المصورة العمانية ميساء الهوتي: شغفي اكتشاف أعماق البحار
«يحلو الكلامُ، ويطيبُ عند ذكرِ عُمان». بهذه العبارةِ، افتتحت المصوِّرةُ العُمانية ميساء الهوتي حديثها معنا، لتجذبنا بحلو الكلامِ إلى أعماقِ علاقتها المتجذِّرةِ بالأرضِ، والطبيعةِ، والكائناتِ الحيَّة، علاقةٌ كانت حافزها الأوَّلَ في كلِّ مشروعٍ وفكرةٍ مبتكرةٍ، عملت على تحقيقها. أتقنت التصويرَ، لأنها رأت فيه تعبيراً عن الذات، وتعلَّمت الغوصَ، لتحملَ شغفها بالتصويرِ إلى عوالمَ غنيَّةٍ بالكنوزِ الطبيعيَّة، واللحظاتِ الجميلة، والأسرارِ الخفيَّة. ولأنها تؤمنُ بأن لكلِّ مَعْلَمٍ، ولكلِّ كائنٍ حي في البيئةِ العُمانيَّة قصَّةً مشوِّقةً، تستحقُّ التوثيق، لذا كرَّست وقتها وجهدها، لتضعَ «عُمان تحت المجهر»، وتثبت أنها «معجزةُ الجزيرة العربيَّة».
ميساء الهوتي
حين تشاركين في حوارٍ، أو ملتقى، أو ندوةٍ عن التصويرِ السياحي، كيف تفتتحين الحديثَ عن عُمان التي يدورُ إبداعكِ كلّه عنها وحولها؟
يحلو الكلامُ، ويطيبُ عند ذكرِ عُمان، سواءً كان في مجالِ فنِّ التصويرِ السياحي، أو في مجالاتٍ أخرى. ما يهمُّني في أي حوارٍ، أن يكون من أجلِ صونِ الحياة الفطريَّة، وحمايةِ البيئةِ العُمانيَّة، والترويجِ لطبيعتها الخلَّابة، داخلياً وخارجياً.
عقدٌ من الزمنِ مرَّ على إطلاقِ مبادرة «عُمان تحت المجهر»، هل حقَّقت أهدافها المرجوَّة، وما أبرزُ المشروعاتِ التي نُفِّذت تحت مظلتها؟
«عُمان تحت المجهر» بالنسبةِ لي مبادرةٌ وشغفٌ، وأهدافها متجدِّدةٌ دائماً، وقد حقَّقنا قسماً منها، ونسعى إلى تحقيقِ المزيد. أهمُّ أهدافِ المشروع محاولةُ وضعِ سلطنةِ عُمان على خارطةِ السياحةِ العالميَّة، وتشجيعُ السياحةِ الداخليَّة، والعملُ على زيادةِ الوعي بالبيئةِ العُمانيَّة، وصونِ مواردها الطبيعيَّة واستدامتها، وتحقيقِ الحمايةِ الكافية لكلِّ أنواعِ الحياةِ البريَّة، والنظمِ الإيكولوجيَّة، مع استخدامِ مواردِ التنوُّع الأحيائي على نحوٍ قابلٍ للاستدامة من أجل مستقبلٍ أفضل. البدايةُ كانت عام 2014 مع «وجوه والطبيعة العُمانية»، أمَّا المشروعُ الثاني، فتناول «كنوز عُمان البحريَّة»، وفي الثالث غاصَ فريقُ «عُمان تحت المجهر» في أسرارِ الطبيعةِ العُمانيَّة التي لم تُكتشف بعد. ما لمسته خلال رحلةِ البحثِ في مشروعِ «عُمان تحت المجهر»، أن لكل كائنٍ حي قصَّةً مشوِّقةً في البيئةِ العُمانيَّة، تستحقُّ التوثيق، لتشكِّلَ ذاكرةً حيَّةً للجمالِ العُماني.
خفايا العالم السرمدي
«لم يُكتشف بعد» محورٌ من محاورِ «عُمان تحت المجهر»، ما الذي أردتم إبرازه من خلاله؟
البيئةُ العمانيَّة غنيَّةٌ جداً وفريدةٌ في مكوِّناتها، لذا سعيتُ جاهدةً لإبرازِ واكتشافِ خفايا هذا العالمِ السرمدي في محاولةٍ لأخذ المشاهدِ في رحلةٍ مشوِّقةٍ، تبرزُ عناصرَ الجمال في السلطنة. وأيضاً كناشطة بيئية حرصتُ في هذا المشروعِ، على زيادةِ الوعي بأهميَّةِ حمايةِ البيئةِ العُمانيَّة وصونها بوصفها ثروةً وطنيَّةً، يجبُ المحافظةُ عليها. والمشروعُ تمَّ تنفيذه بالتعاونِ مع قنواتٍ عالميَّةٍ معروفةٍ، وبدعمٍ سخي من الجهاتِ الحكوميَّة المعنيَّة، والشركاتِ الحكوميَّة الراعيةِ له.
ما المناطقُ، أو العناصرُ الجماليَّة التي يجب استكشافها في عُمان؟
فريقُ عُمان إنفوكَس «عُمان تحت المجهر»، بدأ رحلةَ استكشافِ البيئةِ العُمانيَّة، والحياةِ الفطريَّة الغنيَّة بثرائها وتنوُّعها الطبيعي من خلال الغوصِ في بحرِ العرب لمشاهدةِ العالمِ الخفي تحت الماء، وتسلُّقِ جبالِ السلطنة للتعرُّفِ على الحياةِ فيها، من حيواناتٍ نادرةٍ وكهوفٍ رائعةٍ، إلى جانبِ خوضِ تجربةٍ فريدةٍ من نوعها في عمقِ الصحراءِ العُمانيَّة الباهرةِ بكثبانها البيضاء، وكائناتها النادرة. ومن الأماكنِ التي تستحقُّ تسليطَ الضوءِ عليها:
نقطةُ الجاذبيَّة في سلطنة عُمان، إذ تُرصَدُ ظاهرةٌ طبيعيَّةٌ نادرةٌ في عُمان من قِبل السكانِ والزوَّار الذين يأتون بسياراتهم، ويحرِّرون مكابحها، ويضعونها في وضعِ N، فتتحرَّك المركبةُ تدريجياً من الأسفلِ إلى الأعلى. ويرتاد عديدٌ من الزوَّار طريقَ عقبة حشير التي تعدُّ من أماكنِ الجذبِ السياحي في محافظةِ ظفار لمشاهدةِ الظاهرةِ المغناطيسيَّة العجيبة التي تقعُ تحديداً على طريق طوي عتير في ولايةِ مرباط. ومن المعالمِ السياحيَّة الجديرةِ بالاستكشافِ مقابرُ بات، وهي من المواقعِ الأثريَّة والتاريخيَّة التي تعودُ إلى القرنِ الثالثِ قبل الميلاد. بينما تقعُ إلى الشرقِ من عبري مدينةُ سمهرم التاريخيَّة الشهيرةُ بمينائها، وإحدى أقدمِ المدنِ الأثريَّة، حيث يعودُ تاريخها إلى الألفِ الثالثِ قبل الميلاد، بل إن النقوشَ الحميريَّة، لا تزالُ واضحةً على جدرانِ القلعةِ وأعمدتها. ومن جبالِ عُمان الشامخةِ جبلُ شمس، ويوجدُ في سلسلةِ جبالِ الحجر الغربيَّة في محافظةِ الداخليَّة. وهناك أيضاً منحدرُ طاقة، وهو منحدرٌ صخري عالٍ وحادٌّ، ويوفرُ إطلالةً بانوراميَّةً ساحرةً على بحرِ العرب، ومدينةِ طاقة، وحتى صلالة الشهيرة، وغير ذلك الكثير.
قصصٌ مشوَّقةٌ تستحقُّ التوثيق
التصويرُ ظاهرياً هوايةٌ ممتعةٌ، لكنه في العمقِ ناقلٌ لرسالةٍ، ما الرسالةُ التي تحملها عدستكِ دوماً؟
بالنسبة لي، أعدُّ التصويرَ شكلاً من أشكالِ التعبيرِ عن الذات، وكلُّ صورةٍ ألتقطها محاولةٌ لفهمِ وتقديرِ العالم من حولنا، خاصَّةً البيئةَ العمانيَّة الغنيَّة بمكوِّناتها ومكنوناتها الساحرة من خلال تصويرها بعينٍ وزوايا مختلفةٍ.
فزتِ بجوائزَ في عديدٍ من المسابقاتِ الدوليَّة في مجال التصوير، كيف تحدِّدين عناصرَ الصورة؟
التخطيطُ الجيِّدُ لكلِّ رحلةِ تصويرٍ، واختيارُ المُعدَّاتِ المناسبة، ووقتِ التصوير مع الخبرة، يعطي نتائجَ مميَّزةً. عناصرُ التصويرِ الناجح، تعتمدُ على الفكرةِ، والرسالةِ المرادِ إيصالها، وزوايا التقاطِ الصورةِ الإبداعيَّة، والإضاءةِ إلى جانبِ اختيارِ الوقتِ المناسب، والتركيز، وقبل كلِّ ذلك التوفيقُ من الله.
عالم البحار الغامض
ما الذي ينفردُ به عالمُ البحار، وجذبكِ نحوه بهذا الشكل، هل هو حبُّ المغامرة، أم الرغبةُ في التميُّز، أم جمالُ الصورة؟
حبُّ المغامرةِ، والشغفُ، والصورةُ الحلوة ذات الرسالةِ الهادفة، وجمالُ البيئةِ العمانيَّة كلُّها عواملُ اجتمعت مع بعضٍ، وشكَّلت دافعاً وحافزاً لي من أجل اكتشافِ عالمِ البحار، أكثر العوالمِ غموضاً وسحراً، إذ ما زالت الأبحاثُ تكتشفُ حيواناتٍ وحقائقَ علميَّةً جديدةً إلى وقتنا الجاري.
ما مدى صعوبةِ التصوير تحت الماء، وما الذي يحتاج إليه من تقنياتٍ ومهاراتٍ؟
التصويرُ تحت الماء يمثِّلُ تحدياً كبيراً، لأنه يتطلَّبُ مُعدَّاتٍ مختلفةٍ ومتطوِّرةٍ عن تلك المستخدمةِ في أي من الأوضاعِ الأخرى، من كاميراتٍ، وحافظٍ للكاميرا، وعدساتٍ متنوِّعةٍ، وجديرٌ بالذكر أن المياه تقلِّلُ زاويةَ رؤيةِ العدسة بنسبةٍ تتراوح بين 25% و30%. التصويرُ تحت الماء يحتاج أيضاً إلى تخطيطٍ جيِّدٍ لكلِّ رحلةٍ، مع الأخذِ في الحسبان وقتَ التصوير، وحالةَ الأمواج، وظروفَ التصوير في قعرِ البحر، وتجنُّب التياراتِ البحريَّة لما تشكِّله من خطورةٍ على المصوِّر والمُعدَّات.
هل تعلَّمتِ الغوصَ من أجل التصوير، أو التصوير لتُري العالم ما ترينه خلال الغوص؟
التصويرُ شغفي وهوايتي، ومن أجله تعلَّمتُ الغوصَ، ومهارةَ التصويرِ تحت الماء.
لا حدودَ أمام مَن يعشق هوايته
تقولين: «لا حدودَ، ولا مسافاتٍ، تقفُ أمام مَن يعشق هوايته». إلى جانبِ هذا الشغف، ما الذي يحتاج إليه الإنسان بوصفه محفِّزاً للنجاح؟
إضافةً إلى الشغفِ، وحبِّ المغامرة، يحتاج الإنسانُ إلى المعرفةِ العلميَّة، والتخطيطِ لكلِّ رحلةِ تصويرٍ، واختيارِ المُعدَّاتِ المناسبةِ، والصحبةِ الجيِّدةِ من أهلِ الخبرة، خاصَّةً في المواقعِ الطبيعيَّة الخطيرةِ مثل البراري، والغاباتِ، والصحاري، والبحارِ.
كيف ترين دورَ المرأة العُمانيَّة في النهضةِ الحاصلةِ بالبلاد؟
حظيت المرأةُ العمانيَّة منذ انطلاقةِ النهضةِ المباركةِ بحظٍّ وافرٍ من الاهتمامِ، والرعايةِ، والتكريم إيماناً بدورها الكبيرِ في بناءِ المجتمع، وإسهاماتها في التنميةِ المستدامة، ومُنحت الفرصةَ والدعمَ للمشاركةِ بفاعليَّةٍ في مختلفِ الفعالياتِ، والمؤتمراتِ العلميَّة الدوليَّة حتى تتزوَّد بأفضل التوجُّهاتِ العلميَّة في مجالِ البحوثِ بمختلف القطاعاتِ والاختصاصات، وتكون عنصراً أساسياً وفاعلاً في الرقي بالسلطنةِ إلى مصاف الدولِ المتقدِّمة.
اليوم، بعد كلِّ هذا الجهد، تمكَّنتِ من أن تقولي للعالم: إن «عُمان معجزةُ الجزيرة العربيَّة». كيف تشعرين وقد أوصلتِ رسالتكِ هذه للعالم؟
أشعرُ بالفخرِ والاعتزازِ بوصفي فتاةً عُمانيَّةً، تسعى جاهدةً إلى إيصالِ صورةِ سلطنة عُمان المشرقةِ والبهيَّة، وإبرازِ قيم مجتمعنا، وحضارته، وتاريخه المجيد. على الرغمِ من كلِّ الظروفِ الاستثنائيَّة والصعبةِ التي مرَّ بها مشروعُ «عُمان تحت المجهر» إلا أننا أكملنا طريقنا بالعزيمةِ المستمدَّة من النهضةِ الكبيرةِ التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله ورعاه، وهذا يضعُ على عاتقنا مسؤوليَّةَ الاستمرارِ بكلِّ إخلاصٍ في خدمةِ عُمان الغالية.