في إحدى محطات القطار في مدينة نيويورك، سقط رجل مُسن فجأة على الرصيف، وأصبح غير قادر على النهوض. خلال أقل من دقيقة، اقتربت منه شابة كانت تسير بسرعة، ساعدته على الجلوس، اطمأنت عليه، ثم أكملت طريقها دون أن تنتظر شكراً أو حتى نظرة امتنان.
مشهد كهذا نراه بين الحين والآخر، لكنّه يُثير سؤالاً أعمق من مجرد «موقف جميل»: لماذا نساعد الآخرين حقاً؟ يعتقد الكثيرون أن مساعدة الآخرين نابعة من «الإيثار الخالص»، أي من رغبة داخلية صادقة دون انتظار أي مقابل. لكن في علم النفس الاجتماعي هناك جدل طويل حول ما إذا كان هذا النوع من الإيثار موجوداً فعلاً، أم أن كل سلوك مساعد يخفي خلفه دافعاً شخصياً ما، كالشعور بالرضا عن الذات، أو بناء صورة إيجابية أمام الآخرين، أو حتى الهروب من الشعور بالذنب.
في دراسة نُشرت في مجلة «علم النفس الاجتماعي والشخصية»، عام1987 تم عرض فيلم قصير على مجموعة من الأشخاص يُظهر طفلاً يعاني مرضاً عضالاً. بعد المشاهدة، طُلب من المشاركين التبرع لجمعية خيرية تساعد الأطفال في نفس الحالة. ما أظهرته الدراسة هو أن الأشخاص الذين شعروا بعاطفة قوية أثناء مشاهدة الفيلم كانوا أكثر ميلاً للتبرع، لكن عندما طُلب منهم التفكير بشكل تحليلي قبل اتخاذ القرار، انخفضت معدلات التبرع بشكل كبير.
تشير هذه النتيجة إلى أن دوافعنا نحو المساعدة قد تكون أكثر تعقيداً مما نتصور، فغالباً ما تدفعنا المشاعر اللحظية، وليس المبادئ المجردة، لاتخاذ قرارات تساعد الآخرين. نحن نتصرف بدافع من التعاطف، نعم، لكن أحياناً أيضاً بدافع من الراحة النفسية أو الهروب من الشعور السلبي.
ومع ذلك، فإن وجود دافع شخصي لا يلغي قيمة الفعل، فحتى لو ساعدنا لأننا نشعر بالرضا أو لأننا لا نحتمل رؤية الألم، فإن هذه المساعدة لا تزال فعلاً نافعاً وضرورياً. المهم أن الفعل يتم، وأن الأثر يُحدث فرقاً، سواء أكان بدافع الإيثار أم بدافع شعورنا بالمسؤولية.
السؤال الأهم ربما ليس: «لماذا نساعد؟»، بل: «هل نستمر في المساعدة حتى عندما لا نشاهد النتائج أو نحصل على الامتنان؟» هذه هي النقطة التي يختبر فيها عمق نوايانا.
لعلنا لا نحتاج دائماً إلى إجابة دقيقة عن دوافعنا، بقدر ما نحتاج إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا، فالمساعدة، حتى لو كانت مشوبة ببعض النوازع الشخصية، تظل واحدة من أنبل ما يمكن أن نفعله كبشر. وكل مرة نختار فيها أن نمد يداً لشخص ما، فإننا بطريقة ما نعيد تأكيد إنسانيتنا، ونذكّر أنفسنا بأنه في عالم مليء بالفردية، لا يزال التعاطف حياً.
متابعات