وعينا الاقتصادي

بقلم/إيمان عبدالله

في تفاصيل يومنا العادي، نتخذ عشرات القرارات من دون أن ننتبه.. نشتري، نؤجّل، نخطط، أو نغامر، كثير منها يبدو سهلاً، لكنه في الحقيقة قرار اقتصادي بامتياز. هنا، لا نتحدث عن أرقام معقدة أو مصطلحات ثقيلة، بل عن وعي هادئ يرافق الإنسان في حياته، ويمنحه شعوراً بالأمان والقدرة على الاختيار.
الوعي الاقتصادي لا يعني أن نكون خبراء في الأسواق، ولا أن نحفظ أسماء المؤشرات، هو أسهل من ذلك بكثير، أن نسأل أنفسنا قبل أي قرار: هل أحتاج إلى هذا حقاً؟ ماذا سيحدث بعد شهر أو سنة؟ هل هذا الاختيار يريحني أم يضغطني لاحقاًَ؟ حين نبدأ بطرح هذه الأسئلة، نكون قد خطونا أول خطوة نحو اقتصاد يعاش، لا يخاف منه.
كثر يظنون أن الاقتصاد شيء بعيد منهم، لكنه في الحقيقة يسكن بيوتنا، في ميزانية الأسرة، في طريقة التسوق، في التخطيط للسفر، وفي القلق الذي نشعر به أحياناً عند نهاية الشهر، وحين يغيب الوعي، يتحول المال من وسيلة للراحة إلى مصدر دائم للتوتر، أما حين يحضر، فيصبح المال أكثر هدوءاً، وأكثر قابلية للإدارة، حتى وإن كان محدوداً.
في السنوات الأخيرة، تعلمنا أن الأزمات لا تعلن موعدها، قد تتغير الأحوال فجأة، وتتبدل الأولويات، ويختبر الإنسان في قدرته على التكيف، هنا يظهر الفرق بين من يعيش بردة فعل، ومن يمتلك وعياً اقتصادياً يساعده على التماسك، ليس لأن لديه أكثر، بل لأنه يعرف كيف يدير ما لديه.
للإعلام دور إنساني مهم في هذه المعادلة، فحين يتحدث بلغة قريبة من الناس، ويشرح القرارات الاقتصادية بسهولة واحترام لعقل المتلقّي، يخفف القلق ويزرع الفهم، فالإنسان لا يخاف مما يفهمه، بل مما يبدو غامضاً وبعيداً منه.
كما أن الوعي الاقتصادي لا يبنى في لحظة، بل يتشكل مع الوقت، والتجربة، والحوار داخل الأسرة والمجتمع، حين يتعلم الأبناء معنى الادّخار، وقيمة التخطيط، واحترام الجهد، ينشأ جيل أكثر توازناً، وأقل اندفاعاً، وأكثر قدرة على بناء مستقبله بثقة.
وحين يصبح الوعي الاقتصادي أسلوب حياة، تتغير علاقتنا بالمال، لا نلهث خلفه، ولا نخافه، بل نضعه في مكانه الصحيح، نستخدمه لنعيش حياة أهدأ، ونصنع به خيارات أذكى، ونبني عبره استقراراً لا يعتمد على الوفرة، بل على الفهم.
في النهاية، الوعي الاقتصادي ليس رفاهية، بل طمأنينة. هو ذلك الصوت الداخلي الذي يذكّرنا أن القرارات الصغيرة تصنع فرقاً كبيراً، وأن الحياة تصبح أخفّ حين نفهمها، لا حين نركض خلفها.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى