مع صعود نابليون بونابرت وحصوله على منصب إمبراطور فرنسا عام 1804، دخلت الإمبراطورية الاستعمارية الإسبانية آخر مراحل سقوطها. فبتلك الفترة، فقدت الإمبراطورية هيبتها التي حافظت عليها لقرون عقب اندلاع حرب الاستقلال الإسبانية التي اجتاحت خلالها قوات نابليون بونابرت شبه الجزيرة الأيبيرية.
وبهذا السياق، استغلت العديد من دول جنوب القارة الأميركية ضعف الموقع الإسباني لتعلن استقلالها عنها بشكل رسمي.
لوحة زيتية تجسد فرانسيسكو سولانو لوبيز
ومن ضمن هذه الدول تواجدت الباراغواي التي حصلت على استقلالها عقب نجاحها بأكثر من مناسبة عام 1811 في صد هجمات الجيوش الأرجنتينية التي صنفت الباراغواي كأحد أقاليمها. ويوم 12 أكتوبر 1813، أعلن عن قيام جمهورية الباراغواي. وخلافا لبقية دول جنوب القارة الأميركية، وجدت الباراغواي نفسها بدون أي منفذ على البحر ومحاصرة بين أطماع البرازيل، التي أعلنت استقلالها عن البرتغال بالعقد الثالث من القرن التاسع عشر، والأرجنتين التوسعية.
إعجابه بنابليون قاده نحو الحرب
يعد فرانسيسكو سولانو لوبيز (Francisco Solano López)، المولود في حدود العام 1827، الابن الأكبر لدكتاتور الباراغواي أنطونيو كارلوس لوبيز (Carlos Antonio López) الذي حكم الباراغواي كحاكم أعلى مدى الحياة ما بين عامي 1844 و1862.
وأثناء فترة حكم والده، تواجد فرانسيسكو سولانو لوبيز بفرنسا، لأغراض دراسية، وتابع النظام العسكري البروسي كما تنقل أيضا نحو عدد من الدول الأوروبية وتمكن من الحصول على بعض الاتفاقيات التجارية معها.
قتلى من جيش الباراغواي عقب إحدى المعارك
خلال فترة تواجده بفرنسا، أعجب فرانسيسكو سولانو لوبيز بنابليون بونابرت وغزواته كما أظهر شغفا كبيرا بتكتيكاته العسكرية وإمبراطورتيه التي امتدت بأوجها بين روسيا وإسبانيا. ومع توليه لزمام الأمور بالباراغواي عقب وفاة والده سنة 1862، اتجه فرانسيسكو سولانو لوبيز لتقليد نابليون بونابرت أملا في فتح طرق تجارية جديدة لبلاده عن طريق بلوغ المحيط الأطلسي وضم مناطق جديدة مطلة على المحيط للباراغواي.
وانطلاقا من ذلك، أبرم الأخير تحالفا عسكريا مع الأوروغواي لتحدي كل من البرازيل والأرجنتين اللتين هيمنتا على المنطقة. إلى ذلك، لم تكن البرازيل راضية على هذا التحالف. ولهذا السبب، غزت الأخيرة الأوروغواي عام 1864. وعلى إثر ذلك، عمد دكتاتور الباراغواي لإعلان الحرب على البرازيل. ولمساعدة حليفته، أرسل لوبيز قواته نحو الأوروغواي. ولبلوغ أراضي الأخيرة، طلب لوبيز من الأرجنتين السماح لقواته بعبور أراضيها. ومع رفض الأخيرة لذلك، أعلن فرانسيسكو سولانو لوبيز الحرب على الأرجنتين.
صورة لجنود برازيليين خلال الحرب
من جهة ثانية، هزمت الأوروغواي بشكل سريع على يد البرازيليين. وأمام هذا الوضع، أجبرت الأخيرة بدورها على إعلان الحرب على حليفتها السابقة الباراغواي. وبسبب ذلك، وجد لوبيز نفسه في حرب غير متكافئة ضد كل من البرازيل والأرجنتين والأوروغواي اللاتي شكلن تحالفا ثلاثيا.
أرقام ضحايا مرعبة
خلال فترة وجيزة، فقد جيش الباراغواي السيطرة على الوديان التي استغلها لنقل الإمدادات. وبعد أقل من شهر، اضطر لوبيز لاعتماد استراتيجية دفاعية أملا في الدفاع عن الباراغواي التي ارتفعت خسائرها البشرية بشكل هائل. وخلال معركة تويوتي (Tuyutí) يوم 24 مايو 1866، أرسل لوبيز قواته نحو موت محقق حيث أجبر جنوده، وفرق الفرسان التابعة له، على عبور منطقة طينية ووعرة لمهاجمة العدو من دون أي دعم مدفعي.
ومن ضمن 13 ألف جندي من البارغواي أرسلوا للقتال بهذه المعركة، قتل 6 آلاف وأصيب 7 آلاف آخرين.
مع تراجع عدد جنوده، أجبر لوبيز النساء والأطفال والشيوخ على حمل السلاح كما لم يتردد في إعدام كل من رفض الخدمة العسكرية.
يوم 1 مارس 1870، قاد لوبيز قواته بمعركة سيرو كورا (Cerro Corá) ضد البرازيليين. وخلال هذه المعركة، أصيب دكتاتور الباراغواي إصابة شديدة. وأثناء محاولته الهرب عبر أحد الوديان، أصيب الأخير برصاصة على مستوى الرأس أنهت حياته وفترة حكمه ووضعت في الآن ذاته حدا لهذه الحرب التي استمرت لأكثر من 5 سنوات.
جاءت تقارير أرقام عدد ضحايا هذه الحرب لتثير ذهول العديد من المؤرخين الذين لم يترددوا في تصنيفها ضمن أكثر الحروب دموية بالتاريخ. فقبل الحرب، قدر عدد سكان الباراغواي بنحو 525 ألف نسمة. وبعد الحرب، انخفض العدد لأقل من 163 ألفا.
من جهة، قدر عدد الذكور بالباراغواي قبل الحرب بنحو 280 ألفا وقد تراجع هذا العدد عقب نهاية الحرب ليستقر في حدود 28 ألفا وبالتالي خسرت الباراغواي 90% من عدد الذكور بها بهذه الحرب.
متابعات