عادت أزمة جزيرة الوراق المصرية إلى الواجهة مجددا بعد انتشار مقاطع فيديو تظهر فيما يبدو اشتباك قوات الأمن مع عدد من أهالي الجزيرة الذين يرفضون قرار الحكومة بالإخلاء تمهيدا لتنفيذ مشروع استثماري.
وما بين تصريحات الحكومة التي تدافع فيها عن أحقيتها في إخلاء الجزيرة من أجل ما تصفه بأعمال التطوير بعدما طالها الإهمال لسنوات كثيرة، وبين رفض الأهالي ترك منازلهم وأراضيهم باعتبار أنها ملكية خاصة لهم بعقود موثقة في الشهر العقاري، تظل الوراق تمثل أزمة تتجدد أحداثها كل فترة بين الطرفين بدون حل يلوح في الأفق.
حصار أمني للجزيرة
ووقعت آخر فصول تلك الأزمة، الأسبوع الجاري، عندما تظاهر أهالي الجزيرة احتجاجًا على حصارها من قبل قوات الأمن ومنع دخول مواد البناء إليها لتعلية منازلهم أو بناء أخرى جديدة، إضافةً إلى الاعتداءات التي طالت ثلاثة مواطنين خلال اليومين الماضيين، في ظل استمرار محاولات إجبارهم على إخلاء منازلهم، بحسب ما قاله أحد سكان الجزيرة، صلاح عبدالكريم، لموقع “الحرة”.
وأضاف عبدالكريم، الذي يعمل مدرسا، أن “المشكلة بدأت حينما منعت قوات الأمن دخول شاحنة نقل محملة بمواد بناء عن طريق معدية دمنهور – شبرا التي تشهد حصاراً أمنياً مشدداً على مدار الساعة، في إطار محاولات التضييق المستمرة على سكان الجزيرة لدفعهم إلى مغادرتها”.
وتابع أن “ما حدث من قبل قوات الأمن يأتي في إطار قرار الحكومة بوقف أعمال البناء على الجزيرة، ليتظاهر الأهالي بعدها وينجحوا في إطلاق سراح السائق والشاحنة”.
ويمتلك عبدالكريم عقد ملكية لمنزله يعود إلى عام 1905، وقال إنه “واحد من آلاف من سكان الجزيرة من حاملي عقود ملكية الأرض والمنازل”.
وأضاف أنه “وفقًا لبيانات مجلس عائلات الوراق، فإن لديهم سندات وحجج ملكية موثقة للأرض والمنازل، ولا يوجد بها إلا 60 فدانًا فقط أملاك دولة، منها 30 فدانًا تابعة لوزارة الأوقاف أجّرتها إلى الفلاحين، والـ 30 الأخرى أملاك دولة، استأجرها الأهالي بحق الانتفاع”.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الجاري، مقاطع فيديو للاشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن المركزي المتمركزة عند مدخل الطريق الموصل للجزيرة، لتدل على أن الأزمة لا زالت مستمرة.
وتعقدت العلاقة بين سكان الجزيرة والشرطة بدءًا من الاحتجاجات التي قُتل فيها أحد أهالي الجزيرة، في 2017، خلال محاولة الحكومة تنفيذ أعمال هدم لمنازل بالجزيرة، عقب إفصاحها عن مشروعاتها العقارية في الجزيرة ونيتها إخلاءها من السكان، قبل أن يتجدد التوتر بين الطرفين في 2022، مع ما شهدته الجزيرة من اشتباكات دامت ﻷيام مع الشرطة على خلفية محاولة حكومية لإتمام عمليات رفع قياسات المنازل، تمهيدًا لهدمها لاحقًا.
ويدور النزاع في جزيرة الوراق حول نسبة 24% من إجمالي مساحة المنطقة محل التطوير، بعد إعلان وزارة الإسكان إخلاء نحو 993 فداناً من أصل 1295 فداناً، بما يعادل 76% من إجمالي مساحة التطوير. وسبق أن رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية مقامة من أهالي الجزيرة، طالبوا فيها بوقف قرار نزع ملكية الأراضي والمباني المملوكة لهم، دون منحهم تعويضات مناسبة، أو التفاوض معهم، ونزعها بالقوة الأمنية بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون.
وفي 2018 أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 20 لسنة 2018 بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق، صدرت عقبه قرارات نزع ملكية أراضي الجزيرة ومنها قرار نزع ملكية الأراضي اللازمة لتنفيذ مشروع إنشاء 68 برجًا بمدينة الوراق الجديدة لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والبالغ مساحتها 61013 فدانًا.
وفي 26 يوليو 2022، أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات تغيير اسم جزيرة الوراق إلى مدينة حورس، لافتةً إلى أن تكلفة المشروع تصل إلى 17.5 مليار جنيه، وأن دراسة الجدوى قدرت الإيرادات الكلية بنحو 122.54 مليار جنيه، فيما أوضحت أن الإيرادات السنوية تبلغ 20.422 مليار جنيه لمدة 25 سنة.
ووقعت مجموعة صفوت القليوبي وشركة (كيه.أس.أتش) الإماراتية للاستثمار، 09 يوليو 2024، اتفاقا قيمته 24 مليار جنيه مصري (500 مليون دولار) لتنفيذ مشروع تطوير عقاري على نهر النيل في القاهرة، وفق كالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية.
وقالت الوكالة إن الاتفاق يشمل إنشاء 3 أبراج سكنية وتجارية وفندق 5 نجوم في منطقة مطلة على جزيرة الوراق إلى الشمال من وسط العاصمة على مساحة 20 ألف متر مربع.
وفي أغسطس الماضي، عقد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، اجتماعاً لمجلس الوزراء ناقشوا فيه المرحلة العاجلة لتطوير جزيرة الوراق والتي تشمل إدخال مرافق وبنية تحتية وفنادق وأبراج سكنية.
وشدد مدبولي على “ضرورة الالتزام بالبرامج الزمنية المقررة لتنفيذ أعمال الإخلاء للمنازل والأراضي بمخطط التطوير، والتصدي بحسم لأية محاولات للبناء المخالف في الجزيرة، ومنع عودة المظاهر العشوائية فيها”.
وأشار مدبولي إلى أن هناك متابعة مستمرة لتلك الأعمال في إطار جهود الدولة للنهوض بالمناطق غير الآمنة وغير المخططة وتزويدها بشبكة متكاملة من الخدمات بما يخدم أهداف التنمية الشاملة.
وخرجت تصريحات حكومية في أكثر من مناسبة توضح أن الأمور تسير بالتراضي مع سكان الوراق، وأن هذا التراضي أدّى إلى استلام 1000 فدان من أرض الجزيرة ولم يتبق سوى قرابة 315 فداناً.
ولم يتسن لموقع “الحرة” الحصول على رد من رئاسة الوزراء بعد التواصل معها بشأن القضية.
محاولات تفاوض متعثرة
لكن محمود بكري، محاسب بأحد الشركات الخاصة، قال لموقع “الحرة” إن محاولات التفاوض مع الحكومة باءت بالفشل خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن “أغلب سكان الجزيرة ملاك للمنازل فقط ولديهم عقود تسجيل بالشهر العقاري للمباني، أما ملاك الأراضي الزراعية فأغلبهم من خارج الجزيرة وأجّروا الأرض لسكان الجزيرة”.
وتطرق بكري إلى محاولات الأهالي التفاوض مع الحكومة بالتزامن مع عمليات التطوير وإزالة العشوائيات، وأكد أن معظم أهالي الجزيرة البالغ عددهم نحو 130 ألف نسمة، يمثلهم مجلس عائلي مكون من 80 عائلة، “وهم مع التطوير، لكنهم ينتظرون التعويض العادل من الحكومة”.
وأوضح أن “أهالي الجزيرة يرفضون التعويضات الهزيلة التي قد لا تزيد عن النصف مليون جنيه مصري أو الحصول على شقة صغيرة في حي الأسمرات”.
وأشار إلى أنه “في عام 2017 تولى الفريق كامل الوزير، وزير النقل والتصنيع الحالي، المفاوضات مع الأهالي، ووعدهم بأنه سيتم تعويض السكان بشقة مكان شقة، لكن ما طرحه وزير الإسكان هو أن يحصل المواطن على سكن بديل داخل الجزيرة، أو يحصل على تعويض عن منزله ويدفع فرق سعر الوحدة السكنية، لكن هذا حتى لم يحدث”.
وأوضح أن “بعض السكان يتجهون حاليا للبناء الجديد كوسيلة لضمان تعويض عادل في حال إجبارهم على مغادرة الجزيرة”.
وقال إن “التعويض المخصص للأراضي الخالية حاليًا هو 1400 جنيه، بينما يصل التعويض للأراضي المبنية إلى 4000 جنيه، وللبناء نفسه إلى 7000 جنيه، في حين أن السعر الفعلي أضعاف هذه المبالغ”.
وأضاف أنه “لذلك، يعتبر منطقياً أن يسعى الناس للبناء على الأراضي الخالية لضمان تعويض أعلى، والذي قد يساعد بجانب التعويض عن بيوتهم الأصلية في تأمين بديل لمنازلهم في حال انتقالهم خارج الجزيرة”.
أزمة أخرى وقعت بين سكان الجزيرة والحكومة، بحسب ما يحكي بكري، قائلا إنه وقعت “عمليات النصب في إطار محاولة إجبارهم على التوقيع على مستندات تنازل عن أراضيهم ومنازلهم، إذ وقع أفراد لا علاقة لهم بالجزيرة على استمارات تنازل عن الأرض وهو ما فضحه الأهالي على الهواء عبر فيديوهات متداولة على فيسبوك”.
ورصدت الحكومة 7 مليارات جنيه (144.32 مليون دولار) لتعويض قرابة 200 ألف مواطن يعيشون على أراضي الجزيرة، مقسمة بواقع 6.5 مليارات جنيه لتعويض ملاك الأراضي الزراعية المملوكة والمستأجرة، و141 مليون جنيه لتعويض ملاك الوحدات السكنية القائمة، و353 مليون جنيه لتعويض ملاك المباني السكنية عن قيمة الأرض من دون البناء.
العنف لن يحل الأزمة
ومن جانب يرى أحمد عبدالظاهر، مصفف شعر، في حديثه لموقع “الحرة” أن المشكلة هي أن “الحكومة مقتنعة أن استخدام القوة هو السبيل الوحيد لحل الأزمة، في حين أنه خلال السنوات الماضية عرض المجلس الذي يتحدث باسم الأهالي الجلوس للتفاوض، لكن لم يحدث شيئ”.
وتحدث عبدالظاهر عن ملابسات الوضع، قائلا لموقع “الحرة” إن “الحكومة تريد إخلاء أرض الجزيرة وتهجير السكان بأقصى سرعة لتسليمها للمستثمر، بدون مراعاة أن هذه بيوتنا وأرضنا ورثناها من عائلاتنا منذ عشرات السنوات، لكنهم يريدون مسح حياة كاملة بجرة قلم”.
وأضاف أن “الحكومة تتعامل مع أهالي الجزيرة كما لو أنهم إرهابيين، لدرجة أن مدرعات الأمن المركزي اقتحمت الجزيرة أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، ومنعت قوات الأمن من قبل دخول أي مواد بناء للمكان، أو ما يساعد على إصلاح الصرف الصحي أو البيوت المهدمة”.
وتابع “ولم تتمكن الحكومة طوال سنوات من الوصول إلى حلول وسط مع أهالي الوراق أو حتى الاستماع لمطالب سكانها، ولم نر أي شيء سوى استخدام القوة والعنف تحت أعين الجميع”.
وأشار إلى أنه “منذ عام 2017، تعاني من محاولات الحكومة الاستيلاء على أراضينا، وقامت قوات الأمن باقتحام الجزيرة وهدم 700 منزل تطل على نهر النيل والطريق الدائري”.
وقال إنه “وقتها غضب الأهالي وخرجوا للشوارع وتم اعتقال العشرات، ومحاكمتهم، وحبسهم لمدد تصل إلى السجن المؤبد”، مضيفا “حاولنا اللجوء للقضاء لكن لم يحدث شيء”.
وأضاف “نحن أهالي الجزيرة يد واحدة، ولا نعرف سوف نصمد لأي حد، لكن ما أعرفه أنهم لن يستطيعوا إخراجنا من أراضينا إلا بموتنا، والعنف لن يحل الأزمة”.