كيف تكسر السعودية النظام العالمي لكرة القدم ولماذا؟تحقيق لـCNN بالأرقام


Credit: Photo Illustration by Alberto Mier/CNN/Getty

حين أفادت تقارير بأن نادي الهلال السعودي خطط لتقديم عرض بقيمة 1.1 مليار دولار للتعاقد مع نجم كرة القدم الفرنسي كيليان مبابي، بما فيها 332 مليون دولار لناديه باريس سان جيرمان، بالإضافة إلى راتب مذهل قدره 775 مليون دولار، وذلك لمدة عام واحد فقط، تصاعدت الانتقادات ووصفها النقاد بأنها “غسيل رياضي”.
ربما كان مبابي قد رفض العرض في يوليو، ولكن نيمار جونيور قال نعم للهلال بعد شهر، حيث انتقل النجم البرازيلي من باريس سان جيرمان في صفقة تبلغ حوالي 98.5 مليون دولار (90 مليون يورو) مع بعض الإضافات، بحسب تقارير متعددة.
على الرغم من السجل السيئ للدولة العربية في مجال حقوق الإنسان، فإن فورة الإنفاق السعودي لتحويل دوري كرة القدم المحلي إلى منافسة حقيقية مرصعة بالنجوم تظهر مدى جدية طموح المملكة.
أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه لا “يهتم” بوصف استثمارات البلاد في الرياضة بأنها “غسيل رياضي”. وقال محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة فوكس نيوز بُثت فجر الخميس: “حسنًا، إذا كان الغسيل الرياضي سيزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1%، فسأستمر في ممارسة الغسيل الرياضي”.
وعندما سُئل عما إذا كان منزعجًا من استخدام هذا المصطلح، تابع محمد بن سلمان: “لا أهتم. لقد حققت نموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% من خلال الرياضة، وأهدف إلى تحقيق 1.5% أخرى. سمها ما شئت، سوف نحصل على نسبة 1.5% تلك”.
اجتذبت الأندية السعودية، التي استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السيادي في البلاد (PIF) على العديد منها، بالفعل بعضًا من أكبر الأسماء في هذه الرياضة.
يريد الدوري السعودي الممتاز من خلال جذب بعض من أكبر نجوم العالم إلى دول الخليج “تحفيز القدرة التنافسية داخل وخارج الملعب”، على الرغم من حرصه على التأكيد على أن هؤلاء اللاعبين الأجانب سيساعدون في تطوير “المواهب السعودية الشابة”.
كان صندوق الاستثمارات العامة الذي تسيطر عليه الحكومة قد زاد القيمة التراكمية لهذه الأندية الأربعة ما يقرب من خمس مرات خلال فترة الانتقالات الصيفية هذه، مما جعلها الأكثر قيمة في البلاد، وفقًا لتقديرات موقع “ترانسفير ماركت”.
قال الكثير من النجوم البارزين الآخرين نعم بلهفة للدوري السعودي للمحترفين، ولا سيما الفائز بجائزة الكرة الذهبية لعام 2022 كريم بنزيما الذي انضم إلى الاتحاد في نهاية عقده مع عملاق كرة القدم الإسباني ريال مدريد.
وفقًا لبيانات “ترانسفير ماركت”، أنفقت الفرق الأربعة المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة ما يقرب من 900 مليون دولار (835.1 مليون يورو) على شراء نخبة اللاعبين الدوليين مع اقتراب فترة الانتقالات الأوروبية من نهايتها، ما جعلها ضمن أفضل 20 ناديًا في العالم من حيث الإنفاق على الانتقالات إلى جانب عمالقة كرة القدم من إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا.
وكان الهلال وحده قد دفع أكثر من 378 مليون دولار (353 مليون يورو)، أي أكثر من باريس سان جيرمان وأرسنال، مما يجعله ثاني أكبر منفق هذا العام.

وينضم اللاعبون الذين تم الاستحواذ عليهم حديثًا إلى كريستيانو رونالدو الفائز بجائزة الكرة الذهبية خمس مرات، والذي لديه عقد مع النصر لمدة عامين حيث يحصل على مبلغ مذهل يقدر بـ 200 مليون دولار سنويًا، وفقًا لوسائل الإعلام السعودية المملوكة للدولة، مما يجعله حاليًا لاعب كرة القدم الأعلى أجرًا في العالم.
يلعب اليوم 21 من أغلى لاعبي كرة القدم في المملكة العربية السعودية من حيث قيمة الصفقة -جميعهم من النجوم العالميين- في الأندية المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
على الرغم من النفقات المالية، لا يزال الدوري السعودي للمحترفين يلتزم الصمت بشكل متعمد بشأن تفاصيل مقامرته المالية، حيث أكد كارلو نهرا، الرئيس التنفيذي للعمليات، لـ CNN Sport أنه “ليس من الميزة التنافسية للدوري” الإعلان عن الرواتب المقدمة للاعبين والمدربين.
ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة أصولا تحت الإدارة بقيمة 777 مليار دولار، وفقاً لأحدث بياناته، مع طموحات أن تصل إلى تريليون دولار في غضون بضع سنوات. وكان قد استحوذ في عام 2021 على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم، قبل التركيز على الاستثمارات في الداخل. يعد النادي الآن أيضًا من بين الأكثر إنفاقًا على اللاعبين.

تحاول الأندية السعودية غير المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة أيضًا لفت أنظار اللاعبين الكبار، حيث عرض على قائد ليفربول السابق جوردان هندرسون، 33 عامًا، راتبًا مذهلًا قدره 870 ألف دولار (700 ألف جنيه إسترليني) أسبوعيًا، وفقًا لتقارير متعددة، بما يقدر بنحو 15 مليون دولار (12 مليون جنيه إسترليني) للانتقال من ليفربول إلى فريق الاتفاق السعودي.
وفي مقابلة حديثة مع صحيفة “أتليتيك”، قال هندرسون إن هذه الأرقام “ليست صحيحة”.
وقال سايمون تشادويك، أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية “سكيما” لإدارة الأعمال، لشبكة CNN: “الإشارة في الأساس هي أننا نعني الأعمال التجارية”.
قال تشادويك، واصفًا نهج السعودية في أن تصبح قوة رياضية عظمى: “لدينا الكثير من المال لدرجة أنه بالنسبة للاعب يقترب من نهاية مسيرته، يمكننا أن ندفع له 700 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا، أو أي شيء آخر يتقاضاه، ولدينا كريستيانو رونالدو وما زلنا موجودين في السوق من أجل لاعبين آخرين”، مضيفًا أنه لا يوجد سقف للتكلفة.
حب السعوديه لكرة القدم
تسير المملكة العربية السعودية على خطى العديد من الدول الأخرى بما فيها الصين وقطر، في استثمار مبالغ كبيرة من المال لمحاولة تحويل نفسها إلى مراكز قوة في كرة القدم.
ويبقى أن نرى ما إذا سوف يكون للاستثمار السعودي المعزز تأثير دائم أم سيشبه شيئاً كالجهد المكلف لتغيير العلامة التجارية.
شارك المنتخب السعودي في عدة بطولات لكأس العالم، وفازت أندية البلاد بالعديد من الألقاب الآسيوية. تم الترحيب بانتصار السعودية على الأرجنتين خلال كأس العالم في قطر العام الماضي باعتباره أحد أعظم المفاجآت في تاريخ البطولة، حيث منح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إجازة وطنية تقديراً للفوز.
يمكن لمباريات الأندية أن تجتذب حشودًا كبيرة في دول الشرق الأوسط. قال تشادويك: “على سبيل المثال، في مباراة الاتحاد ضد الهلال، أنت تتحدث عن جذب جماهير تقدر بـ 40 و50 و60 ألف شخص، يمكن مقارنة هذه المباريات من حيث الحجم بمباراة تشيلسي ضد أرسنال، ومانشستر يونايتد ضد مانشستر سيتي”.
وفقًا لكيران ماغواير، المضيف المشارك لبودكاست The Price of Football، إن شراء اللاعبين النجوم، الذين يمكن القول إن بعضهم قد تجاوزوا ذروة حياتهم، يوفر أيضًا فوزًا سهلاً للفرق السعودية.

أضاف ماغواير: “من وجهة نظر السلطات السعودية، هم يحصلون على منتج جاهز. الجميع سمع عن بنزيما، لقد سمع الجميع عن كريستيانو رونالدو وما إلى ذلك”.
لا تنتهي الطموحات الرياضية السامية للمملكة العربية السعودية عند الدوري السعودي للمحترفين أو نيوكاسل يونايتد. تستضيف البلاد كأس العالم للأندية 2023، وتسعى لاستضافة كأس آسيا 2027.
كما أشارت العديد من التقارير الإعلامية إلى أن المملكة كانت تدرس تقديم عرض لاستضافة كأس العالم للرجال 2030 إلى جانب اليونان ومصر، على الرغم من تقارير أشارت إلى أنها تدرس سحب ترشيحها.
في الوقت نفسه، وافق الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم على عقد سيشهد إقامة كأس السوبر الإسباني في المملكة العربية السعودية حتى عام 2029، وهي صفقة ستكسب الهيئة الحاكمة الإسبانية ما بين 35-45 مليون يورو (38-48 مليون دولار) في السنة.
جذاب للشباب
تتمتع المملكة العربية السعودية بتعداد سكاني شاب للغاية: فقد كشف أحدث إحصاء سكاني للبلاد أن 32.2 مليون شخص يعيشون في البلاد، ما يقرب من 42% منهم من الرعايا الأجانب، و51% من سكان السعودية تحت سن 30 عامًا. تقول السلطات السعودية إن أكثر من 80% من هؤلاء السكان يلعبون أو يحضرون أو يتابعون كرة القدم، الرياضة الوطنية.
