يهدد سوء التغذية الأطفال في اليمن بصورة خطيرة. ويشهد هذا البلد سنويا ذروة الارتفاع في عدد الإصابات بشكل موسمي، نتيجة لموسم الجفاف الناجم عن اختلال الإنتاج الزراعي في المناطق الريفية. وفق تقرير لمنظمة أطباء بلا حدود.
ويشير التقرير إلى أن سوء التغذية كان يهدد الأطفال قبل التصعيد في النزاع في عام 2014، لكن الوضع تردى أكثر نتيجة سنوات الحرب الطويلة، التي ساهمت بتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وخصوصا لدى الأشخاص الأكثر الحاجة.
ويحذر التقري من أن ارتفاع معدلات سوء التغذية لدى الأطفال في اليمن يؤدي إلى وفيات يمكن تفاديها، لا سيما بين الأطفال دون سن الخامسة.
وتستجيب منظمة أطباء بلا حدود، سنويا، للارتفاع الموسمي لمعدلات سوء التغذية، والذي تفاقم هذا العام، في مختلف المحافظات اليمنية ولا سيما في محافظات حجة والحديدة وصعدة وعمران.
وتشير المنظمة إلى أنه في الفترة بين يناير وأكتوبر هذا العام، استقبلت مرافق أطباء بلا حدود في اليمن 7597 طفلا يعانون من سوء التغذية.
وهذا العدد، حسب المنظمة، يشكل ارتفاعا بمعدل 36 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي حين، غالبا ما يبلغ عدد الإصابات في اليمن ذروته بين شهري يونيو وسبتمبر من كل عام، شهدت فرق أطباء بلا حدود بداية مبكرة لمرحلة الذروة هذا العام، ابتداء من أبريل ومايو، وتتوقع استمرار هذا الوضع حتى نهاية ديسمبر من هذا العام.
وتقول المنظمة إن بلوغ سوء التغذية مرحلة الذروة في فترة مبكرة واقتران ذلك بإصابة عدد كبير من الأطفال بسوء التغذية ومضاعفاتها وارتفاع الحاجة إلى الاستشفاء، أدى إلى اكتظاظ المرافق التي تدعمها أطباء بلا حدود.
وأطلقت أطباء بلا حدود استجابات طارئة للتعامل مع الارتفاع الكبير بعدد الإصابات بسوء التغذية الحاد والمضاعفات الصحية المرافقة له كالإسهال والالتهاب الرئوي وفقر الدم في بعض المناطق.
وتؤكد أطباء بلا حدود أنه لا يمكن اختزال أسباب سوء التغذية في انعدام الأمن الغذائي فحسب، بل هناك خمسة أسباب أخرى تفاقم المشكلة بين الأطفال في اليمن.
تكاليف الطعام
تفتقر معظم العائلات في اليمن إلى القدرة على شراء كميات كافية من الأطعمة أو المنتجات المغذية، حتى عندما تتوفر، نظرا للارتفاع الحاد في الأسعار، وهو أمر أدت إليه الأزمة الاقتصادية الآخذة في التفاقم. كما لا تتوفر فرص العمل للكثير من الناس، وقد خسر الكثيرون منازلهم خلال ثماني سنوات من الحرب إما بسبب تدمرها أو بسبب النزوح مما يزيد من معاناتهم وتردّي أوضاعهم المادّية، وفق المنظمة.
ويشهد الريال اليمني تراجعا حادا في القيمة، كما تشهد أسعار الطعام والتنقل والوقود ارتفاعا كبيرا، ما يقف حاجزا أمام حصول السكان على كميات كافية من الطعام المغذي.
وعن تلك المعاناة تقول، شهرة محمد، التي أحضرت حفيدها، عبد الله البالغ من العمر أربع سنوات، إلى مستشفى عبس في حجة، بسبب معاناته من سوء التغذية ومضاعفات صحية أخرى، “قصدنا مستشفى عبس عدة مرات، لأن حالته الصحية تتحسن ومن ثم تتدهور مجددا. خرج عبد الله من المستشفى آخر مرة منذ 20 يوما. إننا نفضل أن نقصد هذا المستشفى لأن الخدمات مجانية فيه. فوالد عبد الله غائب. ونحاول مع والدته أن نؤمن له الطعام بكل ما أوتينا من قدرة، لكننا نكاد لا نتمكن من شراء الحليب حتى. ولا نتمتع بالقدرة على الوصول إلى مراكز صحية قريبة تؤمن التغذية العلاجية للأطفال”.
خدمات الرعاية الصحية الأولية
يواصل قطاع الرعاية الصحية انهياره في اليمن. فمحدودية الموارد المالية للسلطات الصحية، والنقص في الإمدادات والتجهيزات وعدم تسديد رواتب الطواقم الصحية أو عدم انتظامها قد دفعت بالكثير من المرافق الصحية إلى إغلاق أبوابها، في المنظمة.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أسعار الوقود الباهظة تحد بشكل كبير من قدرة الناس على الوصول إلى الرعاية الطبية الطارئة. وغالبا ما تؤخر هذه العوامل الناس عن تلقي الرعاية الطبية التي تشتد الحاجة إليها، ما يصيبهم بمضاعفات صحية إضافية كان يمكن تفاديها بالعلاج المبكر. ويواجه مرضى سوء التغذية التحدّي ذاته.
ومنذ نهاية مايو، تشهد فرق أطباء بلا حدود التي تعمل في محافظة عمران في مستشفى السلام في خمر، ارتفاعا كبيرا في عدد المرضى الذين يعانون من سوء التغذية الحاد والشديد. فقد تخطى عدد المرضى القدرة الاستيعابية في مركز التغذية العلاجية الاستشفائي، حتى بلغت نسبة الإشغال 396 في المئة في شهر سبتمبر 2022. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الاستشارات الطارئة بما يزيد عن 20 في المئة. وبين يناير وسبتمبر من هذا العام، توفي 31 مريضا بعد دخولهم إلى المستشفى إثر إصابتهم بسوء التغذية الحاد والشديد، حيث كان أغلبهم يعانون من مضاعفات طبية شديدة لا يمكن معالجتها، للأسف، بسبب وصولهم المتأخر إلى المستشفى، وفق أطباء بلا حدود.
هذا ويأتي أغلب المرضى الذين يقصدون مستشفى السلام ويعانون من سوء التغذية الحاد والشديد من البلدات المجاورة التي تتواجد فيها مرافق الرعاية الصحية، لكنها تعمل بصورة جزئية فقط، وفق المنظمة.
ووتشير المنظمة إلى أن المشهد نفسه في محافظة الحديدة، إذ استقبلت فرق أطباء بلا حدود في قسم الطوارئ في مستشفى الضحي 1902 طفلا يعانون من سوء التغذية والمضاعفات الصحية، وذلك بين يناير وأكتوبر من هذا العام.
الفقر وظروف المعيشة غير المستقرة
وتقول المنظمة إن الظروف المعيشية السيئة تساهم في ارتفاع معدلات سوء التغذية لاسيما بين النازحين. ويستقبل مستشفى عبس في محافظة حجة المرضى الذين يأتون من المناطق المجاورة لعبس، حيث يعيش الكثير من النازحين في منشآت غير مناسبة ويعانون من محدودية القدرة على الحصول على الغذاء أو الدخل.
وبين يناير وسبتمبر، استقبل مركز التغذية العلاجية الاستشفائي الذي تدعمه أطباء بلا حدود في مستشفى عبس العام 2087 طفلا يعانون من سوء التغذية المصحوب بمضاعفات صحيّة. ويأتي الكثير من المرضى من منطقة الخميس، وهي منطقة فرعية من محافظة الحديدة جنوبي عبس، وهم في مرحلة متأخرة من المرض في معظم الأحيان. والفئة العمرية الأكثر تأثرا هي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهرًا.
وفي هذا الصدد، يقول المشرف على أنشطة التوعية الصحية في مستشفى عبس، صدام الشايع، “يفتقر معظم النازحين إلى مصدر دخل منتظم بسبب صعوبة الوصول إلى فرص العمل. كما يعيشون في بيئة غير صحيّة، ويعانون من شح المياه النظيفة التي تزيد من خطر الإصابة بالإسهال على سبيل المثال، بالإضافة إلى نقص لوازم النظافة الصحية التي تعتبر ضرورية لتقليص خطر انتشار بعض الأمراض والحد منه. مما يزيد من خطر الإصابة بسوء التغذية”.
غياب التوعية الصحية المجتمعية
تبرز حاجة كبيرة إلى تعزيز خدمات التوعية الصحية التي تتطرق إلى رعاية ما قبل الولادة وما بعدها، إذ ترتبط ارتباطا مباشرًا بسوء التغذية، وفق المنظمة. وفي هذا السياق، تؤدي محدودية توفر رعاية ما قبل الولادة وتعذر إمكانية الوصول إليها إلى حالات حمل معقدة، ما يولد آثارا سلبية خلال الولادة على الأمهات والأطفال حديثي الولادة. ففي عام 2022، وجد فريق أطباء بلا حدود أن أكثر من 50 في المئة من الأمهات في قسم الولادة في مستشفى عبس يعانين من سوء التغذية.
وقد لاحظ فريق أطباء بلا حدود أن عددا ضئيلا من النساء يتلقين رعاية ما قبل الولادة. ففي عام 2021، بلغت نسبة النساء وتلقين استشارة واحدة من استشارات رعاية ما قبل الولادة 10 في المئة فقط من إجمالي عدد النساء اللواتي أنجبن في جناح الأمومة.
وتشكل استشارات رعاية ما قبل الولادة فرصة للأمهات لاكتشاف ما إذا كن يعانين من سوء التغذية ومعالجته عبر إحالتهن إلى الخدمات الغذائية المناسبة. وتحسن هذه الخطوة من نتائج الولادة وتقلص من خطر سوء التغذية على الأطفال وحديثي الولادة.
علاوة على ذلك، لا تتوفر توعية مجتمعية تسلط الضوء على أهمية الرضاعة الطبيعية والالتزام بجدول اللقاحات الروتيني للأطفال. كما ويفتقر الوالدين إلى معلومات كافية تمكنهم من تحديد الأعراض الأولية لسوء التغذية، ما يؤخر تشخيص الحالة ومعالجتها.
الفجوة في الاستجابة الإنسانية
هذا العام، أدى خفض التمويل إلى توقف الخدمات في بعض مرافق الرعاية الصحية الأوليّة أو أسفر عن نقص في إمدادات الأدوية فيها، بحسب أطباء بلا حدود.
ويقول، أحمد أبو الغيث، الذي أحضر ابنته البالغة من العمر عاما واحدا إلى مستشفى الضحي، إثر معاناتها من سوء التغذية الحاد، “لدي أربعة أطفال يعانون جميعا من سوء التغذية. أخذتهم إلى أقرب مركز لعلاج سوء التغذية في المنطقة. هناك، كان عليهم الاختيار بين أطفالي بحسب الأولوية لمنحهم بعض الطعام العلاجي، إذ إنه لا يتوفر بكميات كافية”.
وبالإضافة إلى وضع القطاع الصحي المتردي، أدت الفجوات في برامج التغذية والمساعدة الغذائية وعدم توفر خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية بصورة كافية إلى زيادة مخاطر سوء التغذية المقترن بمضاعفات صحية، علمًا أن خطورتها تشتد حدة إذا ما اقترنت بالأمراض المنقولة بالمياه.
الاستجابة إلى الارتفاع في عدد المصابين بسوء التغذية
وتعمل أطباء بلا حدود في 13 محافظة من أصل 21 محافظة يمنية. وشهدت فرق أطباء بلا حدود في أغلب مرافق المنظمة ارتفاعا مقلقا في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية المقترن بمضاعفات طبية.
وقد أدى ذلك إلى دفع معدل إشغال الأسرة إلى ما يفوق نسبة ال 100 في المئة من القدرة الاستيعابية لمراكز التغذية العلاجية الاستشفائية. وفي سبيل التعامل مع الأعداد المتزايدة من حالات سوء التغذية وتقليل معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات في صفوف الفئات الأكثر حاجة، تعمل فرقنا على زيادة قدرة برامجنا على الاستجابة، وخصوصا في مراكز التغذية العلاجية الاستشفائية وأقسام أخرى، كما تعمل على زيادة الدعم المقدم إلى مراكز الرعاية الصحية الأساسية وتكثيف خدمات التوعية الصحية المجتمعية.
ففي محافظة عمران، أطلق مستشفى السلام خطة طوارئ عاجلة في قسم الأطفال منذ يونيو2022 للتعامل مع الحالات المتزايدة من سوء التغذية. وتم رفع القدرة الاستيعابية في المستشفى إلى 213 سريرا بعدما كانت 113 سريرا في السابق.
وفي السياق نفسه، وفي سبيل التصدي العاجل للارتفاع الكبير في حالات سوء التغذية الشديد الحاد في منطقة الضحي في محافظة الحديدة، وسعت أطباء بلا حدود نطاق الوصول إلى الخدمات الضرورية للمصابين بسوء التغذية من خلال إنشاء مركز تغذية علاجية يضم 70 سريرا وتسهيل الإحالات المجانية من المراكز الصحية إلى المستشفى للأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية ويستوفون معايير الإحالة.
وفي نوفمبر هذا العام، تم استقبال 282 مريضا يعانون من سوء التغذية ومن مضاعفات أخرى في المركز الاستشفائي الجديد. كما ويجري تعزيز رصد الحالة التغذوية للسكان في منطقة الضحي لضمان الإبلاغ المبكر عن عوارض سوء التغذية وعن تفشي أمراض أخرى، وفق المنظمة.
وفي محافظة حجة، وبعد وصول معدل شغل الأسرة إلى 180 في المئة، زاد الفريق في مستشفى عبس من القدرة الاستيعابية لمركز التغذية العلاجية الاستشفائي بصورة استثنائية، إذ تم استعمال المنطقة المخصصة لوزارة الصحة للتعامل مع وصول أعداد كبيرة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وعلى صعيد آخر، باشرنا بتقديم الدعم للمركز الصحي في منطقة الخميس في الحديدة بما في ذلك الخدمات العلاجية الخاصّة بسوء التغذية.
ومع ذلك، لا يزال سوء التغذية ينذر بخطر كبير في اليمن، إذ يتسبب في وفيات يمكن تفاديها، لا سيما بين الأطفال دون سن الخامسة. وفي هذا السياق، يجب على السلطات الصحية والجهات الفاعلة الإنسانية والصحية تأمين استجابة شاملة تهدف إلى تعزيز نطاق رصد الحالة التغذوية وكفاءته في جميع أنحاء البلاد.
وتؤكد منظمة أطباء بلا حدود على الحاجة إلى تعزيز شبكة الرعاية الصحية الأولية لضمان الوصول السريع إلى الرعاية كما والمساعدة في رفع مستوى الوعي الصحي المجتمعي حول خطر سوء التغذية، إذ من شأن ذلك أن يكشف عن العلامات الأولية لسوء التغذية في مرحلة مبكرة.
كما تشير المنظمة إلى وجوب أن تشتمل الاستجابة أيضا توسيعا لنطاق حملات التطعيم في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في صفوف الأطفال دون سن الخامسة الذين يشكلون الفئة الأكثر حاجة.