أحب أن يقال إنني شخص ساعد في تأسيس الأشياء بطريقة إيجابية.. “فالتركيز على القيمة وبناء وخلق الأشياء بشكل إيجابي بسبب مساهمتي هو أكثر ما يسعدني”، قد تكون للكلمات صدى واسع، إذا مرت على لسان واحد من أنجح الشخصيات في المنطقة، سواء كرجل أعمال لديه عشرات الشركات حالياً واستثمارات بمليارات الدولارات، أو على صعيد السياسة كوزير في حكومة مصر.
كشف وزير التجارة والصناعة الأسبق المصري، رشيد محمد رشيد، لمجلة “إنيغما”، عن أهم الدروس التي مرّ بها خلال حياته، والتي شهدت تغيرات عنيفة في القوة والاتجاه، رغم ملامحه الهادئة التي لم يبد على محياها آثار تلك التغيرات الكبيرة.
وقال رشيد: “إذا كان لديك الفرصة كل بضع سنوات للتغيير ومقابلة تحديات جديدة، سواء كان ذلك في عملك الخاص، أو نشاط مختلف، أو قمت بتغيير وظيفتك، أو محيطك الجغرافي، أو شكