تضخم وأزمات اقتصادية تنذر بـ “الموت جوعا”.. ودول عربية “في حال يرثى لها”

تتفاقم المشاكل الاقتصادية في العالم، نتيجة ما عانت منه الدول منذ بداية جائحة كورونا قبل عامين، وصولا إلى الحرب الروسية في أوكرانيا، وانعكاس ذلك سلبا على إمدادات الطاقة والأمن الغذائي، الأمر الذي ساهم بارتفاع أسعار النفط والأغذية.
وتعاني الدول النامية التي تعتمد على استيراد النفط والغذاء من التضخم ومن ارتفاع الأسعار، وهو ما يزيد من مخاطر الجوع ويوسع رقعة الفقر، خاصة في ظل غياب سياسات حكومية لمعالجة الأزمات الاقتصادية.
وفي إطار ذلك، أكد مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أن على الدول ضمان زيادة المنافع الاجتماعية والأجور مع ارتفاع التضخم، وإلا فقد “يتضور الناس جوعا” أو “يتجمّدون من البرد” هذا الشتاء.
وقال أوليفييه دي شوتر: “ليس من المبالغ أن نقول إننا سنفقد أرواحا في حال لم تزيد الحكومات المنافع والأجور بالتماشي مع زيادة التضخم”.
وأضاف “فيما يخص جائحة كورونا، فإن الفئات الأكثر هشاشة هي التي تدفع ثمن الأحداث العالمية. ومن المتوقع أن تؤدي الأزمات مجتمعة إلى دفع 75 إلى 95 مليون شخص إضافي إلى الفقر المدقع هذا العام وحده”.
وتعاني عدة دول عربية من انهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، نتيجة أزمات اقتصادية متفاقمة، ومنها انهيار سعر صرف العملة في مقابل الدولار، مما زاد من معدلات الفقر.
توقع الأسوأ
وخفض صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2023 إلى 2.7 في المئة، فيما تعاني الدول من تبعات غزو روسيا لأوكرانيا وغلاء الأسعار.
وقال بيار أوليفييه غورينشاس، المستشار الاقتصادي في الصندوق في تحديث لتوقعات نمو الاقتصاد العالمي: “يجب توقع الأسوأ”، مضيفا أن “كثيرا من الناس سيعانون في عام 2023”.
وتأتي توقعات صندوق النقد، بعد يوم من تحذير رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، من تزايد المخاطر بحدوث ركود عالمي، مع استمرار مشكلة التضخم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال مالباس: “هناك خطر حقيقي من حدوث ركود عالمي العام المقبل”، مشيرا إلى تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة وانخفاض قيمة العملة في العديد من البلدان النامية.
الموت من الجوع
وفي حال عدم زيادة الأجور والمنافع الاجتماعية من قبل الحكومات في الدول العربية، تقول الخبيرة الاقتصادية، محاسن مرسل، إن “الطبقة المتوسطة ستتقلص وستكبر الطبقة الفقيرة، وهناك بالفعل أناس سيموتون من الجوع، لأنه لن يكون لديها القدرة على شراء الطعام والغذاء”.
وتابعت أن ذلك يمكن أن يحصل”بسبب الغلاء العالمي وارتفاع الأسعار، وانكفاء الدول عن القيام بدورها، وهناك تحذيرات دولية من زيادة الفقر والجوع والأمراض والمشاكل الاجتماعية وموجات الهجرة”.
ولفتت في حديثها لموقع “الحرة” إلى أن هذه المشاكل “ستزيد الأعباء على المؤسسات الدولية المانحة مثل منظمة الأغذية العالمية (…) وكلما تشتد الأزمات سيكون هناك مزيد من الضغط على هذه المؤسسات”.
وإن لم يكن هناك تحرك من قبل الحكومات لحل هذه المشاكل، فنحن مقبلون على مزيد من الفقر والجوع، وذلك “نتيجة حتمية” بحسب مرسل، ويجب أن يكون هذا التحرك “على أساس علمي وبنّاء ومدروس وألا يكون غوغائيا”.
فروق بين الدول
محمد سي بشير، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر الذي كتب رسالة عن “المساعدات الاقتصادية ودورها في صنع السياسة الخارجية”، قال لموقع “الحرة” إن العالم كله يعيش إشكاليات اقتصادية كبيرة، مرجحا أن يشهد العالم “في غضون عام أو اثنين أو ثلاثة أعوام” أزمتين” في الغذاء والطاقة.
وسيكون لهذا “انعكاسات على عدة دول خاصة الدول المنكشفة (للعوامل المتعددة)، ومن بينها الدول العربية، التي سيزيد انكشافها، لذلك على هذه الدول تأخذ هذا الأمر بهذا الاعتبار بحيث توفر الأجور الكافية للحصول على الغذاء والكرامة الإنسانية”.
ويشير إلى أن التداعيات السلبية للجائحة وحرب أوكرانيا يعايشها المواطن يوميا، والعديد من الحكومات دخلت في ركود اقتصادي بعد تعطل سلاسل الإمداد وإغلاق مصانع.
وهذه “الدول المنكشفة” (exposed countries) تعاني الأمرين، وفقا لبشير، الأول هو هذه المشاكل التي تشهدها يوميا، والثاني هو اللجوء للمؤسسات الدولية وهذه المؤسسات تفرض عليها أن تكون لديها سياسات اجتماعية تقشفية، ما يعني أن تجمد الأجور.
وأكد أن هذا يؤدي إلى الفقر وتسريح موظفين وإغلاق الشركات وإعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص و”هو في العالم العربي ليس منتجا بل هو قطاع خدمات”.
لكن الخبير يشير إلى أنه لو تحسنت الأمور على مستوى بعض الاقتصادات النفطية لن تكون الأزمة خطيرة، على عكس الدول غير المنتجة للطاقة التي ستعاني شعوبها.
ويشير جهاد حكيم، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت في حديثه مع موقع “الحرة” إلى فروق كبيرة بين الدول العربية، مشيرا إلى أنه في أعلى 10 اقتصادات عربية، (في الخريطة أدناه التي تستند إلى بيانات فوربس) ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في 2022.





