الأسرة، كانت على مرّ التاريخ، هي محور الاستقرار، وهي المصنع الذي من خلاله ينتج الإنسان السوي الطموح المستقر، وأي خلل في هذه المنظومة، تبعاته تستمر لأجيال من التعثر والعقبات. الروابط الأسرية، ماثلة في كل عصر وتاريخ، وتحت كل حضارة وأمة من أمم الأرض، وتبعاً لهذه الأهمية البالغة، نجد الاهتمام البالغ باستقرارها وحمايتها؛ حيث تسن قوانين وأنظمة تستهدف تماسكها واستقرارها.
في عصرنا الحالي، ومع دخول ما يسمى بالحياة الرقمية، نجد أن هناك ظاهرة جديرة بالتنبيه، وهي الأجهزة التي نحملها، والتي جعلت العالم في قبضة اليد، حيث فرضت تحدياً غير مسبوق في منظومة التماسك الأسري، وكأنها تهدد روابط العائلة المتعارف عليها، مثل قوة التلاحم والتواصل بين أفرادها. فالتباعد العاطفي، لم يعد محصوراً في المسافات الجغرافية، بل أصبح حاضراً داخل كيان الأسرة الواحدة، في المكان الذي يجتمع فيه أفراد هذه الأسرة، جسدياً، لكنهم في بعد عن بعضهم البعض بسبب تلك الشاشات الصغيرة في هواتفهم الذكية. ومع مثل هذه الحالة، ظهر مفهوم الإدمان الرقمي، الذي يوضح حالة الاستخدام المفرط وغير المنضبط للأجهزة الإلكترونية، وهو ما يؤثر في الحياة الاجتماعية والنفسية للفرد.
الهواتف الذكية، وألعاب الفيديو، ومنصات التواصل الاجتماعي، وغيرها، مهددة للأسرة وتماسكها. في دراسة مهمة جداً حملت عنوان «التداخل التكنولوجي: استخدام الآباء للأجهزة المحمولة وآثاره في الأطفال والعلاقات بين الآباء والأبناء». من تأليف براندون تي. ماكدانيال، ونشرت في مجلة: Zero to Three Journal، العدد 41، الإصدار 2، عام 2020. وهي على الرابط:
توصلت إلى أن «استخدام الآباء المستمر للهواتف الذكية يؤثر سلباً في نوعية العلاقة مع الأطفال، خاصة في اللحظات التي تتطلب انتباهاً وتواصلاً عاطفياً مباشراً. وإن الأطفال الذين يواجهون انشغالاً دائماً من قبل آبائهم بالأجهزة الرقمية يعانون مشاعر الإهمال، وتظهر عليهم علامات من التوتر أو السلوكيات السلبية. وهذا يؤدي إلى تراجع التفاعل العاطفي وجودة المحادثات الأسرية».
وعلى كل أم وأب، ألا يعتبرا التطور التقني، تهديداً للروابط العائلية، بل فرصة لإعادة صياغة تواصلنا مع بعضنا البعض بأساليب تناسب هذا العصر، وأن نحافظ على جوهر الدفء الإنساني للعلاقات الأسرية، وهذا يتطلب حواراً وتنظيماً داخل الأسرة، ووعياً من جميع أفرادها بأهمية وقت الأسرة، ومنح هذا الوقت العناية والاندماج، والابتعاد عن المؤثرات التقنية.