بقلم / عائشة سلطان
الغياب هو إحدى الحالات الغريبة التي نمر بها وتصدمنا غالباً، غياب أحد أقرب الأصدقاء بشكل مفاجئ، هكذا تجده اختفى من حياتك دون مقدمات منطقية، أو غياب امرأة كانت تتردد على بيتكم باستمرار، تزور والدتك أو أختك ربما، فترتبط في ذهنك زمناً طويلاً باعتبارها جزءاً من الحياة اليومية التي اعتدتها في البيت، لكن ومن دون أن تنتبه يمر يوم واثنان وعشرة ثم شهر وأكثر فلا يعود لتلك المرأة أثر، هكذا تختفي فجأة كأنها تبخرت في الهواء، لم يقل لك أحد إنها سافرت أو هاجرت أو توفاها الله، تعرف بعد زمن أنها انتقلت مع زوجها أمام الجامع العربي إلى كندا، آخر بلاد الدنيا، لقد اختفت فعلاً!
ثم تختفي صديقة وأخرى وامرأة وثانية وعاشرة، وكل يفكر بعد زمن أين اختفت تلك النساء، ولأنه لا أحد يمتلك إجابة قاطعة فإن الجميع يدخلون في بحر من الاحتمالات اللانهائية، انطلاقاً من سد الذرائع والشكوك، لا أحد يريد أن يخوض في الدهاليز والزوايا المغلقة، الكل يطرح احتمالات لا نهائية لذلك الغياب، لكنها مريحة وسلسة، ثم يمضي.
«احتمالات لا نهائية للغياب» متوالية قصصية بديعة للقاصة المصرية (آية طنطاوي) فازت بجائزة ساويرس الثقافية العام الماضي، وصدرت مطبوعة في دار العين لأول مرة عام 2023.
اختارت آية بذكاء وتمكُّن أن تكون قصصها في شكل متتالية سردية متناغمة من أولها إلى آخرها، رابطها الأساسي وثيمتها الواضحة الغياب والأسى والفقد، والنساء اللواتي يختفين من حي الغائبين؛ لأسباب ربما تكون معلومة، لكن القاصة منحتها حالة أسطورية غامضة تقارب بها تيار الواقعية السحرية، وبلغة محكمة وسرد لا يعاني أي ترهل أو تكرار، بل يلامس ظاهرة موجودة، هي «الاختفاء المباغت»، الذي يعلمه الجميع، لكنهم يميلون إلى إنكاره هروباً وتبرؤاً من المسؤولية.
لكل قصة في المجموعة موضوعها وأبطالها المستقلون، لكنها جميعاً تصب في مجرى النهر ذاته؛ الغياب الأسطوري والنساء، ثيمة السرد العام الذي يوحد عوالم آية طنطاوي الحكائي في هذه المجموعة، في كل قصة ستقرأ وتلمس بوضوح عنوان الغياب واحتمالاته، دون أن تجده مسطوراً مباشرة في أي عنوان من العناوين العشرة التي تشير إلى عدد قصص المجموعة.
متابعات