عابد فهد : الدراما المعرّبة مجرد ببغاء

يصرّ عابد فهد على القبض على الجمر، سواء بالمسؤولية التي يحملها بأعبائها كنجم وممثل في خياراته الفنيّة ووجوده الإعلامي، أو بصراحته النزيهة دائماً في معرض الإجابة عن أسئلة في الشأن الدرامي. يدير ظهره بين قلّة، لهمّ الحضور والنجومية والكسب والـ”ترند”، إذ يعرف جيداً، ويجسّد بدقة، الفرق الشاسع بين القيمة والشهرة
يوضح الفنان السوري في مقابلة لـ”النهار العربي” أسباب قوّته أو مناعته: “بالتأكيد ما زلت الممثل الذي انتهى من الحضور والنجومية، هما أمران أصبحا قديمين بالنسبة إليّ، الضرورة الآن للحفاظ على الإنجاز. القاضي والحكم في داخلي هو من يقبض على نار المشروع الفني والبحث عن تفاصيله وأهميته ومن يحاكي هذا العمل والهدف منه ولماذا نقوم به ونوافق ونوقع ونتبنّى، هذا أهم ما في استمرارنا في هذه المهنة، بوجود هاجس واحد، هو احترام محتوى الفن”.

لا لـ”التيك توك” و”الدراما معرّبة”… نعم لمرجعيّة فنيّة
وتمنع هذه القيم الممثل القدير من أي مغامرة سخيفة عبر شبكات التواصل الاجتماعي: “هذا العالم الذي لا يشبهني، أنا لا أستطيع أن أكون مهرّجاً أو ساخراً أو أضيّع وقتاً ثميناً أستطيع خلاله التفكير بما يجري حولي. لا أقبل أن أصبح للآخرين مادة سخرية وتهكّم وضحك. أنا أعترف بأنني جاهل في عالم التيك توك مثلاً، وأنا أبكم فكرياً ومكبّل ذهنياً فيه”.
ويرفض فهد في هذا الإطار محاولة مستحدثة لتقيم الدراما من خلال الـ”سوشيال ميديا”: “هي ليست مرجعاً على الإطلاق، ليست هي من تمثل الواقع والدراما. هي مجرّد حالة من تفريغ الطاقات، لمن لم يستطع أن يجد نافذة تعبير عن موهبة أو عن مزاجية”.
وتدفع المبادئ عينها فهد إلى اجتناب الدراما المعرّبة: “هي تشبه الببغاء الذي يكرّر ما قاله معلّمه، هي حالة من التقليد، ليس فيها أي شيء من الإبداع. أنا مهنياً وروحياً، وكمحترف، هواجسي في هذه المهنة تأتي من ذروة الحكاية والخلق، يعني أن تبدع أنت بفكرة لم يسبقها أحد عليك، وتكون أنت المُرسِل. الدراما المعرّبة تجارة تُرسل لك، وأنت تعيد ترتيبها، وهذا غير مغري وغير ممتع بالنسبة إليّ”.
يصمت قليلاً، ثم يلفت إلى ضرورة وجود المرجعية في ظل تخبّط كبير في المفاهيم والخلط بين الشهرة والقيمة من جهة، والفن والابتذال من جهة أخرى: “الدراما اليوم تحتاج إلى المرجعية التي تشكل العصا السحرية وعصا المعلّم التي تربّينا عليها، في المدرسة وفي دراما الستينيات والسبعينيات والأساتذة والكبار الذين كانوا لنا مرجعاً. ذلك لأنهم كانوا يحملون ثقافة سوريا، وتاريخ دمشق العريق، والصراعات التي عبرت من خلالها عبر التاريخ، والاحتلالات التي مرت بها منذ الأندلس مروراً بطارق بن زياد وناصر بن نصير والكثير من رجال التاريخ”.
ويضيف: “نحن نحتاج إلى مرجعية، لكي نفهم من هي دمشق. هي مدينة عريقة ومن أقدم عواصم العالم، عَبَر منها كبار المثقّفين والشعراء والسياسيين والكتّاب، هؤلاء هم المرجع، لا ما هو سائد ومطلوب ومقولة »الجمهور عايز كده« بالطبع لا! فالفن هو عالم، مدرسة، منصّة، وثقافة مستقلة، تنير المجتمع وتعالجه بقضايا، هي مرآة للمجتمع ولكن هناك هامش لإنقاذ المجتمع من سقوطه في حفرة مليئة بالإجرام والجهل”.
ويشدّد على دور الفن في بلسمة جراح بلده عقب أزمتها الشديدة: “على الرغم من كل ما مرّ من حروب ومأساة، على الفن أن ينقذ هذه الهوّة ويصنع نوراً جديداً، بالتأكيد لا يشبه الجميع بعضهم بعضاً، هناك المثقف والبطل والجاهل والواعي وصاحب المسؤولية ومن لديه نظرة إلى المستقبل، هناك من ينقذ هذا البلد، ومن تعلم ويحب العلم والمعرفة، نحن لسنا في ورطة، والدواء موجود مع المريض الذي عليه بدوره البحث عنه”.
.jpeg)