم يشترون راحتهم لكنهم يخسرون في المقابل فرحة لمّة أهل البيت وتعاونهم من أجل صنع تلك الحلويات التي ستكون مجبولة بالمرح والأحاديث والذكريات، وتتسلل إلى النفوس لتختلط بالمشاعر، التي ترتبط بدورها مباشرة بمخزون الذاكرة، فتتجدد بشكل تلقائي كل عيد وكل عام لتحث الإنسان على استعادة تلك اللحظات العائلية الجميلة، حتى الروائح الطيبة تعلق في الذاكرة وتستعيدها كلما تحدثت عن أجواء العيد وكأنك تشمها الآن.

الجاهز أسهل، والرسالة المنقولة والمتداولة بين آلاف وملايين البشر أسهل أيضاً في المعايدة من «عناء» كتابة بضع كلمات نابعة من القلب تهنئ بها الأهل والأصدقاء بالعيد، وهي طبعاً أسهل بكثير من إجراء مكالمة لسماع أصواتهم وتبادل الأحاديث حتى مع أقرب الناس إليك! كل شيء في الحياة يتجه نحو الاستسهال والاختصار، اختصار المشاعر، واختصار الكلام، حتى في الكتابة والتواصل بالوسائل الحديثة تُختصر المشاعر برموز «إيموجي» وتُختصر الكلمات بحروف وأرقام، والسؤال هنا: هل يتعلم الإنسان بلغة العصر الحديث كيف يصبح روبوتاً؟ يدربونه على كتم المشاعر وتضييق مساحتها قدر المستطاع وكأنها أسوار تُبنى حول كل فرد فتعزله عن محيطه، وفي نفس الوقت تجعله منفتحاً على العالم الأوسع إلكترونياً فقط. الآلة تؤدي المطلوب وفي الوقت المحدد، وتجيد التواصل، لكن بالرموز والكلمات بلا أي مشاعر وتعاطف وتفاعل حقيقي، فهل سيصبح الإنسان آلة من لحم ودم؟

ما نعرفه ونشأنا عليه أن البيوت التي لا تعرف البهجة في العيد هي بيوت المحزونين، حتى الفقراء يفرحون بما تيسر لهم، وتكتمل فرحتهم بما يتلقونه من أشخاص يطرقون أبوابهم ويحملون لهم «العيدية» أياً كان نوعها، بل حتى المحزون يطرق بابه الناس لإشراكه في فرحة العيد، ويقدمون له الحلوى و«كعك العيد»، هكذا يكتمل معنى العيد ويتعلم الصغار ويحفظون ثم يطبقون حين يكبرون.. على أمل أن نزيد من بهجة العيد بحرصنا على تلك العادات المصنوعة بحب ومودة.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى