لا تنحصر الحرب الدائرة في شوارع العاصمة السودانية منذ السبت، بين قوتين عسكريتين بقيادة عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو فحسب، بل يحاول كل طرف استخدام شبكة حلفاء نسجها خلال الأعوام الماضية من سياسيين واقتصاديين ودبلوماسيين للحصول على دعم.
ولطالما اجتذب موقع السودان الاستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر وموارده الطبيعية الساعون الى مصالح أو نفوذ في المنطقة.
وتأتي الاستثمارات الروسية والإماراتية مثالا على ذلك، إذ يستثمر البلدان في قطاع الموانئ، وفي التعدين والذهب، القطاع الذي تسيطر عليه بشكل كبير قوات الدعم السريع بقيادة دقلو المعروف ب”حميدتي”.
في 2021، نفّذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع معا انقلابا أطاح بالمدنيين من السلطة الانتقالية التي بدأت بين العسكر وقادة الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق عمر البشير بعد سقوط هذا الأخير في 2019. لكن لكل منهما شبكة من العلاقات والحلفاء نسجاها منذ سنوات خلال توليهما مسؤوليات مختلفة حتى خلال حكم البشير، ولكل منهما موارده المالية الخاصة.
ويملك دقلو ورقة اقتصادية قوية، إذ تدير قواته، بحسب مركز أبحاث المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية، العديد من مناجم الذهب في السودان الذي يعتبر ثالث منتج للذهب في إفريقيا.
وتؤكد الولايات المتحدة أن قوات “فاغنر” الروسية المسلحة الموجودة في دول إفريقية عدة مجاورة للسودان، تعمل مع قوات الدعم السريع في تلك المناجم.
وتعدّ الإمارات أكبر مشتر للذهب المنتج بشكل رسمي في السودان.
“اختيار المنتصر”
رغم هذه الروابط بين الإمارات ومحمد حمدان دقلو، يقول خبير في الشأن الخليجي فضّل عدم ذكر اسمه، إن أفضل وصف لموقف أبو ظبي في النزاع الحالي هو “البراغماتية التي تصل إلى مستوى اللامبالاة”.
ويضيف لوكالة فرانس برس “إذا استمرت الحرب، فهذا ليس بالضرورة أمرا سيئا من وجهة نظر روسية أو إماراتية”.
وِيشير إلى أن الوضع الحالي “يتيح لدولة الإمارات الاحتفاظ بنفوذها، وهو ما قد لا يكون متاحا في ظل وجود سلطة ذات هيكلية واضحة وجيش لا منازع له”.
ويسعى دقلو منذ أن وصل إلى السلطة، إلى تعزيز علاقاته في المنطقة وحتى على المستوى الدولي.
في السودان، برز قبل ذلك بسبب دوره على رأس قوات الجنجويد في قمع المتمردين في دارفور الى جانب قوات عمر البشير.
ويقول الباحث بمعهد “ريفت فالي” إريك ريفز لفرانس برس “البرهان وحميدتي حاربا الحوثيين”، في إشارة إلى إرسالهما قوات للمشاركة في قوات التحالف بقيادة السعودية الداعم للحكومة في اليمن عام 2015 واستخدام القائدين العسكريين مشاركتهما لتعزيز صورتهما في المنطقة.
لكنه يرى أن دول الخليج من جهتها “ستختار المنتصر، وسوف تنتظر لذلك حتى تتضح الصورة تماما”.
إيطاليا ومصر وإثيوبيا وإسرائيل
على الصعيد الدولي، وجه دقلو الشكر لإيطاليا خلال مقابلة تلفزيونية بعد نحو عام من انقلاب 2021، باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تعاونت مع قواته لمدة عامين في “التدريب من الناحية الفنية”.
وقد يكون اهتمام إيطاليا هذا متصلا بنشأة دقلو في إقليم دارفور في غرب البلاد المتاخم لدولتي ليبيا وتشاد، وهو يملك نفوذا واسعا في المنطقة، ما يفتح إمكانية التعاون معه في محاولة الحدّ من الهجرة غير القانونية عبر ساحل البحر المتوسط في اتجاه إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية.
ويرى ريفز أن دقلو قد يحاول “استغلال علاقته بـتشاد وسلطته في دارفور لتأمين خط إمداد” لقواته في الحرب الحالية.
في المقابل، قد يعوّل البرهان على دعم دولي منبثق من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على ما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية.
وعقب انضمامه الى “اتفاقات أبراهام”، حصل السودان على مساعدات مالية أمريكية بعد أن ظل لسنوات طويلة معزولا من جانب المجتمع الدولي وعلى اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
وقد تكون هناك ورقة أخرى مصرية في يد البرهان الذي تخرّج من الكلية الحربية المصرية، ويمكن أن يسعى للحصول على دعم القاهرة، الجار الكبير المؤثر.
وتقول الباحثة بمعهد الشرق الأوسط ميريت مبروك إن بين مصر والسودان “حدودا بطول 1200 كلم، ونهرا مشتركا، ومخاوف أمنية متبادلة”.
وتتابع “كانت هناك بالفعل تداعيات على مصر”، جراء الحرب عندما أسرت قوات الدعم السريع عددًا من الجنود المصريين كانوا في تدريب مشترك مع القوات السودانية في قاعدة مروي في شمال البلاد. ويجري المصريون اتصالات مكثفة للإفراج عنهم.
بالنسبة للباحث المتخصص في شؤون السودان بجامعة السوربون كليمان دييه “يبدو أن وجود الجنود المصريين في مروي كان القشة التي قصمت ظهر البعير”.
ويوضح لفرانس برس أن “حميدتي شعر بالتهديد من مصر”، لا سيما بعد أن استضافت القاهرة قبل أسابيع حوارا بين سياسيين مؤيدين للجيش.
ويتهم الباحث مصر بأنها حاولت “إفشال التحوّل الديموقراطي” في السودان، بينما كانت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودول غربية وخليجية تدفع في اتجاه التوقيع على اتفاق لإعادة المدنيين إلى السلطة.
وتبقى إثيوبيا التي تبني سدّ النهضة على نهر النيل، من الدول التي يمكن أن يكون لها تأثير في النزاع. وتعتبر القاهرة السدّ تهديدا لمصدرها الرئيسي من المياه، بينما ترتبط إثيوبيا بعلاقات جيدة مع الجار السوداني وطرفيه المتنازعين.
ويقول ريفز “آخر شيء يريده الإثيوبيون هو تنفير الجنرالات الذين سيشاركون في المفاوضات النهائية حول السد”.
متابعات