بقلم/ حصة سيف
يستحق التقدير كل من تمسّك بالعادات والتقاليد الأصيلة، خاصة في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيير والانفتاح على أنماط الحياة الحديثة، فالحفاظ على الموروث الشعبي لا يعني الجمود، بل هو تجديد للعهد بالقيم التي تربّينا عليها، وتجسيد حيّ لروح الترابط والتكافل التي تميز مجتمعنا.
وتُعدّ الأعراس التقليدية، ولا سيما الجبلية منها، إحدى أبرز صور هذا التراث، فهي ليست مجرد احتفالات تُقام وتنتهي، بل مناسبات تُعيد بث الحياة في قيمنا ومبادئنا، حيث يتفازع الناس ويتعاونون لإتمام الفرح، في صورة مشرقة للتكافل الاجتماعي الذي يجمع الأسر والقبائل، وهي حدث فريد من نوعه يجتمع فيه أعداد كبيرة من الأسر والجماعات، وهي فرصة رائعة لدعوة الأجانب والسياح للاطلاع على صور بهجتنا بما تحمله من ثقافة وقيم وتقاليد، كما يعتبر بحد ذاته حدثاً يتعرف فيه أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين على أحد أبرز مظاهر الاحتفالات في الحياة الجبلية.
فالعرس الجبلي يبدأ قبل يومه المنتظر، فالأهازيج والطبول تتعالى قبل موعد العرس بأيام وقد تصل إلى أسبوع، ويصل الضيوف من كل حدب وصوب، حاملين معهم الذبائح ومشاعر الفرح. ويتميّز العرس الجبلي بطقوسه الفريدة، من الرزيف، والمزافن بالسيوف، والندبة، إلى الاستعراضات التي تؤدى بلباس تقليدي مهيب، أهمها محزم الخنجر و”الزَّانة” التي كانت في الماضي ذخيرة حقيقية، وأصبحت اليوم رمزاً للزينة والهوية.
ويصل المعازيم جماعاتٍ وقبائل، كلٌ يدخل بسيرته الخاصة وصيحاته الترحيبية، بينما يقف أهل العريس لاستقبالهم بالهتاف والتقدير، والطبول الجبلية، بلحنها الفريد، تصدح في أرجاء الجبال وتُنعش الأرواح، لتعيد الحياة للحن الحياة القديمة، بما تحمله من معانٍ وقيم اجتماعية تتأصل في نفوس الأجيال.
حتى الأطفال لهم نصيبهم من هذه الفرحة، يقلدون الكبار في الرزيف والندبة واستقبال الضيوف، بينما تشارك الفتيات في تقديم الضيافة للنساء، في مشهد يرسّخ استمرارية التقاليد عبر الأجيال وتكبر معهم تلك العادات لتضيف لهم خبرات ومهمات لا يعيشها الكثير من أقرانهم، لتشد عودهم وتجعلهم قادرين على حمل المزيد من المهام. وإحياء هذه المناسبات ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل تأكيد على أن في عاداتنا ما يربطنا ببعض، ويقوّي جذورنا، ويمنحنا هوية لا تزول، وإحياؤها لا كذكرى فقط بل كأمانة نسلمها لمن بعدنا.
متابعات