ناجون من “مجازر” الساحل السوري يروون ما حدث ..و مواطنين من سكان الساحل يقولون إنهم هوجموا لمجرد أنهم ينتمون للطائفة العلوية

منزل من طابق واحد في إحدى قرى ريف اللاذقية في الساحل السوري. مثل بقية المنازل يعلوه خزان مياه، اختبأ فيه (ع.أ) نحو 5 ساعات، أثناء عمليات “القتل والسرقة والفوضى،” يقول.

(ع.أ)، مدرس كيمياء، رب أسرة، من سكنة قرية المختارية التي تبعد نحو 15 كيلومترا عن مدينة اللاذقية. فضل عدم الكشف عن اسمه خوفا على سلامة عائلته.

مثل قرى ومدن أخرى في الساحل السوري، شهدت المختارية “مجازر” وفق تعبير المرصد السوري، على أيدي فصائل مسلحة تابعة للإدارة السورية الجديدة.

بدأ التوتر في السادس من مارس في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية، على خلفية توقيف قوات الأمن أحد المطلوبين.

وسرعان ما تطوّر الوضع إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلحين علويين، قالت السلطات إنهم من “فلول نظام بشار الأسد”، النار على عناصر قوات الأمن في أكثر من مكان، وفق المرصد.

ثم بدأت الاعتداءات و”إعدامات ميدانية” لسوريين مدنيين في مناطق العلويين غربي سوريا، حسب منظمات حقوقية.

وقتلت الفصائل المسلحة وقوات  الأمن السورية من المدنيين، وفقا لأحدث حصيلة للمرصد، 658 شخصا في اللاذقية، و384 في طرطوس و171 في حماة و12 في حمص.

وأعلنت الرئاسة الانتقالية السورية تشكيل لجنة تحقيق “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”.

وقالت السلطات السورية إنها أوقفت 7 أشخاص على الأقل منذ الاثنين، ارتكبوا “انتهاكات” بحقّ مدنيين في الساحل السوري. وأشارت إلى إحالتهم إلى القضاء العسكري المختص.

تواصل موقع “الحرة” مع مواطنين من سكان الساحل السوري. قالوا إنهم هوجموا “لمجرد أنهم ينتمون للطائفة العلوية”.

يقول أيهم غانم، وهو صحفي سوري يعيش في اللاذقية، إن المأساة بدأت، في السادس من مارس، إثر تعرض دورية للأمن العام لكمين في ريف مدينة جبلة، نفذه مسلحون موالون للنظام السابق.

مساء ذلك اليوم، “امتدت التوترات لتصل مناطق أخرى في جبلة واللاذقية وبانياس وطرطوس، وسط أصوات إطلاق نار واشتباكات قوية جدا”.

على مدار تلك الليلة، بدأت تتعالى أصوات بالدعوة “للجهاد ضد العلويين،” وفق شهادات حصل عليها موقع “الحرة”.

وقال (ع.أ) إنه خلال عودته إلى قريته، ظهر الخميس، “سمع بوجود اشتباكات في جبلة، فاعتقد أنه أمر عادي، حتى بدأت أصوات الرصاص تقترب بشكل مرعب”.

“قضينا يوم الخميس في رعب شديد، خصوصا بعدما بدأنا نتابع على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات الجهاد والنفير العام ضد العلويين”.

وتابع الرجل: “في حوالي الثامنة من صباح الجمعة. دخلت مجموعات مسلحة قريتنا، وكنا قد تلقينا تحذيرات من شباب هربوا من قرى مجاورة”.

“أنا متزوج، وزوجتي بالصدفة مثل كل خميس كانت تسافر لقضاء نهاية الأسبوع مع عائلتها في مدينة جبلة. كنت وحدي، واختبأت داخل خزان مياه على سطح البيت، بعدما أفرغته من المياه تماما”، يقول لموقع “الحرة”.

“بدأوا بإطلاق الرصاص نحو المنازل. ظلوا خمس ساعات في القرية”.

“الحلم بالهروب من سوريا”

“قضينا ليلة الخميس والأيام الثلاثة بعدها في المنزل، بعدما أغلقنا النوافذ وضعنا مقاعد خلف باب المنزل، وبقينا في رعب وسط ضجيج إطلاق النار”، يقول شاب آخر من مدينة جبلة لموقع “الحرة” عبر واتساب.

ويتابع (هـ.ن) “بقينا جميعا بالمنزل لثلاثة أيام، خوفا من أي رصاص طائش، بعدما اندلعت المعارك في الحي”.

يواصل حديثه: “كنا 13 شخصا، كنا نقرأ القرآن وندعو ألا يقتحموا منزلنا. دار الحديث أنهم لو اقتحموا فسنمنحهم كل شيء نملكه مقابل ألا يقتلونا”.

تحدثنا عن “الهروب والسفر خارج سوريا، حينما ننجو، بعد دعوات الجهاد المرعبة التي تابعناها خلال تلك الأيام”.

لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها السلطة الانتقالية في سوريا، أعلنت، الثلاثاء، عزمها على “ترسيخ العدالة ومنع الانتقام” خارج نطاق القانون.

وقال المتحدث باسم اللجنة، ياسر الفرحان، خلال مؤتمر صحفي في دمشق: “سوريا الجديدة عازمة على ترسيخ العدالة وسيادة القانون وحماية حقوق وحريات مواطنيها ومنع الانتقام خارج إطار القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب”.

وتعتزم اللجنة “وضع آليات للتواصل” معها، على أن يتمّ الإعلان عنها في “القريب العاجل”، موضحا أن اختصاصات اللجنة “مفتوحة ومرتبطة بالحوادث التي وقعت يوم 6 و7 و8” مارس.

“وجوه لن أنساها”

ابن قرية المختارية (ع.أ) الذي تحدث لـ”لحرة”، قال إن “فصائل مسلحة تابعة للسطات، اقتادت من قريته 15 رجلا، وطالب عناصرها الرجال بالعواء والنباح، قبل ضربهم وقتلهم في النهاية”.

وأضاف أنه بعد انسحابهم من القرية، كانت “رائحة الجثث في كل مكان، ولا ماء أو كهرباء وسط مخاوف بين السكان من الخروج من منازلهم”.

أشار أيضا إلى أن البعض “اختبأ بين الجرود والجبال والمزارع بعيدا عن المنازل”، وهو ما أكده الطبيب والكاتب السوري الذي قضي 16 عاما في سجون نظام الأسد، راتب شعبو.

يعيش شعبو في باريس، لكن عائلته تعيش في إحدى قرى ريف اللاذقية، وبدأ التواصل معهم منذ الخميس الماضي للاطمئنان على سلامتهم.

قال لموقع “الحرة”، إن أقاربه يعيشون في قرية كفرية، ولحسن الحظ لم تتعرض لهجوم، لكن السكان “تابعوا أرتال الفصائل المسلحة التابعة للسلطة تمر من أمام مدخل القرية نحو مناطق أخرى”.

وأضاف أنهم “عاشوا أياما صعبة، حيث كانوا يسمعون طلقات الرصاص باستمرار ويرون أعمدة الدخان المتصاعدة من البلدات المجاورة”.

أوضح شعبو أن أخيه يعاني من مشكلة في ساقه “وزوجته كبيرة في العمر ولديهما ابنة تعاني إعاقة، وقد اضطرت الأسرة لحمل أخي وترك المنزل والهروب إلى الجرود والأراضي الزراعية، ولم يعودوا لأيام خوفا من الهجمات”.

على الرغم من ذلك، “كانوا يخشون من أن يتم حرق الأحراش بعدما حدث ذلك في مناطق أخرى بواسطة القوى الأمنية، بحجة أن فلول نظام الأسد يختبئون في تلك المناطق”، وفق شعبو.

لا كهرباء.. لا مياه

قال غانم إنه حتى الثلاثاء، كانت الناس في بيوتها تخشى الخروج “وهذا طبيعي بعد الذي حدث”.

وأضاف: “الأعمال القتالية انتهت، والناس في انتظار خروج الفصائل بشكل عام وانتشار الأمن العام، لتنتشر الطمأنينة وتعود الحياة لطبيعتها”.

ابن جبلة (هـ.ن)، قال أيضًا إنهم لم يستطيعوا دخول أي قرية بسبب الحواجز، وانقطاع الكهرباء عن كامل محافظة اللاذقية. كان “التواصل منقطع عن معظم سكان ريف جبلة”.

ومع خروجه ورؤية تبعات الأحداث، قال: “الشوارع كانت مبكية، فوارغ الرصاص في كل مكان، والمحال منهوبة وحرق عدد منها، مع عشرات السيارات المدمرة”.

وتابع: “فقدت الكثير من أصدقائي في جبلة واللاذقية وبانياس”.

الكاتب شعبو، قال إن أسرته تواصلت معه وأبلغته بعودتها للمبيت في المنزل ليلا، ثم توجهت في الصباح إلى الأحراش مجددا.

وتابع: “الخبز لم يصل القرية لستة أيام، وكانوا يسلقون البرغل، حيث لا شيء آخر يأكلونه. وفقط الثلاثاء وزع رجال السلطة ربطة خبز واحدة على كل منزل”.

وأعلنت وكالة الأنباء السورية، الليلة الماضية، بدء عودة التيار الكهربائي في عدد من أحياء مدينة جبلة وبعض قرى ريفها، بعد انقطاع لأيام.

وأرجعت الانقطاع إلى “اعتداءات فلول النظام البائد”، في إشارة إلى نظام بشار الأسد المخلوع.

ونشرت الوكالة تقارير من شوارع اللاذقية وبانياس لأشخاص تحدثوا عن “عودة الهدوء”، وبدأ مسؤولون يزورون مناطق عانت خلال الأيام الماضية.

لكن أشخاصا من تلك المناطق قالوا لموقع “الحرة” إن مشاعر الرعب لا تزال موجودة، والمخاوف من موجة عنف أخرى قائمة.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى