لا هروب.. لكن اعتبرها دروساً

بقلم/شيماء المرزوقي

كل ما ينتقل من الحاضر إلى الماضي، يتحول إلى ذكريات. بعض تلك الذكريات لها وقعها القوي على الروح والنفس، ولها تأثير بالغ في حالتنا المزاجية، بعض الذكريات لا تكاد تذكر لعدم تأثيرها، حيث تكون مجرد إيقاع حياتي معتاد، لا قيمة عاطفية لها.
ولا شك أن هناك ذكريات جميلة، نتذكر اللحظات السعيدة التي عشناها خلالها، وهناك الذكريات الحزينة وتفاصيلها المؤذية. الذكريات تتراكم في عقولنا بشكل يومي، بل في كل دقيقة تمضي، هذا التراكم يسبب لنا النسيان، نسيان الكثير من الأحداث التي وقعت، والمواقف العصيبة التي مرت بنا، وهذه نعمة من الله بالغة، بل النسيان هنا يقوم بوظيفة مهمة في السلامة النفسية للإنسان.
ومع هذا، فإن هناك مواقف تعرضنا لها، وسبّبت لنا إما هزيمة، أو فشلاً، أو انهياراً.. مواقف باتت في الماضي وأخذت صفة الذكريات، وكلما تذكرناها تداعت علينا لحظاتها المؤلمة، ومواقفها القاسية، وبطبيعة الحال من الأفضل نسيانها، تجاهلها، حتى لا تؤثر في واقعنا، ولا في مستقبلنا، ومع هذا من الأهمية أخذ العبرة والعظة منها.. من الأهمية الاستفادة من الدروس.

يجب ألّا تجعلنا الأحداث الماضية وقسوتها نحاول طمسها نهائياً من ذاكرتنا، لأنني أخشى أن يتم أيضاً طمس ما تحمله من عبر ودروس نحن في أمسّ الحاجة لها، حتى لا نقع في نفس الأخطاء، ولا نكرر نفس المواقف المؤلمة، بمعنى تجنب الوقوع في نفس المطب مرة ثانية.

ولا سبيل لهذا إلا باعتبار ما يمر بنا من مواقف وقصص مؤلمة أو أحداث عصيبة، مراحلَ حياتية وواقعاً لا فكاك منه، والتعامل الأمثل معها يتمثل في أخذ العبرة والفوائد، والاستفادة منها، بمعنى تحويلها من ذكرى مؤلمة إلى ذكرى مفيدة، وليس بالضرورة كل فائدة تصلنا تكون في غلاف من السعادة والفرح، بعض الفوائد التي نتلقاها تكون مغلفة بالألم والهم والحزن.
والحقيقة أن الذكريات لا فكاك منها، ولا هروب منها، فهي حالة بشرية، جميع الناس لديهم مخازن ذهنية من القصص والمواقف، التي تنتج من التفاعل والعمل والحركة في هذه الحياة، ومهما حاولنا أن يكون حاضرنا جميلاً وهادئاً فإن بعض الحزن.. بعض الشعور بالهزيمة.. بعض القسوة التي تمسنا، وغيرها كثير، هي حالات لا يمكننا الهروب منها، ولا إلغاؤها.
مهما حاولنا، ومهما فعلنا من مهامّ وأعمال إيجابية وجميلة في حاضرنا، تبقَ الذكريات بحلوها أو مرها، ماثلة ومستمرة، ولا حلّ معها إلا بتعلّم كيفية التعامل معها، وكيفية توظيفها لخدمتنا، واعتبارها خبرات ودروساً حياتية ثمينة.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى