“قاعات حارقة وموتى على الطريق”.. شهادات جديدة تكشف مآسي “تجارة الحج” للأشخاص غير المسجلين رسميا

“شعرت وكأن القاعات تحترق.. أشخاص أصغر رقدوا موتى على الأرض”.. هكذا عبرت امرأتان كانتا ضمن الأشخاص غير المسجلين في مناسك الحج هذا العام، التي شهدت وفاة نحو 1300 شخص من جراء ارتفاع درجات الحرارة.

وتعكس التجربتان اللتان خاضتهما الأردنية هدى عمري، والمصرية ماجدة موسى، مأساة ارتفاع درجات الحرارة هذا العام في السعودية وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

وكانت السعودية أعلنت أن أكثر من 1300 شخص توفوا خلال أدائهم مناسك الحج، مشيرة إلى أن غالبيتهم “من غير المصرح لهم”، وهو ما حال دون وصول كثيرين منهم إلى الخدمات الحيوية مثل الحافلات والخيام المكيفة.

وقال مسؤولون سعوديون إن 1.8 مليون شخص أدوا هذه الفريضة هذا العام، وهو عدد مماثل تقريبا للعام الماضي، 1.6 مليون منهم.

وسلطت الوفيات الضوء على التحديات التي تواجه الجهات المنظمة لموسم الحج في ظل تجلي تأثيرات تغير المناخ في المنطقة، إذ أثارت إلزامية التسجيل والحصول على تصاريح رسمية للوصول إلى مثل هذه الخدمات القلق من أن الحجاج غير المسجلين قد يتعرضون بشكل متزايد لدرجات حرارة مرتفعة تهدد حياتهم، مع صعوبة في الوصول إلى تدابير السلامة التي وضعتها السلطات، لذا فإن الظروف المالية للحجاج تحدد المعاملة التي يواجهونها.

ويقيم الحجاج المسجلون في فنادق في مدينة مكة أو في منى، وهي مدينة من الخيام البيضاء التي يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 3 ملايين شخص وتوفر الاستحمام والمطابخ وتكييف الهواء. كما يتم نقلهم بين الأماكن المقدسة، مما يجنبهم أشعة الشمس الحارقة.

أما غير المسجلين في مكة فيجدون أنفسهم محشورين في شقق فارغة في منطقة جنوبية أصبحت مشهورة بين وكلاء السفر. وخلال أشهر الحج، يؤجر هؤلاء الوكلاء مباني كاملة يتم تكديسها بالحجاج.

ومن بين هؤلاء هدى عمري التي انتظرت أمام مكتب وكيل في الأردن لمدة يومين، من أجل الحصول على تأشيرتها لأداء الحج. وفي مصر، جمع أبناء ماجدة موسى الثلاثة ما يقرب من 9000 دولار لتحقيق حلم مرافقة والدتهم إلى الحج.

وقالت كلتاهما إنهما كانتا تدركان أن الرحلة التي تحدث مرة واحدة في العمر ستكون مرهقة جسديا وماليا، لكن لم يتوقع أي منهما الحرارة المرتفعة، أو سوء المعاملة.

وقالت عمرى للصحيفة الأميركية بعد عودتها للوطن: “تعرضنا للإذلال والعقاب بسبب وجودنا هناك بشكل غير قانوني”.

وأعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية (نزاهة)، مؤخرا، توقيف 155 شخصا بعد تحقيقها مع 382 مشتبها به في قضايا يتعلق بعضها بموسم الحج. 

وقالت الهيئة في بيان إنها خلال شهر يونيو الماضي أجرت 9623 جولة رقابية بالمشاعر المقدسة، والجهات الخدمية خلال موسم الحج.

وأضافت أنها حققت مع 382 شخصا يتبعون وزارات الداخلية والعدل والتعليم والصحة والشؤون البلدية والقروية والإسكان والتجارة والنقل والثقافة، بالإضافة إلى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك. 

وأوقفت الهيئة من بينهم 155 شخصا، تم اتهامهم في جرائم فساد تشمل الرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي والتزوير وغسل الأموال. 

وقالت السلطات الأردنية، الأسبوع الماضي، إنها ألقت القبض على 54 شخصا وأغلقت 3 وكالات سفر بعد وفاة 99 أردنيا أثناء الحج.

وتقول عمري إنها دفعت 2000 دينار (أكثر من 2800 دولار) مقابل حزمة تشمل السفر والتأمين والإقامة. ورغم أن هذا “ليس مبلغا صغيرا”، إلا أنه لا يزال نصف تكلفة حزمة الحج الرسمية.

وعندما وصلت عمري إلى السعودية، قالت إنها حصلت على غرفة في مبنى كان تكييف الهواء فيه بالكاد يعمل. وقالت: “شعرت كأن القاعات تحترق”.

لذلك، دفعت المزيد من المال للحصول على فندق لائق، حيث شاركت غرفة مع نساء من مسقط رأسها.

أما ماجدة فقد كلفها الحج حوالي 2500 دولار، بالإضافة إلى مبلغ 2000 دولار لكل من مرافقيها الثلاثة، ومع ذلك، كانت التكلفة أقل بكثير من الحزمة الرسمية.

ودفع أبناؤها مئات الدولارات لتتمكن من الحصول على سرير في غرفة فندق مع ثلاث نساء أخريات، وأكثر من 200 دولار لنومهم هم على مرتبة على الأرض في مبنى آخر، بغرفة مزدحمة بثمانية رجال.

وقال شهود عيان للصحيفة إن وسطاء السفر المذعورين من حملات الشرطة قطعوا الكهرباء أو خدمة الإنترنت في بعض المباني حتى تبدو خالية، لدرجة أن بعضهم علق بوابات المباني بالسلاسل لإبقاء الحجاج في الداخل والشرطة في الخارج.

وقال أحمد ممدوح مسعود، أحد أبناء موسى: “كنا نشعر في كثير من الأحيان كأننا مسجونون”. 

وقالت موسى إن عائلتها كانت تعيش على الأغذية المعلبة التي جلبتها من مصر أثناء الحج، وبسبب الخوف كانوا يخرجون فقط لشراء الزبادي والتمر في مكة.

وتوفي 658 مصريا خلال الحج، 630 منهم غير مسجلين، وفق ما أفاد دبلوماسيون عرب وكالة فرانس برس. 

لكن السلطات المصرية لم تؤكد هذه الأرقام رسميا.

وأغلق المسؤولون المصريون مؤخرا 16 شركة سياحية، وألقوا القبض على اثنين من وكلاء السفر ووجهوا إليهما اتهامات.

وقالت موسى للصحيفة إنها غادرت حافلة كانت ستقلها إلى جبل عرفات، بعد تهديد ضابط لها بإنهاء حجها، فحزمت أمتعتها ووضعتها على رأسها ثم مشت إلى هناك.

وقالت “كنت أرتدي نعالا بلاستيكية… وبحلول الوقت الذي وصلت فيه، كانت تآكلت لدرجة أنني شعرت وكأنني لا أرتدي أي شيء بقدمي”.

وقالت إن الحجاج في الحافلات المكيفة كانوا ينظرون إليها وهي تتعثر على طول الطريق. 

ووصلت المصرية والأردنية برفقة عائلتيهما إلى جبل عرفات لتأدية إحدى مناسك الحج الأساسية ، وفي طريق العودة شهدت موسى حجم المأساة، وقالت: “كان هناك أشخاص أصغر سنا مني يرقدون موتى. كان الأمر مفجعا”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى