شهد الشهيل موهبةٌ سعوديَّةٌ فريدةٌ في عالمِ صناعةِ الأزياء، وشريكٌ مؤسِّسٌ لدار «أباديا». ترتكزُ حياتُها المهنيَّةُ على بناءِ نماذجَ مستدامةٍ، وتعزيزِ القيمِ في أخلاقياتِ صناعةِ الأزياء. أطلقَت شركة «بروجكت جاست Project Just» عندما كانت في الهندِ، وانتسبت بوصفها زميلةً عالميَّةً إلى «أكيومن Acumen Global Fellow». و»بروجكت جاست» قاعدةُ بياناتٍ على الإنترنت، تتيحُ للمتسوِّقين الحصولَ على معلوماتٍ عن الممارساتِ المستدامةِ والأخلاقيَّةِ للعلاماتِ التجاريَّةِ التي تبيعُ الملابسَ. حلمُها الأكبرُ أن تنطلقَ «أباديا» من المنطقةِ إلى العالمِ، وتعبر الحدودَ بالحِرفِ اليدويَّةِ التقليديَّةِ السعوديَّةِ، خاصةً أنها أوَّلُ مصمِّمةٍ سعوديَّةٍ على منصة «Net-a-Porter».
حلَّت ضيفةً متحدِّثةً في فعالياتٍ عالميَّةٍ كبرى مثل مؤتمر هارفارد للمؤسَّساتِ الاجتماعيَّةِ، ومنتدى التنافسيَّةِ العالميَّةِ، و»تيد». نُعرِّفكم أكثر على شهد الشهيل، شخصية غلاف «سيدتي» لعدد فبراير، عبر هذا اللقاء.
حوار: لمى الشثري
مديرة إبداعية ومنسقة الأزياء : دانييلا بوديس
متابعة وتنسيق : عتاب نور
تصوير : إسراء سام
مكياج : نورا أسامة
شعر : كاسو
مساعدة على الموقع : رنا دميان
مديرة الإنتاج : نينورتا مالكي
إنتاج : مصطفى الماسي Mustafa Alamasi for Totem Production Studio
مساعدة الإنتاج: رنية Raneya for Totem Production Studio
الخيل من مربط رامة للفروسية Ramah Equestrian Riding School
الحصان الأبيض : نواره
الحصان البني : الوشم
الأزياء : netaporter.com
شهد الشهيل
لنبدأ من الأحدثِ إلى الأقدمِ، 2023 كان عاماً تحوُّلياً في رحلةِ دار «أباديا»، وكذلك في رحلتكِ الإنسانيَّةِ.. هل لكِ أن تُحدِّثينا عن ذلك؟
أعتقدُ أن عبارة «عامٌ تحوُّلي»، تصفُ الوضعَ بشكلٍ مثالي، لكنني أؤمن أيضاً بأن كلَّ ما نمرُّ به في الحياةِ عبارةٌ عن كتلِ بناءٍ، بدءاً من التأسيسِ، وحتى التطويرِ. يُشاعُ أحياناً مفهومٌ خاطئٌ في عالمِ صناعةِ الأزياءِ، وهو أن النجاحَ يحدثُ بين ليلةٍ وضحاها! بينما الحقيقةُ، أن النجاحَ رحلةٌ، تنطلقُ من التزامٍ تامٍّ، وجهودٍ كبيرةٍ، تُبذل يوماً بعد آخر. في معظمِ الأحيانِ، تكون هذه الجهودُ خلفَ الكواليسِ، وغير مرئيَّةٍ، وصولاً إلى نقطةِ التحوُّلِ التي تحدَّثنا عنها، حيث يراها الجميعُ. منذ إطلاقِ العلامةِ، كان الهدفُ أن تكون علامةً من منطقتنا إلى العالمِ، نشاركُ من خلالها ثقافتنا وتراثنا. نرى أن لدينا وجهةَ نظرٍ فريدةً فيما يتعلَّقُ بالرقي والجمالِ، ونؤمنُ بأن العالمَ سيُقدِّر ذلك. من الجيدِ أن يستمتعَ المجتمعُ منذ وقتٍ طويلٍ بالرفاهيَّةِ المستوردةِ من الخارجِ، لكننا حريصون أيضاً على أن نُصدرَ الرفاهيَّة حتى نلعبَ دورنا الفاعلَ في هذه الصناعةِ، وبفضلٍ من الله، شكَّل عام 2023 نقلةً نوعيَّةً على مستوى التوزيعِ والنموِّ أيضاً، فقد تحقَّق جزءٌ من رؤية «أباديا» بالإعلانِ عن وجودنا بوصفنا أوَّلَ دارٍ سعوديَّةٍ على «Net-a-Porter»، وهو موقعُ الأزياءِ المختصُّ بالتسوُّقِ الإلكتروني، ويضمُّ علاماتٍ راقيةً من حول العالمِ. إنها خطوةٌ نفخرُ بها، وأنا على ثقةٍ بأن «أباديا» لن تكون العلامةَ السعوديَّةَ الأخيرة انضماماً إلى هذا المنصَّةِ المهمَّةِ. أما الجزءُ الآخرُ، فهو أننا وجدنا حلولاً تمويليَّةً، تساعدنا في تنفيذِ الخططِ التنمويَّةِ بـ «أباديا».
ماذا يعني اسمُ «أباديا»؟
مصدرُ اسمِ «أباديا» كلمتان عربيتان: الباديةُ وأبدي. أعتزُّ بالباديةِ التي تشكِّلُ جزءاً مهماً من ثقافتنا في المنطقةِ. أما «أبدي» فهي إشارةٌ إلى الاستدامةِ والمنتجاتِ الخالدة.
تشهدُ صناعةُ الأزياءِ في السعوديَّةِ نهضةً كبيرةً تحقيقاً لـ «رؤية 2030»، في رأيكِ ما الذي قد تحتاج إليه هذه الصناعةُ، لا سيما فيما يخصُّ البيئةَ المستدامةَ؟
لا بدَّ من التركيزِ على الاستدامةِ والأخلاقياتِ في صناعةِ الأزياء. في رأيي، من المهمِّ أن نلعبَ دوراً في اكتشافِ، وطرحِ الأساليبِ المتاحةِ، لتسليطِ الضوءِ على ذلك. صناعةُ الأزياءِ في السعوديَّةِ، تعودُ إلى زمنٍ بعيدٍ، لكنها بالفعلِ في طورِ نموٍّ وتطوُّرٍ، يواكبُ المتغيِّراتِ الإيجابيَّةَ الضخمةَ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ، التي يقودُها الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. لدينا فرصةٌ كبيرةٌ لعملِ قفزاتٍ هائلةٍ فيما تمَّ الوصولُ إليه عالمياً في مجالِ صناعةِ الأزياء، وإضافةِ إسهاماتنا القيِّمةِ، فنحن نحتفي من خلالِ الأزياءِ السعوديَّةِ بالتراثِ، وروايةِ القصصِ، ونحن بطبيعةِ الحالِ مجتمعٌ، يؤمنُ فطرياً بالاستدامةِ منذ تاريخِ أجدادنا الذين حرصوا على المحافظةِ على المواردِ البيئيَّةِ والطبيعيَّة.
بالحديثِ عن الآباءِ والأجدادِ، نعلمُ أن والدتكِ، وخالتكِ نعيمة الشهيل، كان لهما دورٌ كبيرٌ في رحلتكِ، كيف أثَّر ذلك في بناءِ مسيرتكِ المهنيَّة؟
عائلتي غرست بي الشعورَ بالمسؤوليَّةِ المجتمعيَّةِ منذ الصغرِ، ومساعدةَ الناسِ. كلّ يوم جمعةٍ، وبالتزامٍ تامٍّ، كنت أمارسُ مع جدتي نشاطاً له علاقةٌ بالمسؤوليَّةِ المجتمعيَّةِ، بينما تعلَّمتُ من خالتي نعيمة، الشغوفةِ بالأزياءِ والتراثِ، الكثيرَ عن الحرفيَّةِ التي تتميَّزُ بها السعوديَّة. أمَّا والدتي، حفظها الله، فشخصيَّةٌ قياديَّةٌ من الطرازِ الأوَّلِ، وقد أسهمت نشأتي بين تلك النساءِ الرائعاتِ القويَّاتِ الملتزماتِ بقيمٍ ساميةٍ بلا شكٍّ في تشكيلِ مسيرتي، وبناءِ شخصيتي التي أنا عليها الآن. وعليه، لم يكن من المستغربِ أن أسافر إلى الهندِ ورواندا وغيرهما من البلدانِ لتقديمِ المساعدةِ، وتسليطِ الضوءِ على أخلاقياتِ صناعةِ الأزياء.
وكيف تمرِّرين هذه القيم لأبنائكِ اليوم؟
لدي ولدان يافعان، راشد ويبلغُ من العمرِ عشرةَ أعوامٍ، ويوسف بعمرِ عامٍ ونصف العامِ. أدركُ أهميةَ أن يعلما، ومنذ سنٍّ صغيرةٍ، دورَ المرأةِ في تاريخ أسرتي، لأنه يتضمَّنُ أهميةَ القيادةِ، وحبَّ المجتمعِ، ومساعدةَ الناسِ، وتعزيزَ القيمِ والمبادئ التي ستساعدهما في الشعورِ بالانتماءِ وتقديرِ الجذور. يبدأ ذلك كلّه من الصغرِ، ويمتدُّ مع النشأةِ، وحتى سنواتِ الرشدِ.
ما الرسالةُ التي تودِّين أن تكون واجهةَ مشواركِ في عالمِ صناعةِ الأزياء، سواءً من خلال تصاميمكِ، أو حضوركِ؟
أودُّ أن تكون رسالتي، أن عناصرَ الرقي والحرفيَّةِ في منطقتنا أصيلةٌ، وغنيَّةٌ، وجميلةٌ للغاية. أتذكَّرُ، على سبيلِ المثال، أنني ارتديتُ أثناء وجودي في «أسبوع باريس للأزياء» الفروةَ، وهي زيٌّ تقليدي لموسمِ الشتاءِ، وتُصنَع يدوياً في السعوديَّةِ. أثار الزي فضولَ عديدٍ ممَّن التقيتهم في المناسبةِ، وحتى الغرباء في الشارعِ، بل إنَّ بعضهم استوقفني لمعرفةِ المزيدِ عنها وعن تفاصيلِ الحرفيَّةِ التي تبرزُ بها. في الأزياءِ فرصةٌ لا متناهيةٌ للتعبيرِ عن هويَّتنا دون أن نفرضها. إنها وسيلةٌ، نبدأ بها حديثاً جميلاً، وتواصلاً ممتعاً مع العالمِ من حولنا، نجدُ من خلالها التشابه الذي يجمعنا مع بلدانٍ أخرى، وفي الوقت نفسه، هي قوةٌ ناعمةٌ، تُظهر تميُّزنا عن غيرنا. نحملُ واجباً بإبرازِ الزي السعودي والحرفيَّةِ التقليديَّةِ في وطننا من خلال «أباديا».
“عناصرُ الرقي والحرفيَّة في منطقتنا أصيلةٌ وغنيَّةٌ وجميلةٌ للغاية”
كيف السبيلُ إلى التكاتفِ للإسهامِ في وضعِ الحرفيَّةِ التقليديَّةِ السعوديَّةِ على الخارطةِ العالميَّة؟
قد يتطلَّبُ ذلك بعضَ الوقتِ، لكن لا بدَّ أن نبدأ أولاً بإتقانِ فنِّ روايةِ القصصِ عن الحِرفِ اليدويَّةِ وتوثيقها، من ثم نضعها في إطارٍ جذَّابٍ، ونقدِّمها بجودةٍ عاليةٍ للاقتناء. أتذكَّرُ خلال تعاملنا مع حِرفياتِ السدو، أنهن يُضفنه إلى حقيبةٍ صغيرةٍ، يتمُّ استخدامها مثلاً بشكلٍ مقنَّنٍ موسمياً لإطلالاتِ رمضان، أو غير ذلك، وهو أمرٌ محزنٌ، لأن السدو مذهلٌ بجماله، ولا يجبُ أن يقتصرَ على موسمٍ معيَّنٍ فقط. أيضاً علينا أن نرفعَ مستوى الوعي والانطباعِ لدى المتلقي بأهميَّةِ الحرفيَّةِ اليدويَّةِ السعوديَّة، وأن الرقي في هذا المجالِ لا يقتصرُ على الدولِ الأوروبيَّةِ الرائدةِ فقط، مثل إيطاليا. وكما ذكرتِ في سؤالكِ، فإن التكاتفَ في الجهودِ بهذا التوجُّه بين المصمِّمين والحرفيين والإعلام، سيُحدِثُ التغيير. المستهلكون كذلك لهم دورٌ في انتشارِ الجمالياتِ الحرفيَّةِ، فهم السفراءُ عند ارتداءِ الأزياءِ المزيَّنةِ بها، أو إهدائها، فهذه رسالةٌ بصريَّةٌ، قد تلفت النظر في حدثٍ كبيرٍ مثل أسبوع الأزياء في نيويورك أو غيرها.
ما رأيكِ في التطوُّراتِ التي تشهدها السعوديَّةُ ضمن «رؤية 2030»؟
أعتقد أننا محظوظون للغاية بأن نشهدَ انطلاقةَ «رؤية 2030»، ومستعدُّون لها بكلّ تأكيدٍ، وقد اتَّضح لنا خلال الأعوامِ الخمسةِ الماضيةِ، أن فئة الشبابِ لديهم الإمكاناتُ والاستعداداتُ التي كانت بانتظارِ «رؤية 2030» للإسهامِ في تحقيقِ إنجازاتٍ كبيرةٍ في مختلفِ المجالات، والتسارعُ في ذلك مذهلٌ للغاية. بإذن الله، مع اكتمالِ الرؤيةِ في 2030، ستفوقُ النتائجُ التوقُّعاتِ.
“منذ تأسيسِ دارِ «أباديا» كان الهدفُ جعلها علامةً راقيةً من منطقتنا إلى العالمِ”
ما الحلمُ الكبيرُ لدار «أباديا»؟
حالياً، نحن في طورِ بناءِ دارٍ راقيةٍ، وهذا حلمُنا الكبيرُ. الفكرةُ بدأت عام 2016، لكنها لم تدخل حيِّز التنفيذ إلا في سبتمبر 2018، حيث جاءت أوَّلُ انطلاقةٍ لدار «أباديا» خلال «أسبوع الموضة في باريس» بعرضِ مجموعةِ «ربيع وصيف 2019». إن هدفي أن تكون «أباديا» علامةً راقيةً من المنطقةِ إلى العالمِ، وأن ترتكزَ على الاستدامةِ والقيمِ في أخلاقياتِ صناعةِ الأزياء، وأن نتبعَ استراتيجيَّةً، تجعلنا نبدأ من حيث وصلَ إليه الآخرون في هذا المجال.
ما الذي يساعدكِ في الالتزامِ بالقيمِ، الذي قد يعني التخلِّي عن بعض الفرصِ للتوسُّعِ والانتشارِ؟
السرُّ يكمنُ في أن مهمَّتنا الأولى بناءُ علامةٍ، وليس فقط بيع المنتجات، وعليه لدينا الوعي الكافي للتعاملِ مع الفرصِ التجاريَّةِ المغريةِ التي قد تضرُّ بالعلامة. نحن نركِّزُ على نموِّ العلامةِ مع الحفاظِ على القيم التي وضعناها من الأساسِ عبر سلسلةِ عملياتٍ وإجراءاتٍ واضحةٍ، يسهلُ اتِّباعها لاتِّخاذِ القرارِ السليم، فهي ليست أهواء، تتغيَّرُ من يومٍ إلى آخر. أنا لا أندمُ على الفرصِ الضائعةِ إذا كانت لا تتطابقُ مع قيمِ الدار.
ماذا عن شعلةِ الشغفِ، ما الذي يُبقيها مشتعلةً؟
عشقُ الحرفيَّةِ، يملأ روحي وقلبي بالشغفِ، كما أن ابنَي يُغذِّيان طاقتي للاستمرارِ في العطاءِ. يهتمُّ ابني راشد بما أصنعه، ويسألني دائماً عمَّا أعملُ عليه.
تحتفلُ مجلةُ «سيدتي» بعامها الـ 43 الشهرَ المقبل، عندما نذكرُ «سيدتي» بماذا تفكِّرين؟
«سيدتي» تثيرُ لدي الحنينَ، وتجعلني أستردُّ ذكرياتٍ جميلةً. أنا أشعرُ بالانتماءِ إليها، فهي المجلةُ الأولى في كلّ منزلٍ، وقد نشأتُ وأنا أرى خالاتي وعمَّاتي يقرأنها. «سيدتي» رائدةٌ في دعم المرأةِ منذ عقودٍ طويلةٍ، بل حتى قبل أن تبدأ عجلةُ التغييرِ في المنطقةِ. «سيدتي» سبَّاقةٌ دائماً في التمكينِ، ولي الشرفُ الكبيرُ بأن أكون على غلافها.