كل فنان يرفض أن ترصده عين الرقيب، فالفن إبداع والإبداع حرية والحرية بنظر البعض خروج على كل المعايير، انفلات بلا أي ضوابط ولا مراعاة لحدود وقيم. والحدود لا تعني فقط الخط الفاصل بين الأدب وعدمه، بل الخط الفاصل بين وعي الكاتب والمخرج وكل فنان وجهله، أو تجاهله لأهمية ما يقدمه للناس ومدى تأثيره فيهم، خصوصاً أن البعض يدعي أن الفن مجرد تسلية، ولا تأثير له في سلوكيات الجمهور وتقليده لما يراه على الشاشة وفي نفس الوقت يتباهى ويتفاخر بالضجة التي يثيرها كل عام في رمضان، وأنه «نمبر وان» مدعياً أن البلطجة التي يقدمها هي «أكشن» يعكس الواقع في المناطق الشعبية.
لولا الانفلات ووصول بعض الكتّاب والمخرجين والمنتجين إلى درجة عالية من الغرور أعمتهم عن رؤية الواقع كما هو، بل أقنعوا الشارع بأن يكون صورة من عالمهم الذي يرسمونه له في الدراما، لولا هذا الانحدار بالمستوى الدرامي لما وصل الحال في مصر إلى تدخل مباشر من رئيس الجمهورية، لوضع حد وفرض الرقابة على الأعمال الدرامية بدل هذا الاستسلام المطلق لرغبة البعض في جرف الدراما المصرية، تحديداً إلى مستنقع عالم المخدرات والجريمة والعنف، بل البلطجة وغياب القانون والأمن والأمان، والغرق أكثر في دراما تفكك الأسر، حيث لا تجد عائلة سوية متصالحة مع مفهوم الأسرة، ولا هي متصالحة مع المجتمع، والمجتمع المشوّه الذي يلوك أهله الكلام، ويتحدثون بلكنة غريبة ويعلو فيه الصراخ والشتائم، بينما يغيب عنه كلياً صوت العقل والحكمة والهدوء والاحترام.
الهرج والمرج الذي حصل في الدراما المصرية جرفها للهبوط بمستواها، وصارت المسلسلات الجيدة الراقية حلماً يتحقق بأعمال على عدد أصابع اليد الواحدة، بينما الفاسد والمفسد يتمدد ويسيطر تماماً، كما يفعل أي بلطجي في الحارة. كل هذا أدى إلى التدخل المباشر من الحكومة لمنع هذه التجاوزات ومنع تشويه صورة المجتمع المصري على الشاشة، القرار أتى متأخراً وكنّا نتمنى أن تكون الرقابة الذاتية حيّة لدى كل المنتجين وأهل المهنة، فتمنع بشكل تلقائي كل كاتب ومخرج من تشويه صورة المجتمع، وتقديمه الأحياء الشعبية أشبه بحلبات مصارعة وكباريه، بينما الأحياء الراقية ساحة للانفلات، وأشبه بالمجتمعات الغربية لا العربية.
من حسن حظنا أن الدراما الفنية الجميلة والراقية طغت هذا العام على المشوَّهة والمشوِّهة للناس والمجتمع، فالجيد كثير والغث قليل، ولا شك في أن الآتي سيكون أفضل، وأول البشائر انسحاب المخرج محمد سامي من العمل في الدراما التلفزيونية، بعدما عاث فيها كثيراً، وتسبب بأضرار ربما تكون مقصودة وربما لا، لكنها لم تعد بالخير إلا عليه وعلى زوجته بطلة أعماله وعلى قلة من الممثلين، جعلهم سامي «نمبر وان» مثل محمد رمضان.