رغم النظرة السيئة عن نبتة القبّار قديماً، لكنها تحولت اليوم إلى مصدر دخل للعديد من العائلات في الأرياف السورية، حيث يخرج الأبناء والأهل بشكل جماعي، لجمع ثمار القبار الصغيرة، قبل أن تزهر وتصبح بلا قيمة عند التجار.
وتقول الحكاية الشعبية القديمة، إن نبتة القبّار، علامة شؤم، يجب اقتلاعها فور رؤيتها، فهي نذير كارثة؛ لأنها تنبت بكثرة في المقابر!. لكن هذه النظرة تغيرت، مع زيادة طلب التجار عليها، وارتفاع سعر الكيلوغرام منها إلى 16,000 ليرة، أكثر من واحد دولار.
ويسمى القبّار في بعض المناطق بالشَّفْلح، وهو نبات بري ينتشر في معظم الأراضي السورية، ويعطي ثماره خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس، من كل عام، كما يتميز بعودته للإثمار خلال يومين بعد القطف.
ويقول أبو محمد، جامع القبّار من أرياف حماه الشرقية، لـ”إرم نيوز”: “هذه النبتة مباركة، جلبت الخير للعائلات الريفية البسيطة. فكل فرد من عائلتي يجمع حوالى 3 كيلوغرامات من القبار يومياً، ونبيع الكيلو الواحد ما بين 13- 16 ألف ليرة”.
ويضيف أبو محمد: “صحيح أن القبّار أو الشَّفْلح، نبات شوكي، يجرح أصابعنا عند القطف، لكنه نبات خيّر، يساعد الفلاحين في تأمين مصدر دخل إضافي؛ لأن الظروف الاقتصادية صعبة”.
منجم من المعادن.. ومعالج للأمراض
وتؤكد الدكتور أليسار عجوب، أن لنبات القبّار فوائد كثيرة، نظراً لاحتوائه على كميات كبيرة من المعادن والفيتامينات. وتضيف عجوب لـ”إرم نيوز”: “يحتوي كل 100 غرام من القبار، على 40 ملليغراما من البوتاسيوم، و40 ميللغراما من الكالسيوم، و138 وحدة من فيتامين “أ”، و24 ميللغراما من فيتامين “ك”.
وتضيف عجوب: “يستخدم القبّار، للوقاية من مرض السكري، والسرطان. فهو غني بمضادات الأكسدة، ويحمي من الحساسية، كما يقي من الأنيميا، ويحافظ على صحة العظام والجهاز المناعي والهضمي، ويعزز نمو الشعر، ويفيد الجلد”.
وتستخدم ثمار القبار في إعداد بعض أنواع السلطات، والباستا، والبيتزا، وغيرها من الأطباق، كما أن بعض الشعوب الأوروبية تستخدم أوراقه في تحضير السلطة.
وأدى انتشار الوعي الطبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إعادة الاعتبار لنبتة القبّار، فصار الناس يحرصون على تموينها وإضافتها إلى الطعام، كما صنعوا منها مخلل القبّار الذي نال شعبية كبيرة.
تجار يشترون القبار كغذاء وعلاج
وتنتشر في مناطق نمو نبتة القبار، محلات للتجار مخصصة لشراء هذه النبتة النادرة بأسعار رخيصة لا تتجاوز 16 ألف ليرة للكيلوغرام، ثم يبيعونها في المدن، حيث تلقى رواجاً كدواء معالج للأمراض، ويتم تصدير كميات منها للخارج.
ويعترف أبو محمد، بأنه مضطر لبيع الكيلوغرام بناء على السعر المحدد من قبل التجار. ويقول: “أعرف أنهم يشترون كميات كبيرة من القبار، بأسعار زهيدة، ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة في الأسواق، لكننا لا نستطيع القيام بذلك، فنكتفي ببيع الثمار بعد قطفها مباشرة للتجار القريبين من أراضينا، أفضل من ذهابنا للمدينة”.
ويمكن للمسافر، من دمشق إلى حمص وحماة والمناطق المحيطة، مشاهدة مجموعات كبيرة من الأطفال، تقطف القبار في ساعات الصباح الباكر، قبل أن ترتفع درجات الحرارة وتشتد أشعة الشمس.
وتقول الطفلة، سلمى، لـ”إرم نيوز” بينما تنهمك بقطف القبار: “نحن أربعة أخوة، نخرج إلى جمع القبّار، قبل شروق الشمس، ونبقى حتى الساعة 11 ظهراً، وكل واحد منا يتمكن من جمع قرابة 3 كيلوغرامات من القبار يومياً”.
وتبدي سلمى، سعادتها، بالمهمة الجديدة التي تقوم بها العائلة، وتصفها بالسهلة والمسلية. وتضيف: “نستيقظ قبل الساعة السادسة صباحاً، ونحمل زوادتنا مع قناني الماء، ثم ننتشر في الأراضي الزراعية بحثاً عن القبار، ونتبارى من يستطيع جمع أكبر كمية”.
فرق من الأطفال ومباريات!
ويكتفي بعض الأطفال بالبحث عن القبار بالقرب من منازلهم، بينما هناك فرق من الأطفال والعائلات، تقطع مسافات طويلة للوصول إليه. ويضيف أبو محمد: “نتيجة ارتفاع سعر المبيع، كثر جامعو القبار في المنطقة، وراح بعضهم يشكل مجموعات تبحث عنه في أماكن مجاورة وبعيدة، بهدف زيادة الكمية المقطوفة والحصول على مرابح أكبر”.
ويشرح أبو محمد كيفية التعامل مع ثمرة القبار، حتى لا تتعرض للضرر، ويقول: “يجب وضع حبات القبار، في الماء المالح، حتى لا تفسد بسبب الجفاف. كما يجب قطف الحبات المغلقة غير المفتّحة؛ لأن التجار لا يشترونها”.
وقال لنا الطفل خالد: “أنا مبسوط اليوم، لأنني للمرة الأولى أجمع أكثر من إخوتي، وصار معي حتى الآن أكثر من 3 كيلوغرامات من القبار”.
واستطاع الأطفال عبر التجربة، تحديد أوزان القبار في الأواني المستخدمة قبل وزنها. كما صاروا يتبارون في نوعية الثمار المقطوفة، حيث تحظى الحبات الصغيرة والمغلقة جيداً، بسعر أعلى عند التاجر.
وعادت نبتة القبّار إلى الواجهة، منذ عدة سنوات، إلى جانب نباتات أخرى لا تقل قيمة عنها، مثل “القندريس، والخرفيش، والقريص”، التي يقول الأطفال إنها مفيدة جداً، استناداً إلى ما قرؤوه على السوشيال ميديا. لكن الأمر محكوم برغبة التجار بالشراء، والسعر المدفوع لقاء الكيلوغرام.