يرتبط اسم جيمي كارتر بمفاوضات السلام الصعبة التي وضعت حدا للحرب بين إسرائيل ومصر.
كيف تصرف “عراب السلام” عندما هدد الرئيس المصري، أنور السادات، بالانسحاب من مفاوضات كامب ديفيد؟ وهل تكشف تصريحاته موقفا سعوديا سريا بشأن عملية السلام المثيرة للجدل في ذلك الحين؟
الكثير من التفاصيل والمواقف عن هذه المفاوضات تكشفها الوثائق ويكشفها كارتر بلسانه.
بعد توليه الرئاسة في يناير 1977، بذل كارتر جهودا حثيثة لجمع البلدين المتحاربين، مصر وإسرائيل، معا من أجل السلام.
هو ووزير خارجيته، سايرس فانس، زارا المنطقة، والتقيا قادة مصر وإسرائيل، للمساعدة في إيجاد تسوية تضمن السلام وتنهى العداء في الشرق الأوسط.
رافقت الجهود الأميركية خطوة مصرية مدوية قام بها الرئيس المصري، أنور السادات، بعد زيارته التاريخية لإسرائيل بدعوة من حكومتها في 19 نوفمبر 1977 وخطابه الشهير من أجل السلام الذي ألقاه أمام الكنيست.
تمكن كارتر من جمع الزعيمين المتحاربين، السادات، ومناحم بيغن، في كامب ديفيد في سبتمبر 1978 لكن بعد أيام من المفاوضات، وصلت المناقشات الساخنة إلى طريق مسدود، وأصبح الحوار بين السادات وبيغن صعبا للغاية.
حينها، ووفق الموسوعة البريطانية، صاغ الرئيس الأميركي وثيقة واحدة تتضمن حلا للقضايا الرئيسية، وعرض المقترحات على الزعيمين في اجتماعات منفصلة، وأعاد صياغة المقترحات مرات عدة في ضوء الملاحظات التي كان يتلقاها.
لكن ظلت التسوية عالقة بسبب الخلافات بين السادات وبيغن، إلى الحد الذي دفع الرئيس المصري في وقت من الأوقات إلى إعلان عزمه الانسحاب، حتى أن كارتر نفسه بدأ يخطط للعودة إلى البيت الأبيض مع ما يحمله ذلك من عواقب سياسة كبيرة نتيجة الفشل في المفاوضات.
لكن في اليوم الأخير، تم التوصل أخيرا إلى اتفاق.
الصحفي المخضرم، لورانس رايتس، صاحب كتاب “13 يوما في سبتمبر ” الذي يوثق مفاوضات كامب ديفيد الصعبة، قال للإذاعة الأميركية العامة إن كارتر أعرب للسادات عن خشيته من أنه “إذا اندلعت حرب أخرى، فإننا سنكون إلى جانب إسرائيل وستكون مصر وحيدة بلا أصدقاء في العالم”.
ويضيف: “كانت تلك لحظة مؤثرة للغاية. أخبرني كارتر أنه لم يكن غاضبا إلى هذا الحد طيلة حياته. وكان من الواضح أنه ترك بذلك انطباعا حقيقيا لدى السادات”.
ويوضح الصحفي أن السادات في ذلك الوقت كان قد طلب بالفعل مروحية لنقله، وحزم أمتعته، وغادر المكان، قبل تدخل كارتر.
كان السادات يخشى أن يطلب منه تقديم الكثير من التنازلات التي سيصعب عليه تبريرها في الداخل المصري.
كارتر أيضا اتخذ موقفا صارما من بيغن الذي لم يأت إلى كامب ديفيد “بخطة حقيقية” وكان يعتقد أنه يستطيع المغادرة بلا خسائر.
يقول الصحفي إن كارتر جعل العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة جزءا من الصفقة “وهذا الأمر أزعج بيغين حقا”.
ويضيف: “لم يكن لديه (بيغن) موقف حقيقي. لم يكن راغباً في الموافقة على أي من الشروط التي طرحها كارتر. ولكن في النهاية، بدأ بيغن يدرك أنه لابد أن يوافق على شيء ما من أجل الحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة. وأخبره كارتر أنه إذا انسحب من كامب ديفيد”، فسوف يلومه أمام الشعب الأميركي.
ومع إعلان انتهاء المفاوضات بنجاح في 17 سبتمبر 1978، قال بيغن إن “من الواجب أن نغير اسم مؤتمر كامب ديفيد إلى مؤتمر جيمي كارتر. لقد قام الرئيس بمبادرة مبتكرة للغاية في عصرنا، حيث جمع الرئيس السادات وأنا وزملاءنا وأصدقاءنا ومستشارينا تحت سقف واحد. وكان ذلك في حد ذاته إنجازا عظيما. ولكن الرئيس خاض مخاطرة كبيرة بنفسه ونفذها بشجاعة مدنية عظيمة”.
واستشهد بيغن بمقوله قائد عسكري فرنسي قال إن “إظهار الشجاعة المدنية أصعب كثيرا من إظهار الشجاعة العسكرية”.
وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد إبراهيم كامل، الذي شارك في المفاوضات قبل أن يستقيل عشية التوقيع عليها، ذكر أيضا بعض ما قاله كارتر، بعدما كان السادات قد هدد بترك المفاوضات مع إسرائيل.
رفض كارتر فكرة ترك المفاوضات، مشددا على أن ذلك سيعطي فرصة لبيغن لتبرير مواقفه، وفق مذكرات كامل “السلام الضائع”.
وفي لقاء عاصف مع السادات، ربط كارتر المفاوضات أيضا بموقف الرأي العام الأميركي.
وقال الرئيس الأميركي لضيوفه المصريين: “أقول بصراحة إن الإسرائيليين يقتربون من فكرة ترك الأرض. إنهم يقتربون من ذلك على مضض لأنهم يريدون الاحتفاظ بها، وإذا تصوروا أنهم يستطيعون الاحتفاظ بها وفي نفس الوقت الاحتفاظ بتأييد الرأي العام الأميركي فلن ينسحبوا.. زيارة الرئيس السادات للقدس وضعتهم في وضع الأعزل.. إن اليهود الأميركيين يتزايد شعورهم بأن بيغن العقبة أمام السلام بسبب إصرارهم على المستوطنات، ولكن في حال مواجهة بيني وبين بيغن، سيكون من الصعب على اليهود الأميركيين ألا يقفوا إلى جانب بيغن. أما إذا اتخذ الرئيس السادات قرارا بوقف المفاوضات، فسيقول بيغن نحن نريد السلام وهم لا يريد”.
الموقف السعودي
في أغسطس 1978، زار فانس مصر وإسرائيل، حيث طرح فكرة اجتماع قمة ثلاثي في الولايات المتحدة لمناقشة قضية السلام، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر كامب ديفيد، وسط تنديد العديد من الدول العربية لموقف مصر والسادات.
من أبرز هذه الدول السعودية التي كانت ترى ضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في عام 1967 والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعودة المهجرين الذين غادروا مناطقهم بعد تأسيس إسرائيل في 1948.
ويوضع كامل في مذكراته أنه زار السعودية في مايو 1978 بعدما أقنع السادات أنه سيحاول الحصول على تأييد الجهود المصرية من أجل السلام.
مفاوضات كامب ديفيد كانت صعبة
كان في استقباله، وزير الخارجية، سعود الفيصل، الذي تحدث عن وجوب العمل “لوقف تدهور المعسكر العربي والعمل على استعادة التضامن العربي في أسرع وقت”، وكان يرى أنه حان الوقت ليعلن السادات إنهاء الاتصالات مع إسرائيل، وأكد أنه متى صدر هذا الإعلان من مصر، سينفتح الطريق إلى المصالحة العربية.
وغداة إعلان كامب ديفيد، أصدرت السعودية بيانا جاء فيه أنه “لا يمثل صيغة مقبولة للسلام” وقالت إن “المؤتمر لم يوضح بصورة قاطعة عزم إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية كافة التي احتلتها بالقوة… ولم ينص على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنشاء دولته على ارضه، وتجاهل دور منظمة التحرير الفلسطينية…”.
وبعد نحو 20 عاما من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، خرج كارتر بتصريحات كشفت عن موقف سعودي يبدو أنه كان مغايرا لما كان قد يقال في العلن.
ففي أكتوبر 1998، أجاب كارتر أمام ندوة نظمتها جامعة ماريلاند على سؤال:” هل دعمت السعودية اتفاقيات كامب ديفيد؟
وقال: “عندما غادرت إسرائيل في ربيع عام 1979، وسافرت إلى القاهرة للحصول على موافقة الرئيس السادات النهائية على النص الدقيق لمعاهدة السلام بين البلدين، وصعدت إلى طائرة الرئاسة للعودة إلى الولايات المتحدة، كانت الرسالة الأولى التي تلقيتها من السعودية. قالت الرسالة: نحن سعداء للغاية بالنجاح الذي حققتموه ومعاهدة السلام التي نأمل أن تضع حدًا للعنف في منطقتنا”.
يقول كارتر إن السعوديين كانوا “قربيين منه خلال رئاسته”، ووقفوا إلى جانبه في بعض المواقف، “لكن العواقب المؤلمة التي ترتبت على معاهدة السلام كانت إدانة السادات ومقاطعة مصر في العالم العربي بالإجماع تقريبا. ولم يمتنع عن الإدانة سوى 3 زعماء عرب: الملك الحسن ملك المغرب، والرئيس السوداني، جعفر النميري، والسلطان العماني قابوس بن سعيد. أما الباقون فقد أدانوا البيان علنا”.
ويوضح أنه “كما الحال غالبا في عالم السياسة، هناك فرق بين التصريحات العلنية والتطمينات الخاصة. لذا أستطيع أن أخبركم أنني تلقيت تطمينات خاصة من السعوديين بتشجيعهم على المضي قدما. ولكنهم انضموا علنا إلى زعماء عرب آخرين اعترضوا عليها”.