فن الانتظار وترتيب الأفكار

بقلم/شيماء المرزوقي

في عصرنا الحالي، حيث تتسارع وتيرة التطور التقني وتغير نمط حياتنا وطريق عيشنا، نميل جميعاً إلى الرغبة في تحقيق أهدافنا بسرعة فائقة من دون انتظار، وكأننا في معركة مع الوقت، ومع ذلك إذا ركزنا في التجارب خلال مسيرة حياتنا نتعلم أن لكل أمر وقته المناسب، فالانتظار ليس خسارة، بل هو فرصة ثمينة للتأمل وإعادة ترتيب الأفكار.

إن فن الانتظار لا يعني الجمود أو الفراغ، بل هو فرصة لأمور أخرى كثيرة، ولذلك قمت بتسميته فناً، ففي لحظات الانتظار تتفتح لنا أبواب التفكير العميق، ونرتب أفكارنا لنخطط لمستقبلنا بثقة وهدوء، إذ يمكن أن يتحوّل انتظار فرصة عمل أو فرصة حياة إلى دافع لتعلم مهارات جديدة أو لتوسيع دائرة معارفنا، مما يجعل من هذه الفترة جزءاً لا يتجزأ من رحلة النمو الشخصي والتطور.
تظهر الطبيعة لنا بوضوح كيف أن الانتظار يحمل في طياته جمالاً لا يقدر بثمن، فكما أن الأشجار لا تنمو ولا تثمر بين ليلة وضحاها، بل تمر بمراحل متعددة قبل أن تنضج وتثمر، كذلك الأهداف الكبيرة في حياتنا تحتاج إلى وقت وجهد للوصول إليها.

وقد أكد المفكرون والحكماء على هذه الحقيقة، إذ يقول جويس ماير: «الصبر ليس القدرة على الانتظار، بل القدرة على الحفاظ على موقف جيد أثناء الانتظار». هذه المقولة تعني أن النجاح لا يقاس بسرعة الوصول، بل بثبات الإصرار والحفاظ على نظرة إيجابية رغم طول الطريق. وهذا يعدّ مقياساً للنجاح، لأن معناه أن الصبر لا يمكّننا من تجاوز العقبات فحسب، بل يعدّ درعاً تحمي قراراتنا من الاندفاع والنتائج المتسرعة التي قد تجرنا نحو خيارات متهورة وخاطئة.

إن استعجال النتائج كثيراً ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات قد لا تثمر عن النتائج المرجوة، فكلما أعطينا أنفسنا فرصة لجمع المعلومات وتحليل الخيارات، زادت حكمة قراراتنا وزادت احتمالية أن تكون قرارات مناسبة، لذا، يجب علينا تحويل فترات الانتظار إلى محطات للتعلم والتطوير، فبدلاً من الشعور بالإحباط أو القلق، نستطيع أن نستثمر هذه اللحظات في تحسين مهاراتنا وصقل قدراتنا وتخطيط مستقبلنا بشكل أكثر وضوحاً. ومن خلال التأني نستشعر قيمة الوقت كمعلم ثمين يعلمنا أن الحياة ليست سباقاً نحو النهاية، بل هي مجموعة من التجارب واللحظات التي تُشكل شخصياتنا وتُحدد مساراتنا، فكلما أتقنا فن الانتظار والصبر، استطعنا مواجهة تقلبات الزمن بثبات أكبر وتحقيق رضا داخلي يُضيء لنا الطريق نحو مستقبل أكثر توازناً وسعادة.
إن هذا النهج لا يمنحنا فقط القدرة على التعامل مع تحديات اللحظة الراهنة، بل يعتبر استثماراً طويل الأجل في أنفسنا، يزودنا بالقوة لمواجهة ما هو قادم بثقة وإيمان بأن كل شيء سيحدث في أوانه المناسب، فالحياة ليست مجرد إنجاز سريع، بل رحلة مليئة بالدروس الثمينة التي تنتظر من يكتشفها ويتعلم منها.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى