مصالح مشتركة.. دوافع انحياز دول خليجية إلى الموقف الروسي

عادت الأضواء إلى العلاقات الروسية السعودية، وذلك بفضل المحاولات المتجددة لدعم أسعار النفط وجهود ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، في سبتمبر/أيلول، للإفراج عن الأسرى الأجانب الذين أسروا في ساحة المعركة في أوكرانيا.

وقد توسعت علاقات الكرملين مع السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي بشكل مطرد بعد إنشاء تكتل “أوبك+” في عام 2016، وزيارة الملك “سلمان بن عبدالعزيز” إلى موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

 وتشترك دول الخليج وروسيا أيضًا في تفضيل أنظمة الحكم الاستبدادية. وقد يكون بعض هذه الدوافع حقيقيا ولكن سيكون من المبالغة استنتاج أن روسيا واللاعبين الإقليميين يخططون لأن يكون الكريملين ضامنا للأمن في الخليج.

ويساعد ذلك في فهم سبب اختيار معظم دول الخليج عدم التوافق مع اتجاه الولايات المتحدة لعزل روسيا ومعاقبتها في بداية الحرب في أوكرانيا.

لقد أدانت الكويت وقطر فقط تصرفات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على الفور، فيما امتنعت الإمارات، التي تشغل مقعدًا في مجلس الأمن هذا العام، عن التصويت على قرار صاغته الولايات المتحدة وقدمته في اليوم التالي للغزو الروسي. وقال أحد كبار المساعدين في الخارجية الإماراتية إن “تبني أحد الجانبين سوف يؤدي فقط إلى مزيد من العنف”.

وصوتت دول الخليج لاحقا لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي في أوائل مارس/آذار، لكنها امتنعت عن التصويت علي تعليق عضوية روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أوائل أبريل/نيسان.

ومثل هذه المواقف المتأرجحة ليست فريدة من نوعها، حيث كانت العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم مترددة في انتقاد روسيا.

ومع ذلك، فإن موقف دول الخليج من الحرب كان له تأثير أكبر من العديد من البلدان الأخرى. وعندما ارتفعت أسعار النفط إلى 130 دولارًا للبرميل في مارس/آذار، رفض السعوديون وغيرهم من قادة الخليج طلبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لزيادة إنتاج النفط من أجل تخفيف الضغط على الاقتصاد العالمي والمساعدة في خفض التضخم.

وبدلاً من ذلك، انتقدوا الحكومات الغربية بسبب إعطاء الأولوية لأهداف المناخ والطاقة على حساب الاستثمار في إنتاج الوقود الأحفوري (استجابت قطر والإمارات منذ ذلك الحين بشكل إيجابي لطلبات ألمانيا وفرنسا بشأن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي والشحنات إلى أوروبا).

وبشكل عام، يمكن القول إن دول الخليج انحازت إلى الكرملين بشكل أو بآخر، مما مكن نظام “بوتين” من إعادة ملء خزائنه والحد من تأثير عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكان أكبر دليل على ذلك هو قرار “أوبك+” في 5 أكتوبر/تشرين الأول بتقليص إنتاج النفط بحوالي 2 مليون برميل يوميًا.

إن اعتبار الولايات المتحدة أن حرب روسيا ضد أوكرانيا هي في الواقع حرب بين الاستبداد والديمقراطية ساهم في تعزيز المصالح المتصورة بين روسيا ودول الخليج.

في غضون ذلك، لم تُظهر دول الخليج رغبة في الامتثال لمطالب المسؤولين الأمريكيين بشأن العلاقات مع روسيا أو الصين.

وقد تزايد التذمر في دوائر السياسة الغربية بشأن توسيع العلاقات التجارية والمالية لدول الخليج مع موسكو، ويتجلى ذلك في التركيز المتزايد من قبل الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي على التطبيق الأكثر صرامة للعقوبات الحالية.

ملاذ إماراتي آمن

من الصعب تخيل أن هذه القضية ستصبح اختبارًا رئيسيًا، نظرًا للأهمية القصوى لعلاقات الطاقة والأمن مع دول الخليج في اللحظة الحالية.

وأصبحت الإمارات ملاذا مهما للأفراد والشركات والكيانات الحكومية الروسية، حيث تجنبت أبوظبي فرض أي عقوبات على روسيا. وتعد الآن ثاني أكثر الوجهات شعبية للمسافرين الروس في الخارج، وقد انتقل عدد كبير من الأثرياء والمهنيين إلى هناك بعد اندلاع الحرب.

وتسلط التقارير الإعلامية الضوء على كيفية استخدام الإمارات للاحتفاظ بالممتلكات القيمة مثل الطائرات الخاصة واليخوت التابعة لأفراد خاضعين للعقوبات بعيدًا عن أيدي سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. في المقابل، تستفيد المؤسسات المالية الإماراتية من التدفقات المتزايدة من الكيانات الروسية.

لكن هناك تكلفة لتسهيل التهرب الروسي من العقوبات، ولطالما خضعت الإمارات لتدقيق أمريكي شديد بشأن غسل الأموال وتمويل الإرهاب والأنشطة الإيرانية غير المشروعة. وفي ضربة خطيرة لطموحات الدولة الخليجية في أن تصبح مركزًا ماليًا عالميًا، تمت إضافة الدولة إلى “القائمة الرمادية” لفريق العمل المالي في وقت سابق من هذا العام.

ومع ذلك، فقد حققت الدبلوماسية الهادئة بعض التقدم. وتعد الجهود الأخيرة التي بذلتها وزارة الخزانة الأمريكية لتعطيل استخدام نظام المدفوعات الروسي للتهرب من العقوبات مثالاً جيدًا على ذلك.

وفي حين يبدو أن هذه المبادرة تستهدف تركيا في المقام الأول، فمن المؤكد أن “دينيز بنك”، أحد البنوك التركية الكبيرة التي أعلنت على الفور أنها كانت تعلق استخدام “مير”، تخضع لسيطرة مؤسسة مقرها دبي بنسبة 100%.

أسابيع حاسمة

لقد أصبحت مواقف وتصرفات دول الخليج تجاه روسيا أكثر أهمية من أي وقت مضى مع تبلور الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفرض سقف سعري على صادرات النفط الروسي.

وتهدف هذه المبادرة إلى تضييق المكاسب المالية التي يتمتع بها الكرملين دون إخراج البراميل الروسية بطريقة ما من السوق. (بلغ فائض الحساب الجاري لروسيا من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 167 مليار دولار، أي ما يقرب من 3 أضعاف مستوى نفس الفترة في عام 2021).

ومع ذلك، قد يكون لدى الكرملين ودول الخليج الكثير من الحوافز لتخريب هذه الجهود، وفقًا “لسيرجي فاكولينكو” وهو مسؤول تنفيذي في مجال الطاقة ومساهم في “كارنيجي”.

وفي أوائل سبتمبر/أيلول، حذر الكرملين بشدة من أنه لن يقف مكتوف الأيدي ولن يسمح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض حد أقصى للسعر. وبالرغم أن المسؤولين الروس لم ينفذوا شيئا، فإن قطع الكرملين لمعظم تدفقات الغاز إلى أوروبا، والهجمات التخريبية على خطي أنابيب نورد ستريم 1 و 2، والدور الهائل الذي مارسته موسكو في أسواق الطاقة، يشير إلى أن مثل هذا التهديد يجب أن يؤخذ على محمل الجد.

على سبيل المثال، يمكن أن يتسبب قرار روسي بمنع أو تقييد مبيعات النفط في اضطراب الأسواق بالرغم من انخفاض أسعار النفط بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.

وستكون تصرفات دول الخليج في الأسابيع المقبلة حاسمة، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت هذه الدول تنوي الانحياز إلى الحكومات الغربية المصممة على معاقبة الكرملين. وإذا واجهت روسيا سقف السعر من خلال خفض إنتاجها، فقد تكون السعودية مترددة في زيادة صادراتها النفطية لتعويض الانخفاض، سواء كان لديها طاقة إنتاجية كافية أم لا.

وتصل هذه المعضلة إلى جوهر أهمية العلاقات بين روسيا ودول الخليج في الوقت الحالي، لقد أظهر “بوتين” بوضوح في الأيام الأخيرة أنه ينوي تصعيد الأزمة أكثر، وإذا استخدم سلاح النفط القوي الموجود تحت تصرفه، فلديه فرصة جيدة في الإضرار بالرفاهية الاقتصادية لخصومه الغربيين.

وفي حين تمت إعادة توجيه تدفقات النفط الروسي بشكل كبير نحو آسيا منذ 24 فبراير/شباط، فإن أي انخفاض كبير في الصادرات الروسية اليومية البالغة 8 ملايين برميل من النفط والمنتجات المكررة يمكن أن يعطل أسواق النفط العالمية.

بطبيعة الحال، فإن مثل هذه الخطوة تخاطر بتنفير الدول الصديقة مثل الصين والعديد من الدول الأخرى التي اختارت البقاء على الهامش. وتسلط هذه المعضلة الضوء على سبب هيمنة الاعتبارات التجارية، وليس الأمن القومي، على ملامح علاقة دول مجلس التعاون الخليجي بموسكو.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى