ريام الجزائري: لدينا ممثلون موهوبون للغاية.. لكن تنقصهم التقنية والحرص والجدية
جولييت العراقية تخصص مسرحها السويدي لقضايا المهاجرين.
يعاني العرب من صور عنصرية مغلوطة ناهيك عن معاناة أوطان عربية كثيرة من آثار الحروب والدمار والصراعات، ما يشكل رهانا مزدوجا صعبا أمام أي مبدع وفنان، بين مشاكل الداخل ومجابهة عنصرية الخارج، وليس له لمواجهة ذلك غير فنه وعمله. هذا ما آمن به الكثير من الفنانين فكرسوا له تجاربهم بجدية وتفان، فكانوا أصوات شعوبهم وضمير الإنسان الحي، وذلك لا يأتي من موهبة أو عاطفة فحسب بل هو جهد وعمل وتفان. وهذا ما تجسده الفنانة العراقية ريام الجزائري، التي كان لنا معها هذا الحوار حول رؤيتها للدراما والمسرح والفن والوطن.
يتسم أداء الفنانة العراقية ريام الجزائري بالجدية والعفوية، تشعر المتلقين على اختلاف مستوياتهم الثقافية بموهبتها الفذة منذ الوهلة الأولى، هي ممثلة متمكنة للغاية بقدر يبدو أنها لا تمثل كونها تمتلك مقومات الصدق الفني برمتها، ولعل ذلك يعود إلى مقدار حرصها وحبها لعملها، فهي لا شك تلك الطفلة القادمة من أب هو المخرج الرائد سليم الجزائري وأم هي المذيعة المخضرمة فريال حسن، هذا هو العالم الرحب الذي نشأت فيه الفنانة العراقية ريام الجزائري.
تعتبر الجزائري من أبرز الوجوه الفنية في العراق رغم قلة مشاركاتها وابتعادها عن الحضور الموسمي الذي أضر بمواهب عراقية عديدة سقطت في فخ تقديم الأعمال مباشرة وقليلة الجودة لم ترض عقلية المشاهد العراقي كفاية.
تشتغل ريام الجزائري على موهبتها وتاريخها بدقة وعناية فلا تقدم إلا ما يترك أثرا لا يمحى من ذاكرة الشاشة العراقية ومثال ذلك ما قدمته من شخصيات ملفتة ما زالت تستذكر بثناء وحنين كبيرين مثل شخصية سارة خاتون، حيث جسدت خلالها حياة الفتاة الأرمنية سارة خاتون إسكندريان وهي الفتاة التي وقع الوالي العثماني ناظم باشا في حبها، إذ استطاعت الجزائري تقديم الشخصية بقدرة وإتقان حصدا إعجاب المشاهد المختص والهاوي رغم ما في تلك الشخصية من غموض وملابسات تاريخية تخص تلك الفتاة الأرمنية نفسها.
وكذلك في عملها الآخر “إعلان حالة حب” قدمت الفنانة عبر شخصيتها يارا نسخة عراقية من جولييت العاشقة في عصر الصراع العائلي والوضع الأمني الهش وسط التفحيرات والسيارات المفخخة التي اختبرت وجعها شوارع بغداد.
وللجزائري إضافة إلى حضورها اللامع في الدراما جهود مسرحية كبيرة يشير لها النقاد بالبنان لاسيما بعد تقديمها أعمالا مسرحية باللغة السويدية التي تتقنها إلى حد أنها تبدو فتاة سويدية، لكن مهمومة بالألم العراقي الأصيل، ومن ذلك قيامها بإنشاء مسرح “يلا دا” عام 2013 والذي اعتبر المسرح الأول والوحيد في السويد الذي يهتم بقضايا المهاجرين ويعمل على تعدد اللغات كأساس له.
بعد غياب يدوم عقدا من الزمن تعود الفنانة إلى الشاشة لتشترك في عمل عربي يحمل عنوان “دفعة لندن” و لعل تلك العودة هي بارقة أمل للمشاهد العراقي الواعي بعد أن طغى الإسفاف والسطحية على جزء كبير من الأعمال التي تعرضها الشاشات العراقية في شهر رمضان
عودة إلى الدراما
في البدء نود أن نسألك عما ستقدمينه عبر “دفعة لندن” ما الذي أدهشك في الشخصية وإلى أي حد أرهقك الاشتغال عليها سيما أنك تجيدين تقديم الشخصيات المركبة؟
هي شخصية جديدة بالنسبة إلي إذ لم يسبق لي أن قدمت هذا النوع من الشخصيات المظلومة، أعجبني نمطها لأنه مختلف عن باقي الشخصيات التي قدمتها وهذا تحد كبير ولعله تحد لنفسي بالدرجة الأولى.
عندما استلمت الورق أدهشتني طريقة كتابة المسلسل فالكاتبة المبدعة هبة مشاري حمادة قدمت بورتريهات لمجموعة من الشخصيات المغتربة فصنعت حيوات أخرى لشخصيات من مختلف الجنسيات وأنا كفنانة مغتربة أفهم ذلك النوع من الكفاح والتحديات التي تتعرض لها الشخصيات.
أوان تحضيري لأي شخصية فإن النص هو الهام أولا إذ تبدأ عملية بحثي عن تفاصيل تساهم في بناء الشخصية، الأمر الذي يبدو شبيها بلعبة “البازل” إذ أن ثمة أجزاء تكون صورة كاملة.
وبالعودة إلى الشخصية التي اشتغلتها فهي شخصية حنونة ومعطاءة لكنها شرسة أيضا تدافع عن نفسها ومحبيها بشراسة مطلقة، إضافة إلى أنها تعيش ظروفا صعبة جدا، بالطبع ساعدتني مصادر تاريخية تتناول الحقبة التاريخية التي عاشها المغتربون العرب أو الجنسيات الأخرى ونوع التحديات التي واجهتهم.
ما الذي يجعلك تعودين إلى الدراما العراقية والعربية بين فترة وأخرى رغم أنك نلت كيانا فنيا ملفتا على المستوى العالمي؟
الاشتياق والحنين إلى التمثيل باللغة العربية أضف إلى ذلك أنه حتى الأعمال التي اشتغلتها في مسرحي الخاص “يلا دا” كنا نتناول فيها قضايا المهاجرين بل حتى عندما نقدم أعمالنا بالاشتراك مع دول أوروبية وآسيوية يبقى هاجسي كمديرة فنية للمسرح ومخرجة هو قضايانا وهمومنا.
أعتبر العمل باللغة العربية لاسيما اللهجة العراقية لقاء بالمشاهد العراقي، باللهجة الأم إضافة إلى إلحاح الجمهور الذي ألتقي به فيقابلني بحب مطلق ورغبة عارمة لمشاركتي في الأعمال.
الاحترافية في العمل
المسرح أداة لنبذ العنصرية