أكثر من عام مضى على حرب السودان، تغير خلالها الكثير لاسيما في الحياة اليومية للمواطن السوداني الذي بات يواجه أوضاعا معيشية صعبة ويكافح لكسب قوته اليومي، إلا أن السودان الغني بالثروات الطبيعية يمتلك مادة أصبحت عاملاً مهماً في يوميات الحرب ومصدراً لتمويل طرفي الصراع والمزارعين على حد سواء.
الصمغ العربي
والمادة هي الصمغ العربي وهو مكون غير معروف يدخل في صناعة الشوكولاتة والصودا والعلكة والحلويات والعديد من السلع الاستهلاكية الأخرى، وهو عبارة عن عصارة مجففة عديمة الطعم والرائحة تستخدم كمثبت أو عامل سماكة أو مستحلب للعديد من الأطعمة والمشروبات ومستحضرات التجميل والأدوية أيضاً.
فيما يتم حصاد حوالي 80٪ منه في العالم من أشجار السنط السودانية، التي تنمو في الحزام الصحراوي الذي يمتد من حدود السودان الغربية مع تشاد إلى حدودها الشرقية مع إثيوبيا، ويغطي مساحة تبلغ حوالي 200 ألف ميل مربع.
ولتصدير هذه المادة على التجار السودانيين المرور بمدنية الأبيض التي يسيطر عليها الجيش السوداني وتفرض عليها قوات الدعم السريع حصاراً منذ يونيو/حزيران 2023، حيث تعد الممر الرئيسي في البلاد لتصدير الصمغ العربي والذي يذهب إلى تشاد ومصر بورتسودان على البحر الأحمر.
مصدر لتمويل الحرب
وأصبحت هذه المادة مصدراً لتمويل طرفي الصراع في البلاد، حيث يقوم التجار بالتوجه نحو مدينة الأبيض في قوافل ويدفعون أموالا عند نقاط تفتيش لقوات الدعم السريع تقدر بحوالي 330 دولار، للعبور وعدم تعرض بضاعتهم للنهب.
بالإضافة إلى تلك المدفوعات يسلم تجار الصمغ العربي أيضاً ما بين 60 إلى 100 دولار لمقاتلي قوات الدعم السريع الذين يرافقون قوافل التجار في شاحنات صغيرة.
فيما كشف أحد التجار أن الأشخاص الذين يرفضون الدفع يخاطرون بخسارة بضائعهم ومركباتهم لصالح الميليشيات، بحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
بالإضافة إلى قيام قوات الدعم السريع بجمع الأموال من خلال سيطرتها على معظم الطرق الزراعية الرئيسية، يفرض الجيش السوداني الذي يدير حكومة الأمر الواقع في البلاد الضرائب والرسوم الجمركية الأخرى على تجارة الصمغ العربي.
وفي هذا الشأن قال ربيع عبد العاطي، الأكاديمي السوداني الذي أجرى أبحاثًا في صناعة الصمغ العربي إن “عائدات صادرات الصمغ العربي تمول هذا القتال بشكل مباشر”.
الشركات لم توقف الاستيراد
وعلى رغم هذه المخاوف، لم يتخذ سوى عدد قليل من الشركات خطوات للتأكد من تجنب الصمغ العربي السوداني، استنادا إلى مقابلات مع المصنعين والموردين والمستخدمين النهائيين.
بدوره أوضح أسامة إدريس، المدير العام لشركة مروج للسلع في المملكة المتحدة، وهي شركة مستوردة ومصنعة للعلكة الخام ومقرها في ويستون سوبر مير في إنجلترا: “لا نريد أن ينفد العملاء من مادة الصمغ العربي”.
وأضاف أن أياً من عملائه، بما في ذلك شركات الحلويات والمشروبات والنكهات، لم يعربوا عن مخاوفهم بشأن الحصول على الصمغ العربي من السودان.
من جانبها قالت شركة “نستله”، التي تضيف الصمغ العربي إلى الشوكولاتة والحلوى الصمغية، إنه وفقا لمورديها، فإن الكميات الصغيرة التي تستخدمها تأتي في المقام الأول من تشاد والنيجر ومالي.
في حين أفاد متحدث باسم شركة “هيرشي” لصناعة الشوكلاتة بأن الشركة تتوقع من جميع مورديها الالتزام بجميع القوانين في البلدان التي يعملون فيها.
وقالت متحدثة باسم “فيريرو” إن شركة صناعة الشوكولاتة لديها إجراءات صارمة للعناية الواجبة يجب على جميع مورديها الالتزام بها، بما في ذلك التقييمات وعمليات التدقيق الميدانية.
تجار في مدينة الأبيض يجهزون الصمغ للتصدير (رويترز)
وقف الاستيراد يضر آلاف السودانيين
فيما ذكرت بعض الشركات أن وقف شراء الصمغ العربي السوداني سيضر بمئات الآلاف من السودانيين الذين يعتمدون على الصمغ العربي في معيشتهم، وكثير منهم مزارعون أو أفراد المجتمعات البدوية، في وقت تحذر فيه وكالات الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة.
في موازاة ذلك أوقفت شركة Nexira الفرنسية، التي تقول إنها تمتلك حصة 40٪ من سوق الصمغ العربي العالمي، عملياتها في السودان لمدة ثلاثة أشهر العام الماضي، لكنها استأنفت منذ ذلك الحين وتتلقى شحنات من الصمغ من البلاد.
وقالت متحدثة باسم الشركة: “على الرغم من عدم اليقين بشأن النقل والحوادث المحتملة التي تؤثر على المحصول، فقد قررنا مواصلة الشراء”. وتابعت “هذا جزء من التزامنا تجاه المجتمعات المحلية التي عملنا معها لعدة عقود.”
كذلك أشارت إلى أن بعض جهات الاتصال بشركة Nexira أبلغت مؤخراً عن “نشاط ابتزاز محتمل على الطرق السودانية”، وقالت إن الشركة طلبت من شركائها في البلاد تجنب الطرق التي لا يمكن ضمان حرية الحركة فيها.
في المقابل أوقفت شركة FOGA Gum، ومقرها هولندا، والتي كانت تستورد وتعالج الصمغ العربي السوداني بشكل أساسي لتزويد شركات النكهات في الولايات المتحدة وأوروبا، جميع أنشطتها التجارية في السودان في أبريل 2023، بعد وقت قصير من بدء الحرب.
تجار في مدينة الأبيض يجهزون الصمغ للتصدير (رويترز)
السودان أحد أكبر المصدرين في العالم
يشار إلى أن الصمغ العربي هو أحد الصادرات الزراعية الرئيسية في السودان. وفي عام 2022، صدر السودان الصمغ العربي بقيمة حوالي 183 مليون دولار، مما يجعله أحد أكبر 10 صادرات للبلاد بشكل عام، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة.
ويقول التجار إنهم يتوقعون انخفاض إنتاج السودان بنحو النصف خلال هذا الموسم، الذي يمتد من أكتوبر/تشرين الأول إلى مايو/أيار تقريباً، حيث انضم العديد من الشباب الذين يحصدون المحصول عادة للقتال، بينما كان آخرون يخشون الخروج لإتمام الحصاد. وفي الوقت نفسه، ارتفعت الأسعار بنحو الثلثين لتصل إلى 5000 دولار للطن المتري، كما يقول التجار.
متابعات