“في خطوة يبدو أنها تمثل مرحلة جديدة من الدبلوماسية وخطوة نحو إنهاء ما يقرب من عقد من الحرب، شارك وفد حوثي في مراسم الحج هذا العام بالسعودية، بناء على دعوة من المملكة”.
هكذا سلط تقرير لمجلة “ريسبونسيبل ستيتكرافت”، وترجمه “الخليج الجديد”، الضوء حول الزيارة الأولى للحوثيين لأداء مناسك الحج منذ 8 سنوات، والتي جاءت في أعقاب الصفقة السعودية الإيرانية التاريخية التي توسطت فيها الصين، والتي شهدت إعادة فتح البلدين لسفارتيهما.
وينقل التقرير عن مارتا فورلان، الباحثة التي تركز على حكم المتمردين الحوثيين والسلفية الجهادية والحروب الأهلية، القول: “الفائدة الرئيسية هي أنها تساهم في خلق مناخ من التقارب، مما قد يسمح بإحراز مزيد من التقدم في المفاوضات الجارية بين الحوثيين والرياض”.
وحسب وكالة “سبأ” الموالية للجماعة الحوثية، فإن وفد الحوثيين ضم وكيل وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة التي يديرها الحوثيون فؤاد ناجي، ووكيل قطاع الحج والعمرة بوزارة الارشاد عبدالرحمن النعامي، ومدير عام الحج والعمرة في الوزارة علي علي جايل، بالإضافة إلى عدد من الخبراء العلميين والاجتماعيين والقبليين.
وتقول جماعة الحوثي إن ما يقرب من 600 حاج تمكنوا من السفر إلى السعودية عبر مطار صنعاء.
وفي الوقت نفسه، عاد أكثر من 700 عبر المطار في أول رحلة مباشرة بين مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون والسعودية منذ عام 2016.
وذكرت الحكومة المعترف بها دوليًا، أن 24255 حاجًا يمنيًا أدى فريضة الحج هذا العام.
ويعلق التقرير على ذلك بالقول: “التطورات كلها إيجابية، فقد اعتاد التحالف الذي تقوده السعودية على اتهام الحوثيين بشن هجمات على المملكة بقصد استهداف مكة، في غضون ذلك، اتهم الحوثيون المملكة بمنعهم من أداء فريضة الحج”.
وفي احتجاج عام 2015 في صنعاء، تم تصوير الحوثيين وأنصارهم وهم يحملون ملفاتهم وهم يرتدون ملابس الحج ويهددون بدخول مكة بالقوة، لكن في هذا الموسم، قرر السعوديون دعوتهم لأداء فريضة الحج بدون أسلحة.
من جانبه، يعتقد الرئيس السابق لنقابة الصحفيين اليمنيين عبدالباري طاهر، أن قبول الحوثيين للدعوة السعودية لأداء فريضة الحج هو “مساومة بالأساس”.
وفقًا لبعثة إيران في الأمم المتحدة، فإن استعادة العلاقات الثنائية مع السعودية من خلال اتفاق انفراج، سيساعد في تحقيق حل سياسي للصراع الطويل في اليمن.
وتدعم طهران الحوثيين منذ بدء الحرب في عام 2015.
ويقول طاهر: “تأتي دعوة السعودية في سياق التفاهم بين السعودية وإيران للتوصل إلى حلول، ولكل منهما مصالحها وتطلعاتها الخاصة”.
ويتابع: “حج الحوثيين حج وتجارة في آن واحد، إنه أداء واجب ديني ومساومة سياسية، والتي قد تكون أساسية لكلا الطرفين”، مشيرا إلى أن “أهم شيء أن يتوصلوا إلى حلول لوقف الحرب التي دمرت اليمن”.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من السعوديين على دعوتهم للحوثيين لأداء فريضة الحج، إلا أن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانز غروندبرغ، رحب بـ”تشغيل رحلات الحجاج اليمنيين من صنعاء إلى المملكة، وشكر السعودية على تسهيل هذه الخطوة المهمة.
وقال غروندبرغ على “تويتر”: “آمل أن تشجع هذه الخطوة الإيجابية وروح السلام في موسم الحج الأطراف على اتخاذ المزيد من الخطوات لتخفيف قيود حرية الحركة بما في ذلك داخل اليمن، والتوصل إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وبدء حوار سياسي شامل تحت رعاية الأمم المتحدة”.
من جانبه، يصف سفير اليمن في المملكة المتحدة ياسين سعيد نعمان، حج الحوثيين بأنه “حج سياسي” وليس حجًا دينيًا، مضيفا أنها “نقطة تحول في رحلة مليئة بالخطيئة وسفك الدماء”.
في غضون ذلك، يمكن أن يوفر حج الحوثيين فرصة نادرة لبناء الثقة، في ظل جهود الأمم المتحدة وسلطنة عمان تسرع عملية السلام الطويلة لإنهاء الحرب، على الرغم من التحديات المقبلة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، التقى وفدان سعودي وعماني بمسؤولين حوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، في إطار جهود الرياض لإقرار وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء مشاركتها في الحرب المستمرة في البلاد.
ويمثل هذا الاجتماع، تقدمًا في المشاورات بين الرياض والحوثيين، التي تجري جنبًا إلى جنب مع جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من عدم وجود تقارير عن محادثات مباشرة بين الجانبين منذ ذلك الحين، فقد وردت أنباء عن أن التحالف السعودي سيسمح برحلات جوية بين مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون والهند ومصر.
ومع ذلك، تحذر فورلان من أن الحج لن يؤدي بالضرورة إلى إحراز تقدم على جميع الجبهات في محادثات السلام الحالية، وتقول: “حتى لو كان لهذا التطور تأثير إيجابي على المحادثات بين الحوثيين والسعودية، فلن يكون هو نفسه بالنسبة للصراع الدائر داخل اليمن بين الحوثيين والحكومة”.
ووفق التقرير، فإن الخلاف بين الحوثيين والسعوديين ليس العقبة الوحيدة أمام تحقيق السلام في اليمن، حيث تجري المفاوضات الحالية بين هذين الطرفين، وليس بين الحكومة المدعومة من السعودية أو المجلس التشريعي.
ومع ذلك، إذا تم حل النزاع بين الحوثيين والسعوديين، فقد يمهد الطريق لمفاوضات بين الحوثيين والمجلس التشريعي، للتوصل إلى حل شامل لإنهاء الحرب.
وفي الوقت الحاضر، لا يتحد المجلس التشريعي بسبب اختلاف الأهداف بين أعضائه.
فعلى سبيل المثال، يسعى أحد أركانه وهو المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى إعادة إنشاء دولة مستقلة في الجنوب، كانت موجودة قبل توحيد اليمن في عام 1990.
وينظر الحوثيون إلى المجلس الانتقالي الجنوبي على أنه انفصالي، وامتداد لنفوذ الإمارات في الجنوب.
ومن ناحية أخرى، يرى المجلس الانتقالي الجنوبي أن الحوثيين وكيل إيراني في اليمن يسعون لاحتلال جنوب اليمن وعدن.
ويعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي أنه الطرف اليمني الوحيد القادر على هزيمة الحوثيين، كما يتضح من نجاحهم في إخراجهم من عدن وعدة محافظات جنوبية أخرى عام 2015، بدعم من التحالف السعودي الإماراتي.
ومنذ أن بدأت محادثات السلام لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت محادثات السلام حصرية بين الحوثيين والسعوديين، ولم يتم تضمين المجلس التشريعي بأي طريقة ذات مغزى.
وفي حين أن المفاوضات الحالية قد تضع حداً للصراع بين الحوثيين والرياض، فإن البعد اليمني للحرب لا يزال دون معالجة.
كما أنه على الرغم من التزام المجتمع الدولي الصمت حيال قبول الحوثيين للحج، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانوا سيدعمون أي نتائج قد تسفر عن محادثات وفد الحوثي لأداء فريضة الحج في السعودية.
يقول طاهر: “من الواضح أن الأمور لا تزال صعبة، لأن الصراع يعتمد على الصراع الإقليمي والدولي”.
بينما تعتقد فورلان، أنه “من المعقول توقع استمرار المجتمع الدولي في التعبير عن دعمه لمسار المحادثات بين الحوثيين والسعودية”.
ومن الواضح أن كلاً من الحوثيين والسعوديين يريدون إنهاء الحرب، حيث أنه منذ دخول هدنة الأمم المتحدة حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2022، لم يشن الحوثيون أي هجمات عبر الحدود على السعودية.
في المقابل، سمح التحالف بقيادة السعودية برحلات محدودة من مطار صنعاء ورفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة، مما سمح بدخول سفن الوقود والغذاء دون تفتيش.
ولعبت سلطنة عمان دورا حيويا في تقدم محادثات السلام، التي بدأت بزيارة سفير المملكة في اليمن محمد الجابر، إلى صنعاء في أبريل/نيسان، والتقى خلال زيارته بكبار قادة الحوثيين.
وتقول فورلان إنه “يشير بالتأكيد إلى رغبة الرياض في التوصل إلى تفاهم مع الحوثيين، وطي صفحة التجربة اليمنية الكارثية على المملكة”.
وتتصاعد بين اليمنيين آمال بإحلال السلام منذ أن وقَّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين في 10 مارس/آذار الماضي، اتفاقا لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية؛ ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إنهما يتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول بينها اليمن ولبنان.
ويعاني اليمن حربا بدأت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، واشتد النزاع منذ مارس/آذار 2015، بعد تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
متابعات