لماذا يحتاج بوتين الى فاغنر رغم تطاول زعيمها على القيادة العسكرية؟

بحث تحليل لموقع “فورين آفيرز” في سبب حاجة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمرتزقة فاغنر، والتي لا تسمح له بالتخلي عن خدماتهم رغم تهجمات قائدها، يفغيني بريغوجين، المتكررة، ضد قيادة الجيش الروسي، وذلك في غمرة معارك ضارية، تجري في باخموت، يبدو أنها تسير لصالح أوكرانيا.

والجمعة، اتهم بريغوجين، الجيش الروسي بـ”الفرار” من مواقعه قرب باخموت، حيث أعلنت كييف تحقيق اختراق، مضيفا أن الدفاعات “تنهار” وأن هيئة الأركان الروسية “تقلل” من خطورة الوضع.

تقليد قديم

تحليل “فورين آفيرز” لفت إلى أن صعود فاغنر مجددا إلى الصدارة، خلال الحرب في أوكرانيا، لا يمثل إلا أحدث تطور في تاريخ طويل من الاعتماد الروسي والسوفييتي على القوات غير الرسمية، والذي يعود إلى حقبة جوزيف ستالين.

لكنه أشار إلى سبب آخر يعد أكثر موضوعية، يفسر بقاء فاغنر، ذات السمعة السيئة، في خضم الحرب  على أوكرانيا، وهو “خوف بوتين من جيشه”، حسب التحليل.

وجاء في الصدد “بالنسبة لبوتين، أصبحت فاغنر وسيلة مهمة لكبح جماح الجيش، الذي طالما اعتبره تهديدا محتملا لحكمه”.

وتابع التحليل “على عكس الافتراضات الغربية، فإن دور فاغنر البارز في الحرب، له علاقة بديناميكيات القوة في موسكو، بنفس القدر، الذي يربطه بما يحدث في ساحة المعركة في أوكرانيا”.

وقبل أسبوع، هدد بريغوجين بسحب مقاتليه من باخموت، مركز القتال في شرق أوكرانيا، بسبب نقص في الذخيرة اتّهم الجيش بالوقوف خلفه.

ولفهم القوة النسبية لبريغوجين وفاغنر في روسيا، من الضروري التفكير في رؤية علاقتها بأجزاء مختلفة من الدولة الروسية، لا سيما وكالة الاستخبارات العسكرية، المعروفة باسم GRU؛ والجيش بشكل عام؛ وبوتين نفسه.

ولعبت وكالة الاستخبارات العسكرية دورا رائدا في خلق فاغنر، وفق التقرير، فخلال عهد وزير الدفاع ناتولي سيرديوكوف (2007 – 2012 ) حاولت الوزارة تقليص دور المخابرات العسكرية الروسية داخل الجيش.

وبعد فترة وجيزة من توليه المهمة، غيّر وزير الدفاع الحالي، سيرغي شويغو، من مسار سلفه وخصص موارد جديدة في المخابرات، إذ تم تعزيز الوكالة بموظفين جدد، تم تجنيد العديد منهم من “سبيتسناز” القوات العسكرية الخاصة التي كانت تقليديا تحت إشراف المخابرات العسكرية الروسية.

سوريا

كان الجيش الروسي في ذلك الوقت منخرطا بشكل كبير في الصراع في سوريا، وكذلك في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.

وفي السنوات التي تلت ذلك، نما دور سبيتسناز داخل الوكالة، وتمت ترقية الجنرال فلاديمير أليكسيف، الذي كان مسؤولا عنها، إلى منصب النائب الأول لرئيس المخابرات العسكرية الروسية.

Members of SPETSNAZ, or Russian army special forces, holding their Kalachnikov sub-machines with bayonets during training at…

عنصار من قوات سبيتسناز الروسية

وسط هذا التحول في المخابرات الروسية تم الإبلاغ عن وجود مجموعة اسمها فاغنر، لأول مرة في وسائل الإعلام الروسية.

وفي عام 2015، أفاد الموقع الإخباري المستقل Fontanka.ru، ومقره سان بطرسبرغ، أن أعضاء الشركة العسكرية الخاصة كانوا نشطين في شرق أوكرانيا.

وكان موقع “فونتانكا” أيضا أول من أفاد بأن بريغوجين كان داعما رئيسيا لفاغنر وأن ديمتري أوتكين، الذي كان قائدا لسبيتسناز، كان مسؤولًا عن العمليات العسكرية لفاغنر.

وفي ذلك الوقت، تم تشكيل قسم جديد داخل المخابرات للإشراف على أنشطة الشركات العسكرية الخاصة، بما في ذلك فاغنر.

وبالنسبة لوكالة الاستخبارات الروسية، تقدم فاغنر خيار إنكار عملياتها الميدانية، غير القانونية، في وقت كانت روسيا تتنصل علنا من تورطها المباشر في شرق أوكرانيا.

وبحسب “فورين آفيرز” فإن استخدام مجموعة فاغنر يعد استمرارا لتقليد أقدم بكثير يعود إلى الحقبة السوفيتية، عندما استخدم الكرملين قوات بالوكالة للتدخل في النزاعات في جميع أنحاء العالم.

