“لا وجود للجنوب بدون شبوة”، عبارة يكررها الجنوبيون بشكل دائم للتأكيد على أهمية شبوة بالنسبة لجنوب اليمن.
ثروة شبوة النفطية، وموقعها الاستراتيجي في وسط جنوب اليمن، وتربطه من الغرب بالشرق، وسواحل شبوة على بحر العرب وميناء قانا القديم، يمنح كل من يسيطر على هذه المحافظة اليد العليا في السيطرة على جميع المحافظات الجنوبية.
شبوة هي أيضا موطن لعدة قبائل تاريخية. أكبرها قبيلة العولقي بقيادة الحاكم الحالي الشيخ عوض بن الوزير العولقي. وتعتبر قبائل المصعبي، وبالحارث، وبني هلال، والسعد، وحمير، ونعمان، والبلعبيد، قبائل قديمة بارزة. حيث تسيطر كل قبيلة على السلطة وتؤثر عليها في منطقة جغرافية معينة من شبوة.
على سبيل المثال، تسطر قبائل المصعبي، وبالحارث ، والبلعبيد، على الشمال حتى المناطق الشمالية الشرقية من شبوة. وتسيطر قبائل بني هلال والعولقي على شبوة الوسطى والغربية. فيما تسيطر قبائل حمير ونعمان والسعد، على المناطق الجنوبية والساحلية من شبوة. ومن هذه القبائل الكبيرة، انتشرت عدة فروع قبلية في جميع أنحاء شبوة وفي المحافظات المجاورة في أبين وحضرموت.
لقد جعل هذا الموقع الاستراتيجي والتركيب القبلي، من شبوة هدفا رئيسيا للقوى السياسية المحلية والخارجية التي تسعى للسيطرة على جنوب اليمن.
صراع حزب الإصلاح مع المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة
الصراع بين الجانبين مستمر في شبوة منذ آب / أغسطس 2019، عندما طردت قوات الإصلاح المجلس الانتقالي الجنوبي من شبوة. وسمحت السيطرة على شبوة للإصلاح، بمنع المجلس الانتقالي الجنوبي (حيمها) من الزحف شرقاً للسيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة، لاستعادة دولة اليمن الجنوبي. التي كانت موجودة قبل الوحدة مع اليمن الشمالي في عام 1990. كما أجبر المجلس الانتقالي الجنوبي على تركيز جميع موارده العسكرية في الدفاع عن العاصمة عدن. لكن مع هذا الفوز جاءت خسارة الإصلاح.
مع إعادة انتشار حزب الإصلاح للآلاف من جنوده وعتادهم العسكري من مقره في مأرب إلى شبوة شرق أبين ووادي حضرموت. رأى الجنوبيون والمراقبون الخارجيون أنها طعنة في ظهر التحالف العربي واليمنيين المناهضين للحوثيين. الذين شككوا في دافع حزب الإصلاح لإعادة الانتشار في نفس الوقت الذي كان فيه الحوثيون يحاصرون مأرب والجوف. وكانت هناك حاجة أكثر إلى تلك القوات في المحافظات الشمالية لصد الحوثيين.
استراتيجية حزب الإصلاح في تركيز قتاله ضد المجلس الانتقالي الجنوبي وترسيخ سيطرته على شبوة، وترك مأرب ومحافظات أخرى في الشمال دون حماية، كانت مدمرة. في الأشهر التالية، خسر حزب الإصلاح، الذي كان يحتكر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، مديرية نهم الاستراتيجية في صنعاء وصرواح. ومناطق أخرى في مأرب ومحافظة الجوف لصالح الحوثيين. مع خسارة “الإصلاح” للأراضي لصالح الحوثيين في شمال اليمن، كان يخسر أرضه سياسيا واجتماعيا في جنوب اليمن.
الإصلاح غير مرحب به في شبوة. واعتبر أهالي شبوة، الذين يطالب غالبيتهم بإنهاء الوحدة اليمنية ويدعون إلى استعادة جنوب اليمن المستقل، قوات الإصلاح في شبوة “قوات احتلال يمنية شمالية”. رغم أن قادة تلك القوات كانوا من شبوة. ويقودها المحافظ الشبواني محمد صالح بن عديو. لم يكن ذلك مهما لأهل شبوة لأن أوامر القادة جاءت من القائد اليمني الشمالي علي محسن الأحمر.
بدأت الاحتجاجات ضد المحافظ بن عديو والقوات الأمنية والعسكرية التابعة لحزب لإصلاح بالتوسع في مديريات مختلفة؛ لأن القوات الأمنية بدأت في شن حملة اعتقالات تعسفية لمؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي.
خرجت المظاهرة الأولى في عزان في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وبشعور من السلطة، أرسل المحافظ قوات الأمن لإنهاء الاحتجاج بدلاً من إرسال وسطاء للتحدث مع المتظاهرين. ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم ومقتل مدني شبواني يدعى سعيد تاجرة على يد جندي يمني شمالي بسبب رفع “علم اليمن الجنوبي” أثار صدمة في جميع أنحاء شبوة. ودق أجراس التحذير بأن اليمن الشمالي موجود هنا لاحتلال شبوة وقتل سكانها. بمساعدة بن عديو.
مع تزايد الاحتجاجات، ازدادت وحشية قوات الإصلاح. في الفترة من أكتوبر 2019 إلى ديسمبر 2021، شنت قوات الإصلاح عشرات الاعتداءات والاعتقالات بحق نشطاء وصحفيين وجنود سابقين من النخبة الشبوانية. كما شنت قوات الإصلاح حملات عسكرية على قبيلة لقموش في حبان. وحملات أخرى ضد قبيلة العولقي في نصاب، وضد مقاتلي القبائل في جردان وميفعة، وضد المتظاهرين السلميين في عزان والعاصمة عتق.
استخدام الإصلاح للقوة ضد سكان شبوة والمجلس الانتقالي الجنوبي على وجه الخصوص، مع السماح للحوثيين بالسيطرة على ثلاث مديريات شمال غربي شبوة (بيحان وعسيلان وعين) دون قتال، زاد من المشاعر المناهضة للإصلاح. وأكد، ادعاءات الجنوبيين أن حزب الإصلاح كان يستخدم سلطة الحكومة الشرعية لمحاربة الجنوب وليس لمحاربة الحوثيين.
الصراع الحالي وانعكاساته
في 8 أغسطس، اندلعت اشتباكات في عتق، عاصمة شبوة، بين قوات الأمن الخاصة الموالية لحزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، والقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي (كيان سياسي جنوبي يسعى لاستقلال اليمن الجنوبي).
وتأتي هذه الاشتباكات تتويجا لعدة أشهر من الاحتكاك بين القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المكونة من ألوية العمالقة الجنوبية وقوات دفاع شبوة. وأحضرت القوات الجنوبية في كانون الأول (ديسمبر) 2021 لإخراج الحوثيين من المديريات الثلاث شمال غربي شبوة.
وعقب تحريرها (مديريات بيحان الثلاث) حاول المحافظ الجديد عوض بن الوزير تقسيم نقاط التفتيش الأمنية بين قوات دفاع شبوة وقوات “الإصلاح”. في محاولة لإنقاذ شبوة من الصراع الداخلي. غير أن ذلك لم يسر كما هو مخطط له. وشعرت قوات الإصلاح بالتهديد من وجود قوات دفاع شبوة، التي يرحب بها بالسكان المحليين. كما أنهم (حزب الإصلاح) لم يكونوا مستعدين لفقدان السيطرة على هذه المحافظة الاستراتيجية. وهكذا، بدأوا في استفزاز القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
في 20 يوليو هاجمت قوات الأمن الخاصة التابعة للإصلاح بقيادة عبد ربه لعكب نقطة تفتيش تابعة لقوات دفاع شبوة في عتق، مما أدى إلى اشتباكات بين القوتين، أسفرت عن إصابة جنديين وإلحاق أضرار بممتلكات خاصة. عقب ذلك أوقف المحافظ قائد اللواء الثاني في قوات دفاع شبوة العميد وجدي باعوم وقائد قوات الأمن الخاصة عبد ربه لعكب لتورطهما في الحادث. بينما حققت اللجنة الأمنية لمعرفة المخطئ. وبعد أن أنهت اللجنة الأمنية التحقيق ووجدت أن لعكب هو المحرض، أقاله المحافظ في 6 آب/ أغسطس. وعلى خلفية هذا الرفض، شنت قوات الأمن الخاصة هجمات على القوات الموالية للانتقالي، والتي اعتبرها المحافظ ومجلس القيادة الرئاسي تمردا.
في الأسبوع الماضي من الصراع، خسر حزب الإصلاح شبوة رسميا، واكتسب المجلس الانتقالي الجنوبي أرضية جديدة في مسيرته نحو الاستقلال.
خلافا للاعتقاد السائد، فإن التورط السعودي والإماراتي في حرب اليمن ليس مصدر الصراع. ومع ذلك، فقد استخدم كل من حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي الدعم المقدم لهما من السعودية والإمارات لتعزيز رغباتهما السياسية.
في السنوات السبع الماضية، استخدم حزب الإصلاح الدعم من المملكة العربية السعودية لتحصين سيطرته على مناطق إنتاج النفط في مأرب وشبوة وحضرموت. واستخدم المجلس الانتقالي الدعم المقدم من الإمارات لإنشاء قوة أمنية لتحرير المحافظات الجنوبية واستعادة دولة اليمن الجنوبي.
أبرز الصراع الأخير بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح، والذي بدأ في شبوة عام 2019، الصراع الشامل الذي شهدناه في جنوب اليمن منذ عام 1994 بين مشروعين سياسيين، مشروع وحدة اليمن ومشروع استقلال اليمن الجنوبي. لا يمكن فهم أو حل أي قضية أمنية أو سياسية في الجنوب دون العودة إلى 1994 وفهم العزلة السياسية والقمع الذي عانى منه الجنوب.
متابعات