الزواج المدني “أونلاين” يوقع لبنانيين بمشكلات قانونية.. والأطفال يدفعون الثمن

بعد قصة حب جمعتهما لسنوات، قرر فوزي وخطيبته تكليلها بالزواج المدني عبر تقنية الأونلاين، أسوة بعدد من اللبنانيين الذين سبقوهم على هذه الخطوة، إلا أنهما تفاجآ بعد إقدامهما على ذلك برفض المديرية العامة للأحوال الشخصية التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية تسجيل وثيقة زواجهما، بل حتى شطب كل وثيقة عقدت على ذات النحو.

أسباب عدة دفعت فوزي إلى الزواج المدني عبر هذه التقنية التي تسهلها ولاية يوتا الأميركية بشكل خاص، وكما يقول لموقع “الحرة” ” أولاً لأني أعتبر أن الزواج حرية شخصية، فلكل فرد أن يختار الطريقة التي تناسبه، ثانياً رغبت وخطيبتي أن نتشارك فرحتنا مع كل أفراد عائلتنا وأصدقائنا، من دون أن نتوقع لوهلة أن يتخذ المدير العام للأحوال الشخصية قراراً يحرمنا من حقنا، رغم أننا تأكدنا قبل حسم قرارنا أن هذا النوع من الزيجات لا يخالف القوانين اللبنانية والدليل أن القنصلية اللبنانية وثقته”.

في الثالث من شهر مارس الماضي، عقد فوزي وخطيبته قرانهما، وفي 6 يونيو الماضي أرسلت القنصلية اللبنانية وثيقة الزواج في حقيبة دبلوماسية إلى وزارة الخارجية والمغتربين لتصديقها وإرسالها إلى وزارة الداخلية، وبالفعل أرسلتها للقيد تحت الرقم 8912/2022، لتبدأ المماطلة من دون أن يتلقى فوزي أي إجابات على أسئلته، مما دفعه إلى الاستفسار من وزارة الخارجية، ليأتيه الجواب الصادم كما يقول بأن “وزارة الداخلية ردت الوثيقة مع قرار صادر بحقنا رفضت حتى تسليمنا إياه، لنعود ونحصل عليه من وزارة الخارجية حيث تضمن أسباب رفض توثيق زواجنا، وكلها غير مقنعة وغير قانونية”.

ويثير مطلب تشريع قانون الزواج المدني الجدل في لبنان، فبينما تطالب جمعيات ومنظمات لبنانية عدة بإعطاء اللبنانيين حق اختيار نوع عقد زواجهم، سواء كان مدنيا أم دينيا، ترفض المرجعيات الدينية بقوة هذا الأمر، أما السلطات اللبنانية فتعترف بعقود الزواج المدني، إن أبرمت في الخارج، وتسمح بتسجيلها لدى الدوائر الرسمية المختصة.

وبعد أن وجد اللبنانيون الراغبون بالزواج مدنياً عبر الإنترنت وسيلة لتذليل العقبات التي تحول دون إمكانية سفرهم إلى الخارج لعقد قرانهم، وعلى رأس تلك العقبات الظروف الاقتصادية الصعبة، لاسيما مع ارتفاع سعر صرف الدولار ومعدلات البطالة والفقر، يضاف إلى ذلك أزمة جوازات السفر التي بدأت منذ العام الماضي، صدموا بإغلاق وزارة الداخلية الباب الذي سهّل عملية الزواج مدنياً.

حجج “غير قانونية”

هناك ثلاث فئات من الأشخاص الذين تزوجوا أونلاين، بحسب ما يقوله مكتب المحامي فادي بشارة (الوكيل القانوي لفوزي)، شارحاً “الفئة الأولى تم تسجيل زواجها ومن ثم شطبه، الفئة الثانية وصلت أوراقها إلى المديرية العامة للأحوال الشخصية ليتم إعادتها إلى القنصلية اللبنانية في لوس أنجلوس، وفئة لا تزال أوراقها في القنصلية”.

ويضيف، في حديث لموقع “الحرة”، أنه “بحسب القانون اللبناني فإن أي زواج مدني يعقد في بلد أجنبي، يعتبر قانوني، ليسلك من بعدها طريقاً إدارياً، يبدأ بإرسال أوراق الزواج من البلدية التي عقد فيها أو غيرها، إلى القنصلية اللبنانية في البلد حيث تنظم وثيقة الزواج وترسلها عبر حقيبة دبلوماسية إلى وزارة الخارجية اللبنانية، فتقوم بتصديقها وختمها، قبل إرسالها إلى وزارة الداخلية اللبنانية للقيد، حيث يقوم المدير العام للأحوال الشخصية بإرسالها إلى دائرة النفوس للتنفيذ”.

ما حصل أن المدير العام للأحوال الشخصية تمنّع، كما يشير المكتب القانوني لفوزي عن التوقيع على وثيقة زواجه، مصدراً قراراً برر خلاله سبب إقدامه على ذلك، وهو أن “العاقدين مقيمين في لبنان في وقت إتمام مراسيم الزواج، كما لم تظهر الوسيلة التي استعملت في التواصل مع العاقدين، فيما إن كان بالوساطة أو بالوكالة أو عبر الهاتف أو الإنترنت، وأن وثيقة الزواج لا تحمل توقيع العاقدين، كما لا تحمل أي مصادقة أو توقيع المرجع الذي أجرى هذا العقد”.

ورداً على ما ورد في القرارن أكد المكتب القانوني أن ” اللبناني يخضع أياً يكن على أي أرض في العالم لقانون البلد الذي عقد قرانه، وفي حال صحّة قاعدة “المكان يسود العقد”، فإن عدداً من الأشخاص لم يكونوا متواجدين في لبنان حين عقدوا قرانهم، مثال على ذلك لبناني تزوج من مصرية وعقد قرانه أونلاين من مصر، فعلى أي أساس يتم رفض زواجهما بحجة أنهما متواجدان على أرض لبنانية، هذا يؤكد التعسف بالقرار الصادر، فأي وثيقة زواج قادمة من أميركا يتم ردها أو شطبها”.

أما فيما يتعلق بالتواقيع، فهي رقمية، وقد نصت المادة الرابعة من قانون المعاملات الإلكترونية رقم 81، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 45 بتاريخ 18 اكتوبر 2018، كما يقول المكتب القانوني على أن “التواقيع الرقمية لها نفس المفاعيل القانونية التي تتمتع بها التواقيع الورقية، بصرف النظر عمّا إذا كان الزواج قد تم حضورياً أم عبر تقنية مؤتمرات الفيديو”، وفيما يتعلق بمصادقة المرجع الرسمي فهي واضحة خلف الوثيقة.

ورداً على الحجة الثالثة، التي استندت إليها المديرية العامة للأحوال الشخصية، المرتبطة بعدم وضوح الوسيلة التي تم اعتمادها في الزواج، يقول المكتب القانوني “لا يوجد في وثيقة الزواج اللبنانية المنظمة في لبنان، أو في القنصليات اللبنانية، خانة تظهر الوسيلة التي تمّ بها عقد الزواج، والمادة 25 من القرار 60 ل.ر تنص على أن الزواج يكون صحيحاً، إذا احتفل به وفقاً للأشكال المتّبعة في البلد الذي أجرى هذا الاحتفال”.

ويشدد على وجود مراسلات بين المكتب والقنصلية اللبنانية في لوس أنجلوس “أكدت خلالها الأخيرة قانونية هذا النوع من الزواج، في وقت لا يحق لمديرية الأحوال الشخصية أن تبدي رأيها بوثيقة الزواج التي نظمت في القنصلية”، في حين أكدت المديرية العامة للأحوال الشخصية لموقع “الحرة” أن رأيها القانوني واضح في الكتاب الذي أرسلته، والقضية أصبحت بيد القضاء الذي تنتظر حكمه.

الأطفال يدفعون الثمن

عقد خليل رزق الله قرانه على زوجته ندى نعمة في نوفمبر 2021، عبر تقنية الأونلاين، وفي مايو الماضي تم تسجيل زواجهما، ليبدأ رزق الله بتقديم المشورة والمساعدة لكل من يرغب بالإقدام على هذا النوع من الزيجات.

في سبتمبر الماضي، تفاجأ رزق الله باتصال تلقاه من مختار مقر نفوسه بكفيا، اطلعه خلاله أن القوى الأمنية حضرت إلى منزله من دون أن تجده حيث كان حينها في الولايات المتحدة الأميركية، وبأنها تريد وثائق تثبت زواجه، عندها تواصل كما يقول “مع المديرية العامة الأحوال الشخصية ليصدم باعتبار عقد زواجه غير قانوني” والأمر الغريب كما يشدد في حديث لموقع “الحرة” تمثل في “السرعة القياسية لتنفيذ قرار المدير العام، ففي خلال يومين تم شطب زواجنا، قبل حتى التواصل معنا والاستفسار عن الموضوع”.

“بشخطة” قلم، كما يقول خليل تم تغيير حياة ثنائي، وطفل رزقنا به قبل حوالي الشهرين، لم يتم للأسف تسجيله حتى الآن، “وقد أُبلغت من مكتب المدير العام للأحوال الشخصية أنه يمكنني الاستحصال على أوراق ثبوتية له تشمل اسمي فقط من دون ذكر اسم والدته، وهذا ما لا يمكن أن أقبل به، أما الحل الآخر الذي أتحفنا به هو السفر إلى قبرص وعقد قراني من جديد، وكيف لي أن أقدم على ذلك وأنا أملك وثيقة زواج من أميركا، ولو لم تكن قانونية لما تم تسجيلها منذ البداية”.

عندما واجه المكتب القانوني، المديرية العامة للأحوال الشخصية، بأنها سبق أن سجلت عدة زيجات مشابهة، كان ردها بمراجعة السجلات وشطب كل الوثائق التي وصلت من أميركا وتحديداً من ولاية يوتا، وفوق هذا، كما تقول “عممت وزارة الداخلية قرارها على الخارجية اللبنانية التي بدورها أرسلته إلى القنصلية اللبنانية في لوس أنجلوس لتجميد وثائق الزواج التي وصلت إليها بعد ذلك التاريخ”.

وإلى اليوم لم تصدر مديرية الأحوال الشخصية تعميماً علنياً، كما يقول المكتب القانوني “لكي يعلم اللبنانيون أن الزواج الذي يعقد أونلاين لن يتم تسجيله في وطنهم”، مضيفة “بكل عدم مسؤولية خلقت الوزارة مشكلة اجتماعية للأشخاص الذين تزوجوا عبر هذه التقنية، وبكل بساطة طلبت من أحد المشمولين بقرارها السفر إلى قبرص، أو غيرها من البلدان، لإعادة عقد قرانه على زوجته”.

أول الذين سيدفعون ثمن قرار وزارة الداخلية اللبنانية كما يشدد المكتب القانوني “هم ثمرة هذا الزواج أي الأطفال، الذين سيحرمون من جنسية وطنهم، وسيصبحون في عداد مكتومي القيد، وما سيرتب على ذلك من تحمّلهم تبعات لا علاقة لهم ولوالديهم بها، كل ذلك بحسب اعتقادها بسبب ضغوط دينية وسياسية”.

مصير مجهول

أعطى القانون اللبناني الحق للبنانيين بالزواج مدنياً خارج لبنان، كما منحهم الحق، كما يقول المحامي باتريك دميانوس، بتسجيل الزواج في وطنهم، إلى أن وقعت الإشكالية حول الزواج عبر تقنية الأونلاين، رغم أن الدراسات القانونية تؤكد أن لا لبس فيها، حيث لا تختلف عن الزواج الحضوري في أي بلد، حتى أن القضاء لجأ إلى هذه التقنية خلال أزمة كورونا فقام باستجواب السجناء عبرها وأصدر أحكاماً قضائية على أساسها”.

قرار المديرية العامة للأحوال الشخصية، كما يشدد دميانوس في حديث لموقع “الحرة” “سياسي وطائفي وليس قانونياً، حيث ضربت بعرض الحائط الانعكاسات السلبية جداً لما أقدمت عليه، وعلى رأسها بقاء الأطفال من دون قيد، أي أنهم غير معترف بهم، من هنا عدد كبير من الذين أقدموا على هذا النوع من الزيجات سيؤجلون فكرة إنجاب الأطفال إلى حين تسوية وضعهم”، ويشدد “حقوق الطفل في لبنان باتت في خطر كبير، نحن أمام حالة طارئة لا تنتظر حكم القضاء الذي يستغرق سنوات كما اعتدنا، فالقضية تحتاج إلى قرار سريع ومنصف”.

معيب ما يحصل، كما يقول دميانوس “في بلد يتغنى بالديمقراطية وينص دستوره على حرية المعتقد فارضاً على الدولة أن تحترم جميع الأديان والطوائف وأن تضمن احترام الأحوال الشخصية والدينية، لكن للأسف نحن في زمن تقييد الحريات”.

وسبق أن أكد مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان، أن “دار الفتوى المؤتمنة على الوجود والتاريخ والعقيدة لما فيه ‏مصلحة المسلمين واللبنانيين جميعا مواقفها ثابتة وصلبة، لا تزعزعها ‏التحديات، وستواجه بقوة وحزم كل الأفكار والطروحات المريبة ‏والمشاريع المشبوهة التي تنال من الشريعة الإسلامية السمحاء”.

وشدد على أن دار الفتوى “لن تسمح بتمرير مشروع الزواج المدني ‏المخالف للدين الإسلامي ولكل الشرائع، والذي يخالف أيضا أحكام الدستور ‏اللبناني فيما يتعلق بوجوب احترام قانون الأحوال الشخصية المعمول ‏به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه، هذه ثوابت ‏دار الفتوى والمسلمين جميعا في لبنان”.

رزق الله ليس ضد الزواج الديني، كما يشدد “لكننا مع حرية الاختيار، ونتمنى أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار” متسائلاً ” لماذا على اللبنانيين أن يتكلفوا مصاريف السفر لعقد زواجهم المدني في الخارج، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي المزري، وصعوبة الحصول على جواز سفر، حيث يبدو واضحا أن الطبقة السياسية ورجال الدين يرفضون تسهيل حياة المواطنين، وها أنا أنتظر أن تتقدم المحامية التي وكلتها بقضيتي بشكوى إلى مجلس شورى الدولة وإلى القاضي المنفرد للأحوال الشخصية، على أمل أن ينصفني القضاء وغيري ممن يواجهون ذات الإجحاف”.

ما يحدث، بحسب فوزي، ظلم كبير من قبل وزارة الداخلية، معبّراً عن أمله بأن ينصفه القضاء ويعيد حقه وحق زوجته، ويقول “لا أعلم لماذا تمعن الطبقة السياسية في لبنان بالضغط على المواطنين من كل الاتجاهات، فإذا كان باستطاعتي السفر إلى قبرص وعقد قراني هناك، إلا أن عدداً كبيراً من اللبنانيين لا يمكنهم ذلك، أولا بسبب الأوضاع الاقتصادية وثانياً لعدم تمكنهم من الحصول على جوازات سفر قبل سنة بالحد الأدنى من تقديم الطلب”.

70 ثنائياً عقدوا قرانهم أونلاين ينتظرون للأسف مصيراً مجهولاً، كما يشدد المكتب القانوني، داعياً “وزارة الداخلية والمديرية العامة للأحوال الشخصية، إلى التراجع عن هذا القرار المجحف والمتعسف وغير القانوني”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى