إذا كنا ننتظر من الدراما أن تقدم لنا دائماً ما يتناسب وواقعنا ومجتمعاتنا وما يمكن للأسرة بكامل أفرادها مشاهدته والاستمتاع به، فطبيعي أن تزداد الحاجة إلى هذا المطلب في شهر رمضان، إلا أن نسبة ما يتطابق مع أمنياتنا مما نشاهده على الشاشة أقل بكثير من دراما الصراخ والعنف والبلطجة والحوارات السوقية والشتائم التي نرفضها في الواقع ونبتعد بأبنائنا عنها، وهي فعلياً غير موجودة إلا في إطار ضيق ولدى فئة محددة من الناس، بينما كثرة انتشارها في المسلسلات توحي لك بأنك ستصادف هؤلاء النماذج في كل حي بل في كل بيت.
الدراما الخالية من التشوهات تمنح الجمهور مساحة من الخيال وفرصة للاستمتاع بجمال النص والحوار وأداء الممثلين وبراعة المخرجين، تدفعنا وبشكل عفوي للتحدث عنها وتشجيع كل من نعرفه على مشاهدتها، بل تدفع بكبار المخرجين والمؤلفين والممثلين (غير المشاركين فيها) إلى الكتابة عنها والإشادة بها، ليس مجاملة لمنتج أو مخرج أو كاتب أو ممثل، بل هي شهادة صادقة ومستحقة، مثل إشادة المخرج الكبير محمد عبد العزيز، بالمؤلف عمرو محمود ياسين عن مسلسله «وتقابل حبيب»، بكلمات قليلة لكنها تعني الكثير وتختصر حال الدراما قائلاً: «عمرو محمود ياسين.. أشكرك لإنقاذ سمعة الدراما المصرية».
«وتقابل حبيب» (تأليف عمرو محمود ياسين) و«قلبي ومفتاحه» (تأليف وإخراج تامر محسن) هما نموذج لركني الاستراحة والاستمتاع بالدراما المكتوبة بهدوء وبحرفية، دراما «طبيعية» تدخل بيوتنا لتضيف لمسة، خالية من تشوهات كثيرة انتشرت كالوباء وطالت لغة الحوار والمفردات وأسلوب الكلام والمطّ والتشدق والردح، وهنا لا بد من استغراب موافقة نجمات على أداء هذه الأدوار التي لا يبذلن فيها جهداً في الأداء وفي إبراز الموهبة، بل يبذلن مجهوداً في رفع الصوت والصراخ واللطم والعبوس، وخير نموذج مستفز هذا الموسم إلهام شاهين في «سيد الناس» تليها هالة صدقي في «إش إش»، فما تقدمه إلهام شاهين بدور اعتماد لا يحتاج إلى ممثلة صاحبة خبرة وموهبة، امرأة حاقدة متجهمة متشنجة لم نرها ولو للحظة تتكلم بشكل طبيعي، فحتى أشرس الناس لا يصرخون طوال الوقت، ولا الحالة العصبية تدوم طوال الوقت، بينما إلهام شاهين في حالة تشنج مستمر وعصبية متواصلة غير مبررة، لا تهدأ ولا تتحدث بشكل طبيعي أبداً.
كفاية تصدير صورة البلطجة لتلتصق في أذهان الناس ويصدقها أبناء الأحياء الشعبية فيقلدونها ويحولونها إلى أسلوب حياة وكلام وتصرفات وعنف حقيقي.. وإذا كانت موجودة لدى البعض تتسع رقعتها خصوصاً بين أطفال وشباب فئة من غير المتعلمين، كما تنعكس الدراما الراقية والجميلة على الجمهور وتترك بصمة في النفوس، ويتأثر بها وبما تقدمه من أفكار وتعالج من قضايا، فحتى معالجة القضايا في الدراما لا بد أن تكون معالجة واعية ومنطقية وحكمة نابعة من وعي المؤلف وقدرته على الموازنة بين الخيال والواقع، وحياكة كل تفاصيل الشخصيات بدقة.