الهيدروجين الأخضر.. تسابق خليجي حول الطاقة النظيفة

مع تزايد الحديث عن بلوغ العصر النفطي لحظة ذروته وبداية أفوله، وفي الوقت الذي تشكل فيه هذه المصادر الطاقية المستخرجة من باطن الأرض أهم ثروات دول المنطقة العربية على مدى قرن مضى، بدأت ثورة طاقية جديدة تطل برأسها على العالم، جاعلة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مصدرها الأول، وهي الطاقة المتولدة عن الهيدروجين الأخضر.

ويعتبر غاز الهيدروجين “النظيف”، واحدا من عناوين مرحلة ما بعد النفط في الخليج العربي، فقد بدأت دول المنطقة تطوير مشاريع تمهّد لهذا الانتقال الاقتصادي-الطاقي.

وينتج الهيدروجين الأخضر عن تحليل كهربائي للماء باستعمال طاقات متجددة، يؤدي إلى تفكيكها وفصل ذرات الهيدروجين عن ذرات الأوكسيجين.

ويمكن استغلاله في إنتاج الحرارة من خلال مزجه بغاز الميثان، كما يمكن استعماله في محركات السيارات، إما لإنتاج الكهرباء بواسطة بطارية أو إنتاج طاقة حرارية عبر احتراق الهيدروجين، كما يمكن استعمال هذا الغاز لإنتاج الكهرباء.

وتكمن الميزة الأساسية للهيدروجين الأخضر في كونه قادر على توليد طاقة هائلة، مع انعدام تام للانبعاثات الغازية الضارة.

كما أن الهيدروجين الأخضر عبارة عن مادة كيميائية قابلة للانفجار، أي أنه مصدر للطاقة، وهو ما يؤهله لتحقيق هدف تعويض أكثر من 10 مليارات برميل من النفط من الاستهلاك العالمي للطاقة في غضون العام 2050.

وسمي الهيدروجين الأخضر بهذا الاسم، لخلوه من الملوثات البيئية عند استعماله كمصدر طاقة.

ووقود الهيدروجين ينتج 33.33 كيلوواط/ساعة/كيلوجرام، بينما ينتج البنزين 12 كيلوواط/ساعة/كيلوجرام، والغاز الطبيعي المضغوط 14.7 كيلوواط/ساعة/كيلوجرام.

ويستطيع كيلوجرام من الهيدروجين تشغيل مركبة تعمل بخلايا الوقود لمسافة 100 إلى 131 كيلومترًا، مقارنة بـ16 كيلومترًا للبنزين.

ومع ذلك، لا يزال الهيدروجين الأخضر غير مهيَّأ للاستعمال، وكان إنتاج الهيدروجين منخفض الانبعاثات أقلّ من مليون طن في عام 2021، ومعظمه من منشآت الوقود الأحفوري باستعمال تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.

ويحل الهيدروجين الأخضر مشكلة كبيرة كانت تواجه الطاقات المتجددة، إذ يعتبر إنتاجه بواسطة طاقتي الريح والشمس نوعا من التخزين، حيث تحول الطاقة الناتجة عن استغلال أشعة الشمس أو تيارات الريح، إلى طاقة هيدروجينية يمكن استغلالها في تشغيل محركات السيارات أو أي استعمالات ميكانيكية أخرى، مع ضمان خلو مسار إنتاج الطاقة هذا من أي انبعاثات غازية مضرة.

كما يمكن استعمال الهيدروجين الأخضر كبديل عن الطاقات الملوثة المستعملة في بعض الصناعات، مثل تكرير البترول وإنتاج الفولاذ.

وتمتلك دول الخليج خططًا طموحة لتعزيز اقتصاد الهيدروجين الأخضر، وسط رهان الحكومات والشركات على الوقود النظيف لمحاولة خفض الانبعاثات.

وفي أغسطس/آب الماضي، قالت مجموعة “أوكسفورد بيزنس”، إن شركات النفط الوطنية الخليجية يمكن أن تتمتع بميزة كونها محركا مبكرا في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، مما قد يدر عليها عائدات تصل الى 200 مليار دولار بحلول عام 2050.

وتسعى شركات النفط الوطنية في العديد من دول الخليج لتطوير استخدامات الهيدروجين، كما هو الحال في السعودية والإمارات وقطر، وتقليل انبعاثات الكربون من خلال العديد من الاتفاقيات شركات أجنبية.

وبدأت هذه الدول بوضع إستراتيجيات وطنية للوقود النظيف، مع تزايد المخاوف المتعلقة باستدامة الإيرادات من الهيدروكربونات.

وخلال السنوات الأخيرة، شهدت هذه الخطط طفرة، حتى إن بعضهم يصفها بأنها “ثورة دول الخليج المقبلة”.

  • السعودية

في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير “عبدالعزيز بن سلمان”، هدفًا بأن تصبح المملكة أكبر منتج للهيدروجين في العالم.

ورغم عدم توافر استراتيجية رسمية للهيدروجين، فإن سياسة الوقود النظيف في البلاد ترتبط برؤية 2030، التي تعتمد على تنويع الصادرات، والاستفادة من سلاسل التوريد للقطاعات الحالية، وتطوير قطاعات صناعية جديدة.

وسيسمح إنتاج الهيدروجين في السعودية بأن تصبح أقلّ اعتمادًا على النفط بصفته مصدرًا رئيسًا للدخل.

وكشف تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول أوابك، صدر في 19 ديسمبر/كانون الأول (2022)، أن السعودية تستهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق بمعدل 2.9 مليون طن سنويًا، بحلول عام 2030.

وتأمل البلاد زيادة حصتها إلى 4 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2035، و11 مليون طن سنويًا من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2030.

وفي سبتمبر/أيلول 2020، تصدّرت شركة أرامكو المشهد، عندما أعلنت نجاح إنتاج وتصدير أول شحنة من الأمونيا الزرقاء (40 طنًا) إلى اليابان.

وسلّط ذلك الضوء على التزام “أرامكو” بتوفير حلول تقنية فاعلة من حيث التكلفة وخفض الانبعاثات، مثل استخراج الغاز الطبيعي ومعالجته وتحويله إلى هيدروجين وأمونيا.

كما يعدّ الهيدروجين القائم على مصادر الطاقة المتجددة من الركائز الأساسية لمدينة نيوم المستقبلية.

وتتميز مدينة “نيوم” بمشروع للهيدروجين الأخضر بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي، وهو مشروع مشترك بين “نيوم” و”أكوا باور” السعودية، ووشركة “إير برودكتس”، ومقرّها بنسلفانيا، ومن المتوقع بدء الإنتاج في عام 2026.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة “أكوا باور” توقيع مذكّرة تفاهم مع “بوسكو” الكورية في يوليو/تموز 2022، لدراسة الفرص المتاحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، مثل الأمونيا الخضراء، بهدف إزالة الكربون من عمليات توليد الكهرباء وتصنيع الحديد في مجموعة “بوسكو”.

وتخطط الشركة لاستثمار مليارات الدولارات بمشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر وجنوب أفريقيا وتايلاند.

وفي أحدث التطورات، وقّعت السعودية واليابان اتفاقيات تعاون في الهيدروجين والأمونيا وإعادة تدوير الكربون يوم الأحد 25 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وتأمل الدولتان من خلال هذه الشراكة تعزيز سبل البحث والتطوير في تقنيات الهيدروجين والأمونيا، واستعمالها على المستويات المحلية والثنائية والإقليمية والدولية.

  • الإمارات

وعلى الجانب الآخر، أعلنت الإمارات في قمة المناخ “كوب 26” أنها تعمل على وضع خريطة وطنية للهيدروجين تعزز مكانتها بصفتها دولة رائدة في القطاع.

ووقّعت شراكة إستراتيجية مع الشركة الأسترالية “جي إتش دي” للاستشارات الهندسية، ومركز الأبحاث الألماني “فراونهوفر”، لوضع الاتجاه العام نحو بناء اقتصاد للهيدروجين في الإمارات.

وتعتزم الإمارات توفير سلاسل قيمة جديدة لتصدير الهيدروجين منخفض الكربون ومشتقاته، فضلًا عن إنتاج الصلب ووقود الطائرات القائم على الوقود النظيف.

وأوضح تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك” أن الإمارات تخطط للاستحواذ على حصة 25% من السوق العالمية للهيدروجين بحلول عام 2030.

وافتتحت الإمارات أول منشأة للهيدروجين الأخضر في الخليج العربي، خلال عام 2021، كما أعلنت حزمة مشروعات جديدة خلال الربع الثاني والثالث من عام 2022 مع شركات كورية ويابانية.

كما وقّعت شركة “بترولين كيمي” الإماراتية، في يونيو/حزيران 2022، اتفاقية مع تحالف مكون من 3 شركات كورية لبناء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الإمارات، بقدرة إنتاجية تبلغ 200 ألف طن سنويًا من الأمونيا الخضراء.

كما وقّعت شركة “بترول أبوظبي” الوطنية (أدنوك) مع شركتي “إينوس” و”ميتسوي” اليابانيتين مذكرة تفاهم لإجراء دراسة جدوى حول فرص إنشاء سلسلة توريد للهيدروجين بين الإمارات واليابان، بطاقة إنتاجية تبلغ 200 ألف طن سنويًا.

وحسب مذكرة التفاهم، سيُقَيَّم إمكان تحويل الهيدروجين الناتج ثانويًا من عمليات التكرير والبتروكيماويات في شركات “أدنوك”، والهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز الطبيعي إلى مادة “ميثيل سيكلوهكسان”، بصفته وسيلة فعالة لنقل الهيدروجين وتصديره إلى اليابان.

وستستثمر شركة “مصدر” المملوكة للدولة 10 مليارات دولار في مشروعات الهيدروجين الأخضر بمصر، وتعمل على تطوير مشروعات الطاقة المتجددة في أذربيجان، إلى جانب دعم شركة ناشئة في شمال إنجلترا متخصصة في الهيدروجين الأخضر.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وصلت أول شحنة تجريبية من الأمونيا منخفضة الكربون القائمة على الهيدروجين من الإمارات إلى ألمانيا.

بالإضافة إلى ذلك، تخطط الإمارات لتطوير أول محطة لإنتاج الهيدروجين من النفايات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإمارة الشارقة.

وستعمل المحطة على تحويل النفايات الخشبية والبلاستيكية إلى خلايا هيدروجين أخضر، بهدف استعماله وقودًا ضمن مركبات مجموعة بيئي.

  • سلطنة عمان

وتدرس سلطنة عمان تدرس استثمار نحو 30 مليار دولار في الهيدروجين الأخضر، بعدما أعلنت مسقط استراتيجية وطنية للهيدروجين في فبراير/شباط 2020، وأنشأت العديد من التحالفات واللجان لتنسيق الإستراتيجيات وتطويرها.

وفي أغسطس/آب 2021، أسست وزارة الطاقة والمعادن تحالفًا وطنيًا للهيدروجين، المعروف بـ”هاي فلاي”، لإرساء مكانتها على خريطة تطوير إنتاج الهيدروجين النظيف.

كما دشّنت أقسامًا للهيدروجين في العديد من من الوزارات، وأسست شركة مملوكة للدولة باسم “هيدروجين ديفلوبمنت عمان”.

وأشار التقرير الأخير لـ”أوابك”، إلى أن سلطنة عمان تستهدف إنتاج الهيدروجين الأخضر بمعدل 1 إلى 1.25 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، وزيادة الطاقة إلى 3.25 و3.75 ملايين طن سنويًا بحلول 2040، وسط خطط للوصول إلى حصة 8.5 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2050.

وفي يونيو/حزيران 2022، وقّعت مجموعة “أوكيو” العمانية اتفاقية للتطوير المشترك مع شركة “أكوا باور” السعودية، و”آير برودكتس” الأمريكية، لتنفيذ مشروع ضخم لإنتاج الهيدروجين في محافظة “ظفار”، بغرض تطوير مصادر الطاقة البديلة والتكامل المبتكر للطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية والرياح في سلطنة عمان.

  • الكويت

ولم تتبنَّ الكويت بعد استراتيجية وطنية للهيدروجين، لكن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي قدّمت مسودة أولية في يناير/كانون الثاني 2021.

وتقترح المسودة تعزيز تقنيات احتجاز الكربون والطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق.

كما تدعو البلاد إلى الاستعمال المحلي للهيدروجين، وتكثيف التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في القطاع.

ورغم أن المسودة تركّز على الهيدروجين الأزرق، فإن الهيدروجين الأخضر يعدّ أكثر الحلول العملية في البلاد، خاصة أن الكويت مستورد صافٍ للغاز الطبيعي.

واحتلّت الكويت المرتبة الأخيرة على قائمة مجلة ميد لمشروعات الهيدروجين الأخضر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويرجع ذلك إلى أن قيمة مشروعات الهيدروجين الأخضر في الكويت بلغت 15 مليون دولار فقط، ومع ذلك، تعمل البلاد على تطوير إستراتيجية وطنية للهيدروجين في أسرع وقت.

  • قطر

في الوقت نفسه، تعتزم قطر تطوير العديد من مشروعات الهيدروجين الأخضر؛ لضمان مكانة في السوق العالمية.

وأظهر تقرير “أوابك” أن شركة “قطر للطاقة للحلول المتجددة” وشركة “قطر للأسمدة الكيماوية” (قافكو) ، التابعتين لشركة “قطر للطاقة”، وقّعتا اتفاقيات خلال أغسطس/آب 2022 لتطوير منشأة لتصنيع الأمونيا الزرقاء، بطاقة إنتاج تبلغ 1.2 مليون طن سنويًا، في مدينة مسيعيد الصناعية.

وسيدخل المشروع طور الإنتاج في الربع الأول من عام 2026، إذ يعدّ المشروع أكبر منشأة لتصنيع الأمونيا الزرقاء في العالم من حيث الطاقة الإنتاجية.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى