أنهت الحرب في أوكرانيا عامها الأول، وهي الحرب التي كانت لها انعكاسات اقتصادية كبيرة على العالم كله، لم تميز بين دول متقدمة وأخرى نامية أو فقيرة وإن اختلفت نسب وأوجه التأثير.
كانت الحرب كفيلة بهز عروش كثير من الاقتصادات الأوروبية والتي بعضها كان منهكاً من الأساس جراء جائحة كورونا وتبعاتها، لتجد نفسها تحت وطأة التضخم وأزمة الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي.
لغة الأرقام تقول إن أوروبا أنفقت خلال العام 2022 قرابة الـ 800 مليار يورو (بحسب تحليل أجراه مركز أبحاث بروغيل) وذلك بهدف مساعدة شعوبها من أجل التغلب على ارتفاع تكلفة المعيشة ومعدلات التضخم غير المسبوقة ربما منذ عقود.. فإلى أي مدى بلغ تأثر الاقتصادات الأوروبية بهذه الحرب وتبعاتها؟ وما أكثر الاقتصادات الأوروبية تضرراً؟ وهل كانت السياسات المالية والاقتصادية المتبعة ناجعة لجهة التخفيف من وطأة تداعيات الحرب؟
أزمة مركبة في بريطانيا.. الوحيدة التي تواجه انكماشاً اقتصادياً بين مجموعة السبع
تواجه بريطانيا ربما أزمة مركبة، بداية من التداعيات الاقتصادية لخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ثم مواجهة واحدة من أسوأ موجات فيروس كورونا على مستوى العالم، وصولاً إلى تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، ووسط تلك الأزمات فإن هناك أزمة أعمق وأخطر انعكست على الوضع الاقتصادي تتمثل في غياب الاستقرار السياسي وتعدد الحكومات.
الآن بريطانيا تواجه واحدة كذلك من أسوأ درجات أزمة تكلفة المعيشة، كما أن صندوق النقد الدولي توقع أخيراً أن تكون الدولة الوحيدة التي ستواجه انكماشاً اقتصادياً ضمن مجموعة السبع.
كما أن بريطانيا كانت بين الدول التي حظرت تدريجياً واردات النفط والغاز الروسي، ما تسبب في أزمة طاقة كبيرة انعكست على المستويات كافة، وفق تقرير لـ” هافينغتون بوست” فإن:
-
أسعار المواد الغذائية تضخمت لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ العام 1977 وكان ذلك في ديسمبر من العام 2022 بنحو 17.6 بالمئة.
-
حتى عندما تراجع معدل التضخم نسبياً قياساً على سلع لا تشمل المواد الغذائية والكحوليات والتبغ، فإن معدل التضخم بقي في المتوسط عند 10.1 بالمئة.
-
أكثر من 90 بالمئة من منتجات الذرة تستوردها بريطانيا من الخارج، أي أكثر مما يستورده الاتحاد الأوروبي كله أو الولايات المتحدة الأميركية، ما انعكس كذلك على الأسعار.
“الحرب أثرت على كل شيء اقتصادياً، وبريطانيا الأكثر تضررا”، هذا ما يؤكده عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، معلقاً على ارتفاع تكلفة المعيشة في البلاد من جراء الحرب في أوكرانيا.
وقال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أسعار البنزين والكهرباء والغاز لم تعد تُحتمل من قبل الشعب البريطاني، وأصبح المواطنون يضطرون لركوب المواصلات لتجنب فواتير الطاقة، ويتجنبون حتى المبالغة في التدفئة لتوفير الطاقة.
ولفت رجب إلى أن أسعار السلع في المحال التجارية تضاعفت “أسعار اللحوم كانت بخمس جنيهات استرليني قبل الحرب، أصبحت بـ 12 جنيهاً إسترليني”، كما أصدرت الحكومة بياناً لتحديد كمية الخضروات والفواكه التي يمكن شراؤها من المحال.
وأكد عضو حزب العمال البريطاني أن هذا الوضع يتسبب في كثير من المشكلات الاجتماعية داخل الأسر البريطانية نتيجة الأوضاع المعيشية، فضلاً عن حالة غضب شعبية من إنفاق بريطانيا على الدعم العسكري لأوكرانيا في الوقت الذي يعاني الشعب داخلياً من الوضع الاقتصادي.
فرنسا.. الأزمة تطال رغيف الخبز
فرنسا أيضاً كانت واحدة من أبرز الدول الأوروبية التي تأثرت بشدة بالحرب في مختلف القطاعات، وهذا ما تظهره بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي الذي كشف عن أن:
-
معدل التضخم السنوي في فرنسا بلغ 5.2 بالمئة لعام 2022، بعد 1.6 بالمئة في العام 2021
-
ارتفاع أسعار الطاقة وحدها بنسبة 23.1 بالمئة سنويا، علاوة على 6.8 بالمئة ارتفاعاً بأسعار الأغذية و3 بالمئة بالنسبة للسلع والخدمات المصنعة.
-
أسعار الطاقة في البلاد وصلت إلى مستوى قياسي في العام 2022، بعد أن تم تداول الغاز الطبيعي عند 340 يورو لكل ميغاواط في الساعة في 26 أغسطس من العام الماضي
في هذا السياق، قال الكاتب الصحافي من باريس علي المرعبي، إن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها أوروبا تعود إلى ما قبل الحرب في أوكرانيا، مُذكراً بمظاهرات أصحاب السترات الصفراء في 2019 و2020 والذين كانوا يطالبون بتعديل الرواتب ونظام الضرائب، ثم جاءت جائحة كورونا التي أثرت على الوضع الاقتصادي جراء حظر التجوال والإقفال.
وأكد المرعبي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن تلك الأزمات إلى حد ما كانت أزمات شبه عادية حينها، ربما مرحلة كورونا كانت أصعب نسبياً، لكن تفاقمت الأوضاع المعيشية مع بدء الحرب في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام الماضي.
وأوضح رئيس تحرير مجلة كل العرب التي تصدر في باريس، أن المواطن الفرنسي أصبح يشعر بأن الأسعار ارتفعت للغاية قياساً بمستوى الدخل الشهري، إذ ارتفعت الأسعار في النقل والمواد الغذائية وفواتير الكهرباء، في المقابل سلسلة الرواتب كما هي دون أية إضافات.
تشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي إلى أن رغيف الخبز كان سعره شاهداً على عدد من القفزات حتى تجاوز عتبة الواحد يورو، في حين أفاد المرعبي، بأن الحكومة الفرنسية حاولت في المقابل دعم الأسر عبر المساعدات الاجتماعية، لكن دون جدوى حقيقية، إذ تزداد الأمور سوءاً، للدرجة التي جعلت جميع النقابات تقريباً تشارك في الإضرابات والتظاهرات الأخيرة وتتواصل المطالب برفع الرواتب.
يأتي هذا فيما تشير الإحصاءات إلى أن سعر القمح في فرنسا تذبذب من 180 يورو إلى 460 يورو للطن في بداية الحرب، مستقراً عند حوالي 360 يورو للطن.
انكماش اقتصادي في ألمانيا يتواصل على مدار 8 أشهر
ألمانيا بدورها كانت بين أوائل الدول الأوروبية التي تأثرت بشدة بالحرب، خصوصاً وأن قطاع الصناعة الألماني يعتمد بصفة رئيسية على الغاز الروسي، وهو القطاع ذاته الذي يعد المورد الرئيسي للاقتصاد الألماني مقارنة ببقية الدول الأوروبية.
وتوقع رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية بيتر أدريان، في تصريحات صحافية له قبيل أيام، أن يتكلف الاقتصاد الألماني نحو 160 مليار يورو بنهاية العام الجاري، وهو ما يعادل حوالي 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الألماني.
في المقابل، فإن رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، دي آي دابليو، يرى أن الحرب في أوكرانيا تنعكس على الاقتصاد الألماني بنحو 100 مليار يورو، وقد يكون ذلك معدل أقل مما ذكره رئيس اتحاد غرفة الصناعة والتجارة في تقديراته السابقة، لكنها تبقى بالتأكيد تكلفة كبيرة.
إسبانيا.. السلع الأساسية في مرمى ارتفاع الأسعار
تنضم إسبانيا بدورها إلى قائمة الاقتصادات الأوروبية الأكثر تضرراً من الحرب بعد عام من اندلاعها، وهو ما تكشفه المؤشرات الاقتصادية التي أشار إليها مكتب الإحصاء الوطني الإسباني، على النحو التالي:
-
8.4 بالمئة معدل ارتفاع الأسعار في إسبانيا
-
52 بالمئة معدل الارتفاع في سعر السكر خلال العام 2022
-
200 يورو/ ميغاواط كهرباء في الساعة خلال 2022 (الأمر الذي تسبب في ارتفاع فواتير الكهرباء).
-
28.5 بالمئة معدل ارتفاع أسعار الديزل.
-
14.9 بالمئة ارتفاعاً بأسعار البترول داخل إسبانيا خلال العام.
الحاجة إلى إنهاء الحرب للجم جماح الأزمة الاقتصادية
وفيما لم تسلم دولة أوروبية من تبعات الحرب بنسب متفاوتة، اتفق كل من مصطفى رجب عضو حزب العمال البريطاني والكاتب الصحافي علي المرعبي، على أنه لا بد من أن تقتنع الدول الأوروبية بأن الحرب يجب أن تضع أوزارها، لكبح جماح الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم.
وأكد المرعبي، أن الاتحاد الأوروبي جزء من فلسفته هو منع الحروب، وبالتالي عليه التحرك نحو حل الأزمة الروسية الأوكرانية، إذا أرادت دول اليورو الخروج من هذا المأزق الاقتصادي.