في عالم سريع الإيقاع، أصبحت الحاجة إلى الثقافة والقراءة أعمق من أي وقت مضى، خاصة مع انتشار
المحتوى السريع والمختصر على مواقع التواصل؛ فالثقافة ليست ترفاً، بل روح المجتمع ومحرك تطوره، والكتاب هو الوسيلة الأولى لنقل هذه الثقافة عبر الأجيال، وعبر الكتاب، يطلع الفرد على أفكار جديدة، ويكتسب معارف متنوعة، وينمي قدرته على التفكير النقدي.
القراءة مفتاح الوعي، وكل صفحة نقرأها توسع مداركنا وتفتح أمامنا نوافذ لفهم العالم، والجيل الحالي، الذي نشأ في بيئة رقمية بامتياز، بحاجة إلى إعادة اكتشاف متعة القراءة.
فالتحدي اليوم ليس قلة الموارد، بل وفرة البدائل السطحية التي تبعده عن القراءة العميقة؛ فكيف نعيد ربط الجيل الحالي بالكتاب؟
علينا أن نغير الطريقة التي نقدم بها القراءة لهم، فلا يكفي أن نطلب منهم قراءة كتب دراسية مملّة، بل أن نتيح لهم حرية اختيار ما يقرؤون، كالروايات المشوّقة، والكتب المصوّرة، والقصص التي تلامس قضاياهم واهتماماتهم. ومن الضروري خلق بيئة محفزة من مكتبات منزلية صغيرة، ومسابقات قراءة، ولقاءات مع مؤلفين.
لمعارض الكتب، مثل «معرض أبوظبي»، دور محوري في هذا الاتجاه، فهي لا تعرض الكتب فحسب، بل تقدّم تجارب تفاعلية من ورش، وجلسات قراءة للأطفال، وحوارات فكرية، ما يحوّل القراءة إلى نشاط حي وممتع.. ويعدّ «معرض أبوظبي» من أبرز الفعاليات الثقافية في العالم العربي، وإحدى أهم منصات دعم المعرفة والقراءة، وكل عام، يجتمع الكتاب والناشرون والمثقفون من مختلف أنحاء العالم في العاصمة الإماراتية؛ للاحتفاء بالكلمة المطبوعة، وتبادل الأفكار، وإلهام الجيل الجديد.
من الأمور المهمة أيضاً، التركيز على دعم الكتّاب الإماراتيين الشباب، عبر مبادرات مثل جوائز أدبية مخصصة، وبرامج للتوجيه والتطوير، وتسهيل النشر لهم محلياً وعالمياً، ودعم الكتاب الإماراتيين يعني تمكين القلم الوطني ليحكي قصصنا للعالم، ويعكس ثقافتنا وهويتنا بلغات متعددة. وتشجيع الشباب على دخول مجال الكتابة والتأليف يحتاج إلى إتاحة منصات لهم للظهور، وإشراكهم في فعاليات أدبية دولية، وتقديم منح وفرص احتضان لمشاريعهم.
الاستثمار في الجيل القارئ استثمار في المستقبل، أمة تقرأ أمة تفكر، تبتكر، وتتطور، ودور الأهل والمدارس والإعلام محوري في ترسيخ عادة القراءة، وعلينا أن نظهر للجيل الجديد أن القراءة ليست واجباً ثقيلاً، بل مغامرة تفتح لهم آفاقاً لا حدود لها.
«معرض أبوظبي»، ليس مجرد حدث ثقافي عابر، بل مشروع حضاري يرسخ مكانة الكتاب في زمن التحديات الرقمية، وبدعم الثقافة والقراءة والكتّاب الإماراتيين، نبني جيلاً أكثر وعياً، وأكثر إبداعاً، وأكثر قدرة على صناعة المستقبل.