غير مهتمة بالشهرة، فالفن رسالة كما تقول. هكذا حسمت المغنية السورية ليندا بيطار مسارها، عندما دخلت المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وهي تحمل ذائقة اكتسبتها من غناء الموشحات وكورال الكنيسة، منذ أن كانت في سن الخامسة.
غنت ليندا مع زياد رحباني، وشاركت في كورال السيدة فيروز، وتعاونت مع الموسيقار إياد الريماوي، وقدمت حفلاتها على مسرح أوبرا دمشق. وكلما مضى المزيد من الوقت، توطدت علاقتها مع الأغنية الجادة، فهي والاستعراض نقيضان.
“أزمة تعصف بالأغنية السورية”
وتقول ليندا بيطار: “ساعدتني البيئة، في التأسيس للغناء الصحيح. فالموشحات والكورال، جعلاني أدرك قيمة الأغنية ومستواها الإبداعي، في اللحن والكلمات والصوت. أنا مدينة لذلك المخزون؛ لأنه نحت شخصيتي الفنية وحماني من الرداءة والاستسهال”.
وتعترف بيطار، بوجود أزمة تعصف بالأغنية السورية، وتحمّل الإنتاج مسؤولية ذلك. وتضيف: الطاقات الإبداعية موجودة بقوة في سوريا. سواء في خامات الأصوات أم الملحنين أم كتاب الكلمات، لكن إنتاج الأغنية صعب بسبب التكاليف الباهظة”.
ويبدو ضعف التسويق، من المطبات الأساسية التي تعترض الأغنية السورية بعد الإنتاج، حسبما ترى ليندا. وتضيف “للأسف لا نمتلك خططًا تسويقية صحيحة، تتكفل بإيصال الأغنية إلى شرائح أكبر من الجمهور”.
ولا تنجُ منصات السوشال ميديا والفضائيات، من دائرة الاتهام بتشويه الأغنية السورية، التي ترسمها ليندا. فالانفتاح العشوائي، كما تقول، “ضيّع هويتها، ومارس عليها نوعًا من التهجين القسريّ، سالبِ الخصوصيات”.
“أغنياتي من إنتاجي الشخصي”
ويصل رصيد ليندا بيطار من الأغنيات الخاصة، إلى 20 أغنية، والكثير من أغاني شارات المسلسلات، وترى أنها كانت محظوظة بدخولها المعهد العالي للموسيقى عام 2002، وتخرجها عام 2007، إذ إنَّ الإنتاج الفني السوري، كان في ذروته.
وتضيف ليندا “جميع أغنياتي الـ20، هي من إنتاجي الشخصي. ومن الطبيعي أن تكون أغنياتي في شارات المسلسلات أكثر، نتيجة انتعاش الدراما السورية ووجود شركات إنتاج كبيرة تقف وراء المسلسلات. لقد ساعدتني الدراما في انتشار صوتي عبر الشارات”.
وتذكّر ليندا، بتأثير غياب الخطط التسويقية، على انتشار الأغنية، وتقول “نحن نفتقد العارفين بالتخطيط والتسويق”.
موجات الأغنيات الهابطة
وتقول ليندا: “نحن في مرحلة كثرت فيها الأغنيات الهابطة للأسف. والناس أصبحوا يحبون الأغنيات السهلة ليشعروا بالفرح. ويجب ألا نظلم كل الجيل الشاب، فحضوره لحفلاتنا في الأوبرا، يؤكد أن الأمور ما زالت بخير”.
“هناك تخريب للذائقة والتراث”، تؤكد ليندا ذلك. وتربطه بغياب ثقافة الحياة التي يكتسبها المرء بدايةً من المنزل. وتتمنى على الأهل ملاحقة أبنائهم بالثقافة وحماية الذائقة، وعدم ترك التربية الفنية للسوشال ميديا.
وتبدي ليندا، أسفها على الغبن الذي تتعرض له المغنيات الجادّات. وتقول “مطربات الأغنية الهابطة، شبه الأميّات، يقبضن أموالاً طائلة مقابل حفلاتهنّ. لكننا نتمسك بأداء الأغنية الجادة والعميقة إبداعيًّا، كنوع من المقاومة والإصرار على نشر هذا الفن”.
“لن أحيد عن خطي”
وتعذر ليندا، من تضطره الظروف للغناء في الأماكن “العامة”، بهدف كسب المال والشهرة. وتقول إن فعل ذلك صعب جدًّا على المغنيات الملتزمات بسويات إبداعية مرتفعة، في الصوت واللحن والكلمات. وتضيف ليندا “كأنّ الحياة أصبحت مقلوبة!. لكننا مصرون على نشر الأغنية الصحيحة والموسيقى الجادة، حتى لو زاد جمهورنا شخصًا أو شخصين فقط في السنة، فهذا نجاح، بالنسبة لنا”.
وترفض ليندا بيطار، أن تحيد عن خطها الذي دأبت على تكريسه في الغناء. وتعود بالذكرى إلى مشاركات سابقة مع زياد الرحباني وإياد الريماوي، وتقول إنها رسخت لديها هذه القناعة. وتقول “كانت دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008، في تلك السنوات التي أعقبت تخرجي في المعهد، تربعت سوريا على قمة الحراك الإبداعي في الفنون، وقد ساعدتني تلك الفترة في بناء شخصيتي وتكريس نهجي الفني وإغناء تجربتي”.
وعندما نسأل ليندا، ما إذا كانت تحزن لوجود بضعة آلاف من المتابعين على صفحتها في إنستغرام، مقابل احتشاد الملايين في صفحات هابطة؟
تجيب “في صفحتي 270 ألف متابع، وصلت إليهم عبر التعب والحرص على تقديم الفن الحقيقي والجاد، بضعة آلاف، لكنهم يعادلون الملايين. إنهم مصدر فرح مضاعف لدي، لأنني مصرة على الوصول بالطريقة التي أريدها، وليس بالطريقة التي يريدها هذا العصر”.