يشهد المغرب تراجعا مقلقا في حصة الفرد السنوية من المياه وفق معطيات رسمية، بينما تسعى المملكة إلى تحقيق “الأمن المائي” بمشاريع التحلية.
وتراجعت حصة الفرد من الماء في المغرب إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 في 1960، ومن المتوقع أن تقل الكمية عن 500 متر مكعب بحلول 2030، بحسب تقرير سابق لـ”المجلس الاقتصادي والاجتماعي” بالمغرب.
وتقول السلطات المغربية، إن معدل هطول الأمطار هذا الموسم في المملكة هو الأدنى منذ 41 عاما.
وأقرت الحكومة في وقت سابق، برنامجا للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة بين 2020 و2027، باستثمارات 115 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار أمريكي).
وبموازاة سياسة السدود، توجه المغرب في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداته المائية، خاصة بعد اندلاع احتجاجات في مناطق تشهد نقصا حادا في المياه.
خَصاص كبير
عبد الحكيم الفيلالي، الأستاذ بالكلية الحكومية المتعددة التخصصات في خريبكة، يرى أنه “أمام الخَصاص الكبير في الموارد المائية، لجأ المغرب إلى إقرار العديد من التدابير”.
وقال الفيلالي إن المغرب بذل مجهودات كبيرة لتدبير موارده المالية وتنمية العرض المائي، بما في ذلك تحلية مياه البحر والاستمطار الصناعي.
وبهدف الوصول إلى 20 محطة للتحلية في أفق 2030، اعتمد المغرب مخططا لإقرار مشاريع تتعلق بتحلية ماء البحر، وفق الفيلالي.
ولفت الخبير المغربي إلى أن “المملكة تسعى إلى تأمين نحو 53 بالمئة من احتياجاتها من الماء من خلال مشاريع تحلية مياه البحر”.
أكبر المحطات
مطلع 2022، شرع المغرب في استثمار محطة لتحلية المياه بمحافظة “اشتوكة آيت بها”، وهي إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر في منطقة البحر المتوسط وإفريقيا.
وتبلغ سعة هذه المحطة، في مرحلة أولى، 275 ألف متر مكعب يوميا، منها 150 ألف متر مكعب موجهة للمياه الصالحة للشرب، ويمكن لمليون و600 ألف نسمة الحصول على هذه المياه في مدينة أكادير.
وفي 1976 أنشأ المغرب أول محطة لتحلية مياه البحر في مدينة طرفاية، بطاقة إنتاجية بلغت 70 مترا مكعبا يوميا، أتبعها بمحطات في مدن أخرى بينها بوجدور وأغادير.
كما شرع في تشييد أكبر محطة لتحلية مياه البحر في القارة الإفريقية بمدينة الدار البيضاء، وتفيد معطيات رسمية بأن سعتها ستبلغ 300 مليون متر مكعب، بكلفة إجمالية 10 مليارات درهم (نحو 1.1 مليار دولار).
عوامل النجاح
يرى الفيلالي، أن “كل عوامل نجاح مشاريع تحلية المياه في المغرب متوفرة”.
ويمتلك المغرب واجهتين بحريتين، بإجمالي 3500 كيلومتر من الشواطئ، ثلثها على البحر الأبيض المتوسط، والبقية على المحيط الأطلسي، وفق الفيلالي.
وتابع: “أيضا تعرف المملكة ظاهرة انتقال السكان من المناطق الداخلية نحو الساحل، مما سيؤمن الماء الصالح للشرب لسكان السواحل بأقل كلفة”.
وأردف: “من شأن مشاريع تحلية مياه البحر، خلق مناطق سقوية من شأنها ضمان الأمن الغذائي”.
ويرى الخبير المغربي، أن بلده “ينهج سياسة ربط السياسة المائية بالتنمية”.
وتابع: “تم إقرار استراتيجية وطنية للماء 2009-2030، إلا أنه أمام بطء تنفيذ المشاريع، باعتراف من وزير التجهيز والماء، نزار بركة، لجأت الحكومة إلى تسريع وتيرة الإنجاز”.
وأضاف: “أقر المغرب مخططا وطنيا للماء، ويوجد بالبلاد تسع محطات لتحلية لمياه البحر تنتج 147 مليون متر مكعب في السنة”.
وزاد: “توجد آلاف آبار استخراج المياه الجوفية، وهو ما سيضمن تأمين مياه الشرب للمواطنين، وتلبية حاجيات الفلاحة والسقي، والصناعة، والطاقة”.
تحذير دولي
في 27 أبريل/ نيسان الماضي، قال البنك الدولي، إن خمس دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “تعاني من شح المياه حديثا”.
وزاد التقرير: “يتعلق الأمر بالبلدان الواقعة فوق الحد المطلق لشحّ المياه، البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا”.
وتابع: “تضم هذه المجموعة خمسة بلدان، هي المغرب والعراق وسوريا ومصر وإيران، وتضم أكثر من 70% من سكان المناطق الريفية في المنطقة”.
وأضاف: “وفق التقديرات، فإنه بحلول عام 2050، ستكون هناك حاجة إلى 25 مليار متر مكعب إضافية، من المياه سنويا، لتلبية احتياجات المنطقة (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)”.
ويعادل الخصاص المتوقع من المياه في المنطقة، يضيف التقرير: “إنشاء 65 محطة أخرى لتحلية المياه، بحجم محطة رأس الخير في المملكة العربية السعودية، وهي الأكبر في العالم في الوقت الحالي”.
وتشير تقارير الأمم المتحدة، إلى أن 17 دولة من أصل 22 دولة عربية تعيش على خط الفقر المائي، بينها 12 دولة تحت هذا الخط، و16 دولة مهددة بالجفاف بحلول 2040 من أصل 33 دولة حول العالم.
وعلى مستوى العالم، فإن حوالي 1.1 مليار شخص يفتقرون إلى إمكانية الحصول على الكفاية من المياه، وسيعاني 2.7 مليار شخص من ندرة المياه لمدة شهر واحد في العام، وقد يواجه ثلثا سكان العالم نقصا في المياه بحلول عام 2025.
ويحظى ملف تدبير الموارد المائية في المغرب باهتمام خاص من عاهل البلاد الملك محمد السادس، الذي اجتمع أكثر من مرة خلال السنوات الأربع الماضية بمسؤولين كبار لبحث الأمر.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعا العاهل المغربي، إلى “أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية”.
وأكد الملك، في خطاب خلال ترؤسه افتتاح البرلمان، أن “الحالة الراهنة للموارد المائية، تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها”.
وزاد: “المغرب أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي، ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة”.
متابعات