بشرى، فتاة أفغانية تشكّل قصّتها واحدة من أكثر القصص غرابةً في أفغانستان. لم تبلغ الفتاة العاشرة من عمرها بعد، لكنّها تعيش حياة ربّة منزل على أن تصبح زوجة لاحقًا.
ما يعرضه “إرم نيوز” في هذا الوثائقي ليس قصة عادية، ولن تكون كذلك في أيّ زمان أو مكان، لكنّها حصلت بالفعل وما زالت في بلد تستشرس فيه الأزمة الاقتصادية منذ نحو 3 سنوات، ما دفع الكثيرين من الأفغان إلى بيع فلذات الأكباد من أجل سداد ديونهم.
انطلق فريق “إرم نيوز” الاستقصائي من العاصمة الأفغانية كابول متوجهًا إلى ولاية لغمان شرقي أفغانستان، حيث التقى عائلة محمد نبي الذي دفعه اليأس إلى التخلّي عن ابنته الصغرى بشرى، وهي تعيش اليوم في كنف عائلة أخرى، أو بالأحرى هي زوجة لرجل يكبرها بعقود.
يقول الأب الخمسيني، 54 عامًا، إنّه وصل إلى المشتري عن طريق بعض المعارف، ليعرض عليه شراء ابنته مقابل 5500 دولار، وهو المبلغ الذي كان متوجبًا عليه للدائنين.
لكنّ تلك الأموال لم تفِ بالغرض، إذ إنّ العائلة ما زالت تعيش فقرًا مدقعًا، خاصة أنّ الرجل أصبح جليس المنزل منذ سنوات بعدما أصيب بشلل جزئي، كما أنّه يحتاج إلى أدوية وعلاج يستوجب ذهابه إلى إسلام آباد الباكستانية لكنّ ذلك ليس متاحًا، فيما لا تسمح طالبان للأفغانيات بالعمل.
أتجنّب زيارة ابنتي حتى لا أشعر بالمزيد من الذنب
بصري، والدة الطفلة بشرى
وتقول والدة بشرى، بصري، 35 عامًا، إنّها وزوجها اضطرا لبيع بشرى من أجل سداد الديون، إذ كان الدائنون يطالبونهما يوميًّا بدفع الأموال، مشيرةً إلى أنّ ذلك كان الحل الأنسب بالنسبة لهما.
رؤية بشرى تتوقف على موافقة الزوج المشتري بذلك، بل إنّ الأمر وصل بالأم إلى حدّ تجنّب رؤية ابنتها بشرى حتى لا تشعر بالمزيد من الذنب جرّاء التخلّي عن ابنتها.
ويصف الرجل وضعه بأنه صعب للغاية إذ ليس لديه ما يأكله مع أولاده وزوجته، ومن هنا كان الخيار الموجع التضحية بابنته الصغرى، كي يعيش الباقون وفق ما يعتقد.
لكنّه يدرك تمامًا أنّ ما قام به عمل شنيع، قائلًا إنّهم حزينون على بيع بشرى، لكنّ أحدًا لن يفهم أسباب بيعها إلّا مَنْ هم في مثل ظروفهم.
“إرم نيوز” يلتقي الطفلة بشرى
تسكن الفتاة اليوم في المقاطعة نفسها لكنّها في منزل يقع في مديرية قرغيي، يبعد عن منزل والديها نحو ساعة أو أكثر.
توجه فريق “إرم نيوز” إلى هناك حيث تمكن من مقابلة بشرى. كانت الفتاة خجولةً بعض الشيء، فهذه “الزوجة الطفلة” تقوم بكلّ شيء هنا، تطبخ وتكنس وتنظف وترتب… وهي لا تذهب إلى المدرسة، كما لا تلعب مثل باقي الأطفال.
تقول بشرى لـ “إرم نيوز”: “تراكمت الديون على والدي، لذلك أنا في هذا المنزل اليوم. كنت أعرف أنّ أبي كان قلقًا جدًّا بسبب ديونه، لكن لم أكن أعرف أنّه باعني حينها، لكنّني لم أتحدث عن الأمر”.
ولدى سؤال الأب عمّا إذا كانت لديه خطط لبيع طفل آخر، لم يتردد بالقول إنّه إذا بقي الأفق مسدودًا أمامه، فإنه سيأخذ هذه الخطوة حتمًا.
حال هذه العائلة كحال الملايين من العائلات في أفغانستان، إذ ليست هناك أرقام محددة لحالات بيع الأبناء والبنات، لكن حجم الفقر يشير إلى أنّ المئات يلجؤون إلى هذا الخيار لحلّ مشاكلهم المادية.
الأمم المتحدة كانت أعلنت في مارس/ آذار أنّ نحو 24 مليون شخص، من أصل عدد السكان البالغ نحو 40 مليونًا سيحتاجون إلى دعم إنساني منقذ للحياة عام 2024.
من جهته، قال برنامج الأغذية العالمي إنّ حوالي 4 ملايين أفغاني يعانون من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك أكثر من 3 ملايين طفل دون سن الخامسة.
ووسط كل ذلك، فإنّ حكومة طالبان، غير المعترف بها دوليًّا، غير قادرة على معالجة أزمات البلاد المتلاحقة.