عدو الشعب
إيمان الهاشمي
ثمة كلام فارغ، لكن حتى الفراغ لا يأتي من الفراغ، حيث لا يوجد معنى لللاوجود دون الوجود، ولهذا دع «الحب» يتكئ على قلبك، لعل القلق يرخي ثقله عن كتفيك، وإن لم تجد «حبك» فلا تيأس، واستمر في بحثك لتجد نفسك، فإن وجدتها اقترب منها، لتقترب أنتَ مِنك، واجمع ذاتك معه لتجتمع ذاتك معك، ثم استيقظ فجراً وولي وجهك نحو شمسه، واقرص ذراعك لتتأكد بأنك لا تحلم، فلا شيء أجمل من الأحلام سوى أن تعيش (مع) من تحب في الواقع، ولا بأس بحذف كلمة (مع) من الأساس، ولا تنسَ أن تخبره بأنه المفرد الممنوع من الجمع، وبأنه لا يعيش في هذا العالم؛ بل هذا العالم يعيش فيه، وأخيراً حاول أن تدخر آخر رمق في حياتك، لتخبره حتى في آخر لحظة بأنه كل حياتك، فتلفظ حروف اسمه الأولى حين تلفظ أنفاسك الأخيرة، حينها فقط ستدرك أنك عشت حقاً وأنك لن تموت أبداً.
وُلِد دميتري شوستاكوفيتش قبل الحرب العالمية الأولى، وتوفي بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك جرّاء إصابته بسرطان الرئة، ربما بسبب انضمامه لتلك الفئة البريئة، التي رفضت تنفس الأفكار المسيئة، وتلوث سياسة البيئة الدنيئة، والمملوءة بالإثم والخطيئة، أي بعيداً عن معاني العيشة الهنيئة، باسم الاضطهاد الروسي لأبناء روسيا، ومحاكمتهم بعقوبات قاسية، فقرر منذ طفولته أن يكون عازفاً، لتصبح مؤلفاته قراراً مجازفاً، لا يفهمها إلا من فهم أساليب الحكومة الروسية آنذاك، حيث عاش المواطنون متخبطون بين هذا وذاك، وبالتالي لقبوه باسم (عدو الشعب) نكراناً لا اهتماماً، وقد منعوا أعماله بما يقارب ال30 عاماً، ولهذا توقف الناس عن عزف ألحانه لفترة وجيزة، انصياعاً لمخاوفهم بحكم الغريزة، من الوقوع في كارثة سياسية مع الدولة، فقد كان دميتري، ينتقد سياستها بلحنه وقوله، تعبيراً عن العيش مرعوباً هو ومن حوله، وبعدها انتقل إلى التلحين في الأفلام الصامتة، رداً على الانتقادات الشامتة، وقد كتب العديد من الموسيقى الساخرة، على الرغم من أنغامه الساحرة، كما كان يعشق لعبة كرة القدم، ويسعى إلى الكمالية ولا يأبه بالألم.
بعد 4 سنوات من وفاته سنة 1975، نُشر عنه كتاباً غيّر مفاهيم الملايين، حتى أنهم أنتجوا قصة حياته فيلماً بعنوان Testimony «الشهادة»، ليكون أجمل تكريم له وأكبر شهادة، وللتفريق بين سياسة التلحين وتلحين السياسة.
الصورة