تصاعدت المخاوف في العراق من تفاقم ظاهرة “الزواج الوهمي” كممر لغسل الأموال، بعد أن أظهرت تحقيقات قضائية تسجيل مهور ضخمة بملايين الدنانير.
وتسجل هذه الزيجات أمام المحاكم، وتُنهى بعقود طلاق سريعة، ما فتح الباب أمام استغلال القضاء غطاءً قانونيًّا لتحريك أموال مشبوهة داخل البلاد.
ووجّه مجلس القضاء الأعلى العراقي تعميمًا لجميع محاكم الأحوال الشخصية، يقضي بالتحقيق في مشروعية مصادر المهور “غير المعتادة” التي تُثبت في عقود الزواج، خاصة تلك التي يعقبها طلاق خلال فترة قصيرة.
خطوة مهمة
وشدد التعميم على ضرورة إحالة أطراف العقود المشتبه بها إلى مكتب مكافحة غسيل الأموال إذا تبيّن أن المبالغ غير مبررة.
وأكد التعميم الموقع من رئيس المجلس، فائق زيدان، أن القاضي المكلّف بعقد الزواج يجب أن يطلب من الطرفين بيانًا تحريريًّا بمصدر المهر، وفي حال عدم القناعة بمشروعيته، يُحال الملف إلى التحقيق الأصولي.
بدوره، قال الخبير القانوني، علي التميمي، إن “الإعمام الصادر عن مجلس القضاء الأعلى يمثل خطوة مهمة في تتبع المهور المرتفعة التي قد تُستغل في غسل الأموال، خاصة حين تكون العقود صورية أو وهمية”.
وأوضح التميمي، لـ”إرم نيوز”، أنه “في حال شك القاضي بأن العقد ينطوي على غسل أموال وفق القانون رقم 39 لسنة 2015، فإنه يحيل الملف إلى مكتب غسل الأموال، الذي يتولى بدوره التحقيق، ويرفع النتائج إلى الادعاء العام إذا ثبت وجود شبهة جنائية”.
وبيّن التميمي أن “هذا الإجراء لا يقتصر على عقود الزواج، بل يشمل أيضًا الديون الصورية، والأموال المشكوك بها، وإعادة الحال، والفسخ القضائي للعقود، وكلها تخضع الآن للتدقيق القضائي عند الاشتباه بوجود عمليات تمويه مالي”.
فجوات قانونية
وتستند الظاهرة إلى استغلال فجوات قانونية، حيث يُدوّن في عقد الزواج مهر كبير جدًّا، يُعتقد أنه مال مشبوه جرى تبييضه بغطاء شرعي.
وغالبًا ما يتم الطلاق بعد فترة قصيرة، ليُعاد توزيع الأموال بطريقة منظمة يصعب تتبعها لاحقًا، وهو ما يجعل التحقيق في نية الزواج جزءًا من تقييم المشروعية المالية للعقد.
ويأتي هذا التوجيه ضمن سلسلة إجراءات عراقية تهدف إلى كبح تدفقات الأموال غير المشروعة داخل السوق المحلية، إذ سبق أن أصدرت الحكومة تعليمات تمنع بيع وشراء العقارات نقدًا، وتُلزم بإجراء المعاملات المالية عبر النظام المصرفي.
كما فرض البنك المركزي ضوابط صارمة على بطاقات الدفع الإلكتروني والتحويلات البنكية، في مسعى لتجفيف منابع غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
من جهتها، أوضحت الناشطة الاجتماعية، أنوار الخفاجي، أن “المهور الضخمة لم تعد تعكس مكانة اجتماعية أو رغبة حقيقية في تأسيس أسرة، بل تحوّلت إلى وسيلة تمويه مالي، خصوصًا في المدن ذات النشاط التجاري المرتفع”.
وأوضحت الخفاجي، لـ”إرم نيوز”، أن “النساء أيضًا قد يُستغللن في هذه الصفقات، إذ يُطلب منهن الدخول في زواج وهمي لقاء نسبة مالية، في إطار شبكات منظمة تستغل القوانين الشرعية لتحقيق أغراض مالية غير قانونية”.
ويتيح قانون مكافحة غسل الأموال العراقي لسنة 2015 للمؤسسات القضائية والرقابية إحالة أي معاملة مالية مشبوهة إلى جهات التحقيق المختصة، وتجميد الأصول محل الشبهة، وهو ما يعني أن المهور المبالغ بها قد تكون بداية لسلسلة ملاحقات قانونية تطال أطرافًا متعددة.
ويرى مختصون أن هذه الظاهرة تُعد نتاجًا لاقتصاد نقدي هش، لا يزال بعيدًا عن النظام المالي الشامل، كما أن ضعف الثقافة القانونية والرقابة الاجتماعية جعل من بعض العقود الشرعية واجهة لتمرير صفقات مالية مشبوهة، في ظل غياب آليات دقيقة للتحقق من النية الحقيقية للزواج.