يعكس بيت الحكمة الرؤية والحكمة القيادية في تعزيز الثقافة والابتكار من خلال تطوير المكتبات التقليدية لتصبح مراكز ثقافية ومنصات معرفية معاصرة بأحدث التقنيات، ويقدم النموذج اللافت من نوعه لمؤسسة ثقافية تواكب العصر من دون التخلي عن أصالتها وعن تراثها من المعرفة والفكر وصورة للمستقبل الذي نطمح من خلاله لمكتبات ومراكز ثقافية حداثية.
وبين الإرث الثقافي العربي وأحدث الابتكارات التكنولوجية يتبين أن «بيت الحكمة» ليس مجرد مكتبة، بل هو مساحة للابتكار والتفاعل والإبداع يسهم بها في نشر المعرفة وتعزيز دور الثقافة في التنمية المجتمعية، ويواصل تحقيق الرؤية السامية في جعل المعرفة متاحة للجميع، ومن خلال برامجه المتنوعة وخدماته المبتكرة يرسخ مكانة الشارقة كمركز عالمي للثقافة والفكر.
وتحمل وثيقة ميلاد «بيت الحكمة» تعريفاً يميز تأسيسه الذي جاء بمناسبة اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 من قبل منظمة اليونسكو ليعكس ما يحمله من طموحات تتطلع إليها الشارقة لتكون منارة كبرى، ونخلة وارفة للمعرفة والفكر لا تتنازل عن كون الكتاب جزءاً من مشهدها الثقافي ولبنة من لبنات الاستدامة والتطور فيه.
وبات اليوم بيت الحكمة وبما يحويه من معارف وكنوز أدبية قبلة معرفية وجزءاً من مشروع الشارقة لاستدامة المعرفة وتعزيز الفكر، وتمكين المجتمع بسلاح المعرفة والعلم واستكمالاً لجهودها في جعل الثقافة أسلوب حياة وطريقاً للعالمية وليس العكس.
ويشكل بيت الحكمة بتصميمه المعنى المبتكر لأسلوب الدمج بين القدم والحداثة ويقدم نموذجا للمكان الذي يعتبر الطبيعة مع التكنولوجيا بيئة ملائمة للقراءة والتفاعل الثقافي المعاصر، من دون الإخلال بقيمة أو ميزة أي منهما.
ويعكس «نُصب المخطوطة» المتواجد أمام بيت الحكمة رمزية الحكمة والمعرفة، بالإضافة إلى رسالة المساحات الخضراء كونها نداء الأرض إلى روح الإنسان بقدرتها على تحويل المكان إلى بيئة ثقافية متكاملة تجمع بين الطبيعة والفكر الإنساني.
هذا التمازج الذي يطور ذائقة الأفراد في المجتمعات ويبقيهم على اتصال مع الطبيعة والواقع، ويمنحهم الفرصة للإحساس بالجمال بما يترجمه من حكمة التوازن في الحياة بين الطبيعة وبين الآلة، وقدرته على تطهير العقل من صخب الأفكار، وحيث يدرك الإنسان أن الحياة ليست سباقا، بل واحة للتأمل وأن الوجود ليس ضوضاء بل صمت عميق يحمل معاني الخلق والتجدد.
وكما يضم بيت الحكمة مكتبة ضخمة تحتوي على أكثر من 305,000 كتاب بين مطبوع ورقمي وكتب صوتية وأخرى تفاعلية يسمح نظام المكتبة الذكي للزوار باستكشاف الكتب بسهولة من خلال روبوتات ذكية تعمل على جلب العناوين المطلوبة، مما يسهل عملية البحث والاستعارة ويوفر للقراء خدمات مبتكرة تعزز المعنى الحقيقي للتقدم والاستفادة العملية من أدوات العصر لخدمة الإنسان وثقافته.
ويعد بيت الحكمة إضافة نوعية للمشهد الثقافي في الإمارات، فهو يرسّخ مكانة الشارقة كعاصمة للثقافة العربية والإسلامية ودوره كمنصة تجمع بين الباحثين والكتّاب والمثقفين والفنانين، ويوظف إمكانياته في استضافة العديد من الفعاليات الثقافية مثل معارض الكتب وورش العمل والندوات الفكرية التي تناقش أهم قضايا الأدب والفلسفة والتكنولوجيا وغيرها، ويسهم في تعزيز حب القراءة لدى الأطفال من خلال ما يوفره لهم من فضاءات تسهم في تنمية وعيهم الثقافي منذ الصغر مما يعزز الحراك الثقافي في الدولة.
إن بيت الحكمة وبدون شك واحد من نماذج النجاح في تطويع التكنولوجيا في عالم المعرفة، ودمج التقنيات الحديثة في مختلف خدماته يتيح تجربة لا تُنسى للزوار بدءا من التفاعل مع الكتب بطريقة رقمية والاطلاع على أرشيف واسع من المواد البحثية والمراجع العلمية والتمتع ببيئة عملية راقية مغمورة بدفء التراث وطموح المستقبل.