مع بداية عام 2023 يواجه العالم مجموعة من الأزمات “منها ما تبدو جديدة وأخرى مألوفة بشكل مخيف”، وفق ما ذكره تقرير السنوي للمخاطر العالمي صدر، الأربعاء، عن منتدى “دافوس” الاقتصادي.
ويشير التقرير إلى عدة أزمات من بينها التضخم وأزمة كلفة المعيشة والحروب التجارية وتدفق رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة والتوتر الاجتماعي واسع النطاق والمواجهات الجيوسياسية بالإضافة إلى مخاوف من اندلاع حرب نووية، وهي مؤشرات “عاشها قلة من صناع القرار”.
ونوه التقرير إلى أن هذه التحديات أصبحت أضخم جراء تطورات جديدة على ساحة المخاطر العالمية، من بينها المستويات غير المستدامة من المديونية و”حقبة جديدة” من انخفاض النمو والاستثمار والابتعاد عن العولمة، وتراجع في النمو البشري بعد عقود من التطور، وارتفاع في التطوير السريع للتكنولوجيات ثنائية الاستخدام، مدنيا وعسكريا، عدا عن التهديدات الناجمة عن تبعات التغير المناخي وتقهقر الطموحات في ما يخص خفض حرارة العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية.
وأكد التقرير أن كل تلك التحديات تندمج لتشكل “عقدا مميزا ومضطربا ومثيرا للشكوك”.
ويأتي التقرير تحضيرا لاجتماع المنتدى الاقتصادي في دافوس بسويسرا، الأسبوع القادم.
وتطرق التقرير إلى ثلاثة فصول، الأول يبحث الأثر المتصاعد للأزمات الحالية على أشد المخاطر العالمية التي يتوقع كثيرون حدوثها على المدى القصير (عامين).
ويتناول الفصل الثاني مجموعة مختارة من المخاطر التي من المحتمل أن تكون أشد خطورة على المدى الطويل (عشر سنوات)، ويستكشف المخاطر الاقتصادية والبيئية والمجتمعية والجيوسياسية والتكنولوجية الناشئة حديثا أو المتسارعة، و”التي يمكن أن تصبح أزمات الغد”.
أما الفصل الثالث فيتنبأ بمستقبل العقود متوسطة الأجل، ويستكشف كيف يمكن أن تتطور الروابط بين المخاطر الناشئة الموضحة في الأقسام السابقة بشكل جماعي إلى “أزمة متعددة” تتمحور حول نقص الموارد الطبيعية بحلول عام 2030.
ويختتم التقرير من خلال النظر في تصورات الحالة المقارنة للتأهب لهذه المخاطر وتسليط الضوء على العوامل التمكينية لرسم مسار لعالم أكثر مرونة.
الخطر الأكبر
ويرجح التقرير أن تواصل أسعار الطاقة والغذاء ارتفاعها خلال العامين المقبلين، ما قد يضرّ بالجهود العالمية لمكافحة الفقر وأزمة المناخ.
وأكد أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء يعد الخطر الأكبر أمام الاقتصاد العالمي.
وأشار إلى أن أزمة ارتفاع المعيشة، التي أطلقتها جائحة كوفيد، والحرب الروسية على أوكرانيا تصدرتا مخاوف أكثر من 1200 من خبراء عالميين وصانعي القرار وقادة أعمال استطلعت آراؤهم.
وحذر تقرير المنتدى من أن الجائحة والحرب على أوكرانيا أطلقتا سلسلة من المخاطر الدولية المتشابكة، مشيرا إلى أن التخاذل في حلها قد يؤدي إلى قلة التعاون بين الدول لحل المشاكل التي لديها تبعات طويلة الأم، مثل أزمة المناخ وحماية التعدد الحيوي ومكافحة الفقر.
وذكر أن هذه بالتالي ستخلق “تبعات أخرى ستهيمن على الساحة الاقتصادية خلال العامين المقبلين: مخاطر الكساد وتعميق أزمة الديون وتواصل ارتفاع المعيشة ومجتمعات مستقطبة يقودها التضليل المعلوماتي، وتعليق الجهود لمكافحة التغير المناخي وحروب جيواقتصادية لا تثمر شيئا”.
“حقبة جديدة”
ذكر التقرير أن الآثار الاقتصادية لكوفيد والحرب في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع حاد في التضخم، وتطبيع سريع للسياسات النقدية، و”بدأت حقبة منخفضة النمو وانخفاض في الاستثمار”.
ورجح أن تواجه الحكومات والبنوك المركزية ضغوطا تضخمية “عنيدة” على مدار العامين المقبلين، نظرا إلى “احتمالية نشوب حرب طويلة الأمد في أوكرانيا، واستمرار الاختناقات من الوباء، والحرب الاقتصادية التي تحفز فصل سلسلة التوريد”.
ونوه إلى أن “سوء التقدير بين السياسات النقدية والمالية قد يؤدي إلى رفع احتمال وقوع صدمات في السيولة، مما يشير إلى استمرار الانكماش الاقتصادي وضيق الديون على نطاق عالمي”.
وقدّر أن يتسبب “استمرار التضخم المدفوع بالعرض إلى تضخم مصحوب بركود”، محذرا من أن عواقبه الاجتماعية والاقتصادية قد تكون “وخيمة، بالنظر إلى التفاعل غير المسبوق مع المستويات المرتفعة تاريخيا للدين العام.
وذكر أن “التفتت الاقتصادي العالمي، والتوترات الجيوسياسية، والتعثر في إعادة الهيكلة، يمكنها أن تساهم في تعميق ضائقة الديون على نطاق واسع في السنوات العشر المقبلة.
ونوه إلى أنه “حتى لو تعرضت بعض الاقتصادات لهبوط اقتصادي أكثر ليونة من المتوقع، فإن نهاية حقبة أسعار الفائدة المنخفضة سيكون لها تداعيات كبيرة على الحكومات والشركات والأفراد”.
وأوضح أن “الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع والدول الهشة أصلا ستشعر بالآثار غير المباشرة بشكل أكثر حدة من قبل، مما يساهم في زيادة الفقر والجوع والاحتجاجات العنيفة وعدم الاستقرار السياسي وحتى انهيار الدولة”.
وأضاف “ستؤدي الضغوط الاقتصادية أيضا إلى تآكل المكاسب التي حققتها الأسر ذات الدخل المتوسط، مما يؤدي إلى الاستياء والاستقطاب السياسي والدعوات لتعزيز الحماية الاجتماعية في البلدان في جميع أنحاء العالم”.
وتوقع أن “تستمر الحكومات في مواجهة عملية توازن خطيرة بين حماية قطاع عريض من مواطنيها من أزمة تكاليف المعيشة المطولة دون تضمين التضخم، وتغطية تكاليف سد الديون حيث قد تتعرض الإيرادات لضغوط من الانكماش الاقتصادي”.
وأشار في هذا الخصوص إلى أن الانتقال إلى أنظمة الطاقة المتجددة وبيئة جيوسياسية أقل استقرارا، بات “أمرا ملحا”، وأشار إلى أن “العصر الاقتصادي الجديد الناتج عن ذلك قد يكون عصر الاختلاف المتزايد بين البلدان الغنية والفقيرة وأول تراجع في التنمية البشرية منذ عقود”.
متابعات