الدكتورة هبة راجحة، باحثة لبنانية بارعة في هندسة العمليات، حرصت على دفع غيرها من النساء لمتابعة حياتهن المهنية في مجال العلوم. معتمدة على مبدأ القيادة بالقدوة الحسنة لتحثّ طالباتها على المثابرة والاعتراف بقدراتهنّ العظيمة في الميدان وتشدّد دائماً على أن “الكفاءة لا تكفي للنجاح والمثابرة هي التي تكتسي أهمية أكبر خاصة بالنسبة لنا نحن النساء”.
عام 2024 تمّ اختيارها لتكون عضوة في أكاديمية الشباب العالمية (GYA)، التي تضم أعضاء من جميع القارات، ومهمتها هي إعطاء صوت للعلماء الشباب في جميع أنحاء العالم، وتطوير وربط وتعبئة المواهب الشابة من القارات الست، وتمكين الباحثين الشباب من قيادة الحوار الدولي ومتعدّد التخصّصات وبين الأجيال والمساهمة في التحديات المجتمعية.
في عام 2022 فازت الدكتورة هبة راجحة بجائزة في مجال علومالبيئة من برنامج لوريال اليونسكو من أجل المرأة في العلم L’Oreal Unesco for women In Science، ولا زالت تطمح للوصول إلى عالم تستطيع من خلاله إجراء الأبحاث العلمية لتحسين حياة جميع الناس.
للتعرّف عن كثب على أبحاث الدكتورة هبة، أجرت معها “سيدتي” هذا الحوار حيث أكّدت من خلاله أنها عاهدت نفسها على أن تحثّ غيرها من النساء ووضعهن في مواقف واقعية لصنع القرار في دوائر البحث حيث لم يعتد الناس على حضور المرأة.
أعدّت المادة: عفت شهاب الدين
أكاديمية الشباب العالمية GYA
الدكتورة هبة راجحة
تقول الدكتورة هبة راجحة عام 2024 تمّ اختياري لأكون عضوة في أكاديمية الشباب العالمية (GYA) وهي أكاديمية شابة نابضة بالحياة ومستقلة تضم أعضاء من جميع القارات. ورؤية أكاديمية الشباب العالمية (GYA) هي العلم للجميع؛ العلم للمستقبل، ومهمتها هي إعطاء صوت للعلماء الشباب في جميع أنحاء العالم.
وتضمّ هذه الأكاديمية 200 باحثاً في بداية أو منتصف حياتهم المهنية، تمّ اختيارهم بعناية للتميّز البحثي بالإضافة إلى تأثير وأهمية عملهم بالنسبة للمجتمع، كما أنها تمكّن الباحثين الشباب من المساهمة في المجتمع والعمل معًا من أجل مستقبل أفضل. نتيجة لذلك أنشأت هذه الأكاديمية مجتمعًا من العلماء الشباب اللامعين الذين يمكنهم قيادة حوار دولي متعدّد التخصّصات وبين الأجيال.
تعمل GYA على تطوير وربط وتعبئة المواهب الشابة من القارات الست، وتمكين الباحثين الشباب من قيادة الحوار الدولي ومتعدد التخصصات وبين الأجيال والمساهمة في التحديات المجتمعية. وتهدف GYA إلى رفع صوت العلماء الشباب في عملية صنع القرار العالمية والإقليمية والوطنية المبنية على الأدلة والشاملة.
جائزة علوم البيئة من لوريال
فازت الدكتورة هبة راجحة عام 2022 بجائزة في مجال علوم البيئة عن بحثها حول رفع قيمة فضلات الطعام من خلال إدراج البوليفينول الذي يحتوي عليه قشر العنب وتغليفه بجزيئات نانوية في مستحضرات تجميل مختلفة. وتركّز بحوث الدكتورة هبة راجحة على إعادة تدوير النفايات الصناعية مثل قشور الرمّان وقشر البرتقال، بذور وقشر العنب وزيادة قيمة المخلّفات الزراعية كأغصان الكرمة وأوراق الزيتون، فيُعاد استخدام هذه الفضلات ويتمّ تحويلها إلى مواد أولية ثمينة للغاية لقطاع مستحضرات التجميل وقطاع الأطعمة.
أما اللافت للأنظار في هذا الموضوع فهو أن بحوثها التطبيقية قابلة للتوسيع ويمكن الارتقاء بها إلى مستوى صناعي، فتزيد بذلك الوعي حول أهمية روح المبادرة في البحوث والهندسة.