وذكر الموقع أن مسؤولا روسيا في وكالة الاستخبارات قال في عام 2017، في إجابته عن سؤال طرحه صحفي الموقع حول سبب احتياج المخابرات إلى شركة عسكرية خاصة مثل فاغنر: “الأمر يشبه تماما عندما كان لدينا جيشنا متنكر في إسبانيا خلال الحرب الأهلية الإسبانية”.

مجموعة فاغنر تكبدت خسائر ضخمة في أوكرانيا

مجموعة فاغنر تكبدت خسائر ضخمة في أوكرانيا

فعلى الرغم من أن الحكومة السوفيتية لم تؤكد رسميا تدخلها مطلقا، فمن الراجح جدا أن ستالين أرسل مستشارين عسكريين لدعم القوات الجمهورية في إسبانيا في الثلاثينيات.

ولطالما نظر المسؤولون العسكريون السوفييت والروس إلى الحرب الأهلية الإسبانية على أنها “حرب جيدة”: كان الجنود السوفييت على الجانب الصحيح وكان القتال بلا شك مناهضًا للفاشية، حيث كان الجمهوريون يقاتلون القوات القومية للجنرال فرانشيسكو فرانكو، الذي كان متحالفا مع كل من موسوليني وهتلر.

وفي التأريخ الروسي الرسمي، يُنظر إلى التدخل السوفييتي في إسبانيا على أنه مقدمة مباشرة لـ”الحرب الوطنية العظمى” أو معركة روسيا الضخمة ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.

محاربة الفاشية؟

بالنسبة للمخابرات الروسية، أصبحت التجربة الروسية في الحرب الأهلية الإسبانية مبررا مناسبا لاستخدامها لقوات فاغنر في أوكرانيا، حيث يزعم الكرملين على أنه يحارب الفاشيين “مرة أخرى”.

ورغم تطاوله على القيادة العسكرية في موسكو، لا يبدو، وفق التحليل، أن بوتين مستعد للتخلي عن خدمات فاغنر في أوكرانيا.

وجاء في التحليل “وفقا لمسؤولين تحدثنا إليهم داخل قوات سبيتسناز، يبدو أن وكالة المخابرات تعتقد أن فاغنر لا يزال مفيدا”.

يحتفظ بريغوجين أيضا ببعض الدعم داخل الجيش، فعلى الرغم من انتقاداته اللاذعة لوزارة الدفاع، منذ سبتمبر 2022، عندما خسرت روسيا أراضي في الشمال الشرقي، كان بريغوجين يهاجم علنا القيادة العسكرية الروسية، ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام الروسية الخاضعة للسيطرة الشديدة، بما في ذلك ما يسمى voenkors (مراسلو الحرب الروس المرتبطون بالجيش)  صدرت أوامر لهم بالمساعدة في الترويج لفاغنر وأنشطتها في أوكرانيا.

دور بوتين

مقابل كل ما سلف، يرى التحليل أن العامل الأكثر أهمية في دور بريغوجين المستمر في أوكرانيا هو بوتين نفسه.

يقول في الصدد “الدعم الشخصي لبوتين فقط، هو الذي يبدو قادرا على تفسير الدور المستمر لزعيم فاغنر في الحرب”.

ثم يتساءل “لكن لماذا يعتبر بريجوزين ذا قيمة بالنسبة لبوتين؟”

الجواب على هذا السؤال هو أنه خلال سنواته الأولى في السلطة، كانت أحد أكبر التحديات التي واجهها بوتين هو إبقاء الجيش تحت سيطرته، وكواحد من أكبر الجيوش في العالم في بلد حيث هناك تقليد يفرض التأكد من أن العالم الخارجي يعرف أقل قدر ممكن عن أنشطته.

وخلال العقد الأول من توليه المنصب، سعى بوتين إلى إحكام قبضته على الجيش من خلال تعيين الجنرال السابق في “الكي جي بي” وصديقه الموثوق به سيرغي إيفانوف وزيراً للدفاع.

لكن بوتين اضطر إلى استبداله في عام 2007 عندما أصبح من الواضح أن جهود إيفانوف لإطلاق إصلاح عسكري أكبر قد باءت بالفشل.

وفي وقت لاحق، مع شويغو، وهو شخص غريب آخر عن الجيش، حاول بوتين مرة أخرى كسب المزيد من النفوذ.

وبعد أكثر من عام من الحرب في أوكرانيا، هناك القليل من الأدلة على أن بوتين قد نجح مع شويغو أكثر مما نجح مع إيفانوف.

خوف الرئيس من الجيش

يدرك بوتين أن الجيش يميل في زمن الحرب إلى اكتساب المزيد من القوة داخل الدولة، ويعلم أنه كلما استمرت الحرب لفترة أطول، زادت هذه القوة، وقد يكون من الصعب عليه ممارسة سيطرته إذا تضاعفت قوة الجيش أكثر.

وجاء في التحليل “بما أن بوتين يميل إلى النظر إلى العالم من منظور التهديدات، فإن القوة النسبية للجيش أمر يثير قلقه أكثر من أداء الجيش في ساحة المعارك”.

على الرغم من خسائر فاغنر، وتصريحاته العلنية المنتقدة للجيش فإن بوتين يدرك أن بريغوجين لن يشكل تهديدا سياسيا له لأنه لا يتمتع بأي دعم داخل النخبة الحاكمة الروسية باستثناء رعاية بوتين الخاصة.

التحليل يقول تعليقا على هذا الوضع “وكان بوتين حريصا على إبقاء الأمر على هذا النحو”.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى