شهدت التجارة السعودية تراجعا واضحا خلال شهر مارس 2023 عقب انخفاض في الصادرات مقابل ارتفاع واردات السلع للمملكة الخليجية الثرية بالنفط.
وبالمقارنة مع مارس لعام 2022، انخفضت صادرات المملكة للخارج بمعدل 25.3 بالمئة مقارنة مع الشهر ذاته للعام الحالي، وفقا لتقرير جديد للهيئة العامة للإحصاء في السعودية.
ويعزو التقرير أسباب تراجع الصادرات في مارس الماضي، لانخفاض الصادرات النفطية مقداره 30 مليار ريال (7.99 مليارات دولار) أي بنسبة 26.5 بالمئة مقارنة مع الشهر ذاته في العام الفائت.
كذلك، سجلت الصادرات السعودية غير البترولية انخفاضا بنسبة 20.6 بالمئة خلال الشهر عينه مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
في المقابل، أظهر التقرير ارتفاعا في واردات السلع السعودية بنسبة 9.8 بالمئة بعد أن بلغت 5.5 مليارات ريال (1.46 مليار دولار) خلال مارس 2023.
أرقام “متوقعة”
ويرى خبراء أن التراجع الذي سجلته أرقام التجارة السعودية في شهر مارس الماضي يبدو “طبيعيا” قياسا على عدة عوامل، بما في ذلك خفض “أوبك بلس” لإنتاج النفط والمخاوف من ركود اقتصادي محتمل.
ويقول عضو مجلس الشورى السعودي السابق، فهد بن جمعة، أن الأرقام الصادرة في تقرير التجارة الدولية لشهر مارس “متوقعة” لعدة عوامل.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشرح فهد بن جمعة قائلا إن “واقع الاقتصاد العالمي وخفض أوبك بلس للإنتاج، وانخفاض أسعار النفط بسبب أزمة البنوك الأميركية، والتوقعات بركود اقتصادي، كلها عوامل أدت لتقليص الصادرات النفطية وتبعتها الصادرات غير النفطية وهذا أمر متوقع قياسا على هذه الأزمات التي تؤثر على الطلب العالمي” لسلع الطاقة.
وأضاف أن “استمرار ارتفاع سعر الفائدة يمارس ضغوطا ويؤدي إلى ارتفاع الدولار مما يخفض من الصادرات؛ لأن تصدير السلع يأتي بتكاليف أعلى للدول التي ترتبط عملتها بالدولار” مثل السعودية.
وكان صندوق النقد الدولي توقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى تباطؤا في النمو خلال عام 2023، لا سيما في الدول المصدرة للنفط.
وفي تقرير نشره في وقت سابق من الشهر الحالي، توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الدول المصدرة للنفط في المنطقة عام 2023 تباطؤا في النمو إلى 3.1 بالمئة بعدما بلغ 5.7 بالمئة عام 2022.
وتعد السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، حيث يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على إيرادات الخام، ويمكن لتذبذب أسعار براميل الذهب الأسود أن تؤثر على موازنات المملكة.
ويشير الخبير الاقتصادي المتخصص بمجال الطاقة، عامر الشوبكي، إلى أن خفض “أوبك بلس” لإنتاجها النفطي وتراجع أسعار الخام هما سببان رئيسيان للأرقام الواردة في التقرير السعودي.
وتابع: “منذ بداية العام معدل أسعار النفط لا يتخطى 79 دولارا، فيما يتوقع أن ينخفض على أساس شهري للشهر الخامس على التوالي وهذه المرة الأولى التي ينخفض فيها سعر برميل النفط لهذه المدة المتتالية منذ عام 2017”.
وقال الشوبكي لموقع قناة “الحرة” إن “دول الخليج تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات وهذا يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي، بل على العكس ربما دول الخليج تعاني من عجز بعد أن كانت هناك فوائد تتحقق للمرة الأولى منذ عقد، خاصة في السعودية”.
المملكة “لا تزال تعتمد على النفط”
وكانت السعودية والإمارات والكويت وعُمان والجزائر، قرّرت بشكل منسق في أبريل الماضي، خفض إنتاجها اليومي بأكثر من مليون برميل يوميا بالإجمال، بدءا من مايو الحالي وحتى نهاية العام الجاري، في أكبر خفض للإنتاج منذ قرار منظمة الدول المصدرة للنفط وشركائها في تحالف “أوبك بلس” في أكتوبر 2022 خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا.
ويظهر تقرير الهيئة العامة للإحصاء في السعودية أيضا انخفاض نسبة الصادرات غير البترولية (شاملة إعادة التصدير) إلى الواردات في مارس 2023 بواقع 37.2 بالمئة مقارنة بـ 51.4 بالمئة من ذات الشهر للعام المنصرم.
وتطرح هذه الأرقام تساؤلات جادة بشأن رؤية المملكة 2030 التي تهدف لتنويع مصادر الدخل وفطم اقتصاد السعودية عن النفط، وهي خطة أطلقها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عام 2016.
ويرى محللون أن الاقتصاد السعودي لا يزال يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد، لكن فهد بن جمعة يقول إن الرؤية “لا تهدف إلى الحد من أرباح النفط بقدر خلق اقتصاد مواز له”.
وقال إن “الاقتصاد (السعودي) ما زال يعتمد على النفط، ولكن هناك نموا خلال الأشهر الماضي في الإيرادات غير النفطية بمعدل متراكم”.
ويعتقد عضو مجلس الشورى السعودي السابق أن رؤية 2030 “تسير على الطريق الصحيح بحسب الأرقام التي تشير لنمو قوي في الإيرادات غير النفطية”.
وقال إن السعودية خلقت قطاعات جديدة تدر أرباحا للمملكة ومنها السياحة التي باتت في المرتبة الثانية بعد النفط كمصدر للدخل، بالإضافة إلى قطاع الترفيه، وهذا يتوافق مع رؤية 2030، بحسب تعبيره.
وبعد ارتفاع أسعار النفط جراء الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، سجلت السعودية نموا اقتصاديا بلغ 8.7 بالمئة، وهو أعلى معدل بدول مجموعة العشرين، وفقا لفرانس برس.
“السعودية بحاجة لسنوات”
لكن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى تراجع هذا الرقم خلال عام 2023 بعد انخفاض أسعار النفط التي وصلت إلى 120 دولار بعد الغزو الروسي وتراجعت إلى ما دون 80 دولارا حاليا.
وقال الشوبكي إن “السعودية بحاجة لسنوات لكي نقول بأنها باتت لا تتأثر بأسعار النفط”، مضيفا: “الاقتصاد السعودي بصدد تنويع مصادر الدخل بالاعتماد على السياحة والأنشطة الاقتصادية غير النفطية، لكن هذا لا يمنعها من صدمات أسواق النفط التي ما زالت تؤثر بشكل كبير على اقتصادها”.
وتابع: “رغم تحسن الاقتصاد غير النفطي إلا أنها ستتكبد عجزا نتيجة بقاء الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل”.
وأردف قائلا: “السعودية تحاول جاهدة عن طريق الصندوق السيادي بالاستثمارات الداخلية والخارجية لتنويع المصادر، واستقطاب الشركات لبناء مقرات لها في الرياض على حساب دول إقليمية مثل الامارات. كما أنها بصدد استغلال ثروات أخرى مثل الفوسفات والمعادن، لكنها بحاجة لوقت طويل (حتى لا تتأثر بتقلبات أسعار النفط) خاصة وأن الرؤية تمتد إلى عام 2030”.