تعاملت الممثلة السورية نادين خوري مع تعليقات، تُشبّه دورها في «العربجي» بدورَيْها في «الدبور» و«الغربال 2» (2010، و2015)؛ بتأكيد التقاطع وإثبات الفوارق بما يطرد هاجس تكرار الأدوار. فالتشابه المشار إليه مردّه تحلّيها بصلابة المرأة في مسلسلات البيئة الشامية وفرضها القرارات؛ وهما القاسم المشترك بين الشخصيات الثلاث. المفارقة أنها وظّفت شرور شخصيتها الرمضانية الأخيرة بجعلها تتميّز عما سبق، ليدفع التميّز وتحدّي الأدوات، مرة أخرى، نحو علاوة المرتبة الفنية.
موقفها من الأعمال الشّامية
لنادين خوري موقف مما عزّزته أعمال شامية من إخضاع للمرأة وتنميطها بالتبعية والانكسار، وتعود للتاريخ لدحض موجة درجت فتسبّبت بتكريس صورة مبتورة: «جدّتي لأبي تحلّت بشخصية قوية وامتلكت قرارها، كذلك أمي. المرأة السورية شجاعة ومكافحة بالأدب والفن وسائر المجالات. لم تكن يوماً ذليلة، منذ نازك العابد الناشطة والأديبة التي أسست (نادي النساء السوري)، إلى شاهدات على التاريخ يؤكدن نقيض الخنوع المطلق واقتصار الكينونة على طاعة الرجل».
لم يشغلها تسرّب التكرار نحو شخصية «درّية» في «العربجي»، بعد شخصيتي «هند» و«أم صابر» في المسلسلين السابقين، فتُخبر «الشرق الأوسط» بأنّ الأهم بالنسبة إليها ألا تصطدم بدور مُسطّح ولا تجد نفسها أسيرة إطار. تتابع: «على الشخصية أن تحمل إليّ المغريات. ليس شرطاً أن تكون خيِّرة أو شريرة، فالحياة لقاء الطَبْعين. إنما الدور الخيِّر لا يبرز تماماً مهارات الممثل. أمتحنُ نفسي وأدواتي ضمن أدوار شريرة تمنحني مساحة أكبر لـ(فلش) الأداء».
أغرتها «درّية»، الشخصية الجدلية في المسلسل السوري من بطولة باسم ياخور وسلوم حداد، الذي لم تتبلّغ رسمياً بتحضير جزء ثانٍ منه بعد؛ كما أغرتها في رمضان الفائت شخصية «أم ريان» بمسلسل «كسر عضم». في الأولى قسوة مفرطة، وفي الثانية حنان معذّب بشَرّ الزوج ضمن السياق، ففجّرته أمام جثة الابن الضحية. تذكر أنها أتعبتها وظلّت لساعات عاجزة عن التقاط النَفَس بعدما فرّغت الكبت المتراكم حيال الفداحة الزوجية برثاء هزّ الأبدان. هذه نادين خوري في الدور المنعطف، تدفعه إلى أقصاه.
مسؤولية تجاه الأعمال
بجرأة، تعترف أنها لا تزال ترتجف أمام الأدوار: «يملأني الهَم مع كل دور جديد ولا أقوى على النوم عشية التصوير لثقل الإحساس بالمسؤولية. ثقة المُشاهد تفرض عليَّ الحرص على المسيرة والطريق. الأدوار المعروضة كثيرة، لكنني أخشى المطبات. خياري التقدّم، وبأقل تقدير، البقاء عند المكانة التي أبلغها. تخيفني المغامرات غير المدروسة بالنسبة إلى سنّي. أنا مغامِرة، فـ(درّية) إحدى مغامراتي؛ لكنني لستُ متهوّرة. أبقى على مسافة من شخصيات لا تتناسب مع مشواري وسنّي».
المسؤولية واحدة حيال الأدوار، أكانت محورية أم ضيفةً في مسلسل. لا تخفي أنّ خياراتها حيال السيناريوهات «صعبة»، وتعلن: «أوافق على الشخصية بعد تفكير وتقدير. أرفض القول إنني وصلتُ وأنا أعرفُ كل شيء. مَن يصل ينتهِ. هذا مفهومي للفن».
تمنح مسارها عنواناً من قسوتَيْن إنسانيتَيْن: «القلق والخوف»، فتقول: «هما صنعاني، وصنعني أيضاً شغفي والمسؤولية حيال الناس». برأيها، «الجمهور لا يقرأ الشخصيات فحسب، بل الممثل من خلالها»، لذلك ترتجف.
ولكن، هل تملك حدساً يصيب حيال تفوّق دور على آخر وشخصية على أخرى؟ أتُحسن قراءة الأمزجة؟ وهل الدور الصاخب هو وليد نصّ مكتوب على ورق أم خلاصة جهود الممثل بإتقان التفاصيل، وطاقاته الإبداعية؟ تردّ: «بالنسبة إليّ، النصّ دائماً هو البطل الأول والشخصيات تلحق به. لا أراهن على نجاح شخصية وأضمنه في جيبي. فهمُ مزاج الشارع صعب، ونحن ضعفاء في قراءته. بعد كل عمل أعود متفرّجة أسوة بمَن يشاهد».
الحقيقة التي تشدد عليها هي أنّ المسلسل كلٌ متكامل، يشكّله مَن يظهرون على الشاشة والجنود المجهولون في الظلمات. خوري ممثلة قديرة لأنها تزيّن الموهبة بالأخلاق. من منطلقها، تقول: «وحدي، لا أنقذ عملاً. أؤمن بالبطولة الجماعية فالفن لا يقوم على الفردية. لستُ أنا، بلا مدير الإضاءة ومهندسي الديكور والملابس وسائر مَن يعملون بصمت. نجاحاتنا حلقة متكاملة من جهود الآخرين ونجاحاتهم. مَن في الضوء ليسوا أعلى شأناً من خلايا النحل في الكواليس».
للوطن مفهوم حميمي
من دمشق التي لم تغادرها، تعلن أنّ الوطن مفهوم حميمي ليس للتداول الإعلامي، وهو في داخلها كلٌ يُحرّك نحو الأفضل. تذكر أنّ صناعة المسلسلات استمرّت في العام 2012 بعد سنة على اندلاع الحرب الشرسة، «وكنتُ أعبُر القذائف للوصول إلى مواقع التصوير». إن كان لا بدّ من سؤالها عن تقييم المشهدية الدرامية السورية، بكونها صاحبة باع في «الكار»، منذ بداياتها السينمائية إلى اليوم، تجيب: «أوجّه تحية لهذه المقاومة الصلبة».
تعترف بتراجع العدد، بعدما قدّمت الصناعة الدرامية السورية ما يزيد على 40 عملاً موسمياً قبل الحرب: «لا بأس إن قلّت المسلسلات، فالمهم القيمة الفنية للنوع. صحيح أنّ أعمالاً أُرجئت ولم تلتحق برمضان، لكنها موجودة وستُعرض. الدراما السورية لا تعرف الإحباط. ظلّت متمسّكة بنهوضها، فيما مناحي الحياة من حولها تتداعى». الدراما الساطعة في الأزمات، المثابِرة، العنيدة، لها منها ألف تحية.