ولاشك أن البحوث العلمية تتطلب وقتًا طويلًا ومجهودًا كبيرًا للوصول إلى النتائج والأهداف المرجوّة. كما تتطلّب مستلزمات ومختبرات متطوّرة وحديثة، لذا فإن الدعم المادي والمعنوي في المسيرة العلمية ضروري وأساسي للنجاح. من هنا لا بدّ من شكر (جامعة القديس يوسف) في بيروت على كل تقديماتها في هذا المجال كما أخصّ بالشكر والتقدير برنامج لوريال اليونسكو من أجل المرأة في العلم L’Oreal Unesco for women In Science على منحي هذه الجائزة القيّمة عام 2022 التي من شأنها أن تساهم في إزالة العقبات المادية التي تواجه الأبحاث العلمية في مختلف أنحاء العالم”.
فإلى جانب الدعم المادي الذي قدّمته لي الجائزة هناك العديد من المساهمات الكبيرة الأخرى، فمن خلال تكريمي يُظهر البرنامج اعترافاً بمساهمتي والتزامي بالمثابرة على إجراء البحوث العلمية بالإضافة أن هذه الجائزة تساعد على تسريع عجلة التقدّم العلمي والمهني، حيث أنها ستساهم بشكل كبير في تطوّر أبحاثي في الجامعة من خلال شراء معدات ولوازم كما ستفتح مجالاً أمام اكتشافات جديدة.
مصاعب رحلة البحث العالمي
رحلة الدكتورة هبة راجحة في مجال البحث العلمي لم تكن سهلة وقصيرة بل تطلّبت منها جهداً ووقتاً وصبراً وهي اليوم موجودة في باريس لنيل شهادة الماجستير MBA في مجال إدارة الأعمال حتى تجمع ما بين الهندسة وإدارة الاعمال، حيث تشير إلى أن “العوائق والمصاعب الأساسية التي واجهتها كانت كثيرة،
أُوصدت الأبواب في وجهي رغم حصولي على درجة البكالوريوس في علم الأحياء والكيمياء الحيوية ودرجة الماجستير في علم الوراثة والبروتيوميات وشهادة الدكتوراه في هندسة العمليات وكان من المفترض أن أكون متضلّعة في مجالي بعد هذه الفترة الطويلة من الدراسة ولكنني أدركت أنني لم أكن أتقن أي مجال بالقدر الكافي لأكون مختصّة فيه، لذلك شعرت بالنقص وبالألم ولم أستطع القبول به بسهولة خاصة بعد أن قضيت 8 سنوات في الدراسة، ومع ذلك قرّرت العودة إلى الجامعة ومواصلة الدراسة لـ 5 سنوات أخرى للتخصّص في هندسة العمليّات، وهذا الأمر مكّنني من بلوغ درجة تسمح لي حقّا أن أزدهر وأن أعمل في المجال الذي أحبه وهو التدريس”.
وتضيف الدكتورة هبة قائلة:”من ناحية أخرى يجب أن أسلّط الضوء على توجّه النساء الخجول للتخصّص في مجال الهندسة الصناعية والتي بدأت تضمحل مع بدء تسليط الضوء على براعة النساء في مثل هذه الاختصاصات وخاصة بعد التشجيع الذي حصلت عليه النساء من خلال المسابقة التي أقامتها L’Oreal Unesco for women In Science التي وقفت إلى جانب المرأة الباحثة من خلال منحها الثقة والدعم الكاملين.
تمكين المرأة والاستقلال المادي
قبل سفرها الى باريس ومن خلال عملها كمدرّسة وباحثة في كلية الهندسة في “جامعة القديس يوسف” في بيروت، كانت الدكتورة هبة تدعم جميع طالباتها وتدفعهن لمواصلة طريقهن رغم المصاعب وهنا تستطرد قائلة: “ما أفتخر به كثيراً لا يوجد على سيرتي الذاتية وهو سعيي الدؤوب لتمكين المرأة.
أعتبر أنني قدوة لغيري من النساء وأود من خلال ذلك أن أدفع النساء نحو المثابرة والالتزام والايمان بأنهن أيضاً قادرات على الحصول على مناصب عليا في السلطة وفي كافة المجالات وتحديداً البحوث العلمية التي تفتح لهن آفاقاً واسعة لا حدود لها على الإطلاق.
أنا أعتبر أن المثابرة هي مفتاح النجاح فعند فوزي بجائزة (لوريال -اليونسكو) أيقنت أن المواهب النسوية الشابة في مجال العلوم لا بدّ وأن تكافأ على جميع جهودها، وأن هذا الأمر لا مفرّ منه.
من أصعب الوضعيات في هذا العالم هو أن نكون امرأة لأن ذلك يخلق عراقيل كثيرة خاصة عندما لا تتمتّع المرأة بالدعم الذي حظيت به من أسرتي وزملائي من الرجال.
عندما تعمل المرأة في مجال العلوم، قد تكون مطالبة بالعمل وبذل جهد مضاعف لتكون أقوى أو لتطلب المساعدة، لكن عندما تتسلّح بالعقلية الملائمة وعندما يتاح لها الدعم ستكون لها القدرة على النجاح في أي مجال ترغب به ولا تنسى أبداً أن الشعور بالخوف هو جزء من المسار.
وتستطرد الدكتورة هبة: عاهدت نفسي على أن أحثّ غيري من النساء ووضعهن في مواقف واقعية لصنع القرار في دوائر البحث حيث لم يعتد الناس على حضور المرأة، إن اتخاذ المرأة لقراراتها يكتسي أهمية أكبر من سعيها إلى إثبات قيمتها كامرأة. أنا شغوفة بالعلوم لكن لا ينبغي لأي كان أن يفكّر في طرح الأمر في شكل معادلة إما أن تكون عالماً أو أن تكون فاشلاً”.
النصيحة التي تقدّمها الدكتورة هبة لغيرها من النساء هي أن يتصرفن بشكل طبيعي وأن يفعلن ما يجعلهن يشعرن بالراحة الفكرية والجسدية والعاطفية، “أشعر بأنّ شيئاً ينقصني عندما لا أعمل خاصة عندما لا أساهم داخل مجتمعي مهما كان نوعه”.
وعن أهمية الاستقال المادي للمرأة تقول الدكتورة هبة: “تقول الكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار Simone De Beauvoir أن الاستقلالية المادية مهمة جداً للنساء؛ لأنها تعطيهن استقلالية التصرّف واستقلالية اتخاذ القرارات، النساء قادرات على تغيير العالم من خلال بحوثهن العلمية وهناك فرصة كبيرة للانفتاح العلمي يجب ألأ نضيعها”
التحفيز على متابعة العلوم وتحقيق الذات
شعارالدكتورة هبة راجحة في الحياة الاستمرار بالتعلّم وتطوير كفاءتنا وذاتنا بشكل يومي، فهي لا تنظر إلى الموضوع على أساس أنه بيئي بحت بل تنظر إليه من 3 جوانب وهي البيئة والأرض، الاقتصاد والحالة الإنسانية.
تشير الدكتورة هبة في حديثها: “أحاول أن أكون قدوة وكل ما ينتج مني خطياً أو فكرياً يكون مشجعاً ويدفع النساء إلى المثابرة والالتزام وأن تثقن بأنفسهن من خلال تحفيزهن على متابعة علومهن وتحقيق ذاتهن.
مؤخراً وخلال إقامتي في باريس وسّعت بحوثي العلمية لأنه تمّ انتخابي كما سبق وذكرت في أكاديميتين عالميتين وهما Arab German Young Academy وموقعها في برلين والثانية هي Global Young Academy وقد سنحت لي الفرصة بالتواصل مع أهم الرائدات في العالم والعمل مع أهم الباحثين والباحثات لدراسة أبرز المشاكل والتحديات التي يواجهها العالم حالياً.
طموحات مستقبلية
وعن المستقبل والطموح تقول الدكتورة هبة: طموحي أن أتمكّن من ترك مكاني أجمل مما كان والوصول إلى عالم أستطيع من خلاله إجراء الأبحاث العلمية التي أريدها لتحسين حياة جميع الناس.
البحوث العلمية هي ملاذي لأنها تجعلني أكتشف أموراً جديدة في المختبر والبحوث فيها تعاطي كبير مع الناس من كافة الأطياف، كما أن كل بحث نعمل عليه جميل وعنده تطبيقات على أرض الواقع وإنجازات تغيّر بطريقة العيش وتجعلنا نعيش بطريقة أفضل لا يكون مجهود بل يكون لذة. لهذا السبب أجري بحوثي منذ عام 2012 عندما كنت طالبة دكتوراه ولم أشعر ولا مرّة أن ما اقوم به جهد بل هو متعة.
من بعد جائحة كورونا اكتشفنا أننا بحاجة إلى كل الطاقة البشرية لمكافحة كل ما يواجه البشرية. اليوم بوجه كل الأزمات الصحية والبيئية نحن بحاجة للطاقة البشرية بأكملها والمرأة تشكل 50 % من المجتمع، إذا لم تشارك المرأة في الاختراعات والعلوم والإنجازات العلمية سوف تخسر البشرية طاقة كبيرة؛ لأن الفكرة لا تعرف الجنس، نحن بحاجة إلى المساواة بين الجنسين؛ لأننا بحاجة إلى طاقة المرأة لمواجهة مشاكل البشرية والأزمات الإنسانية والعلمية الكثيرة”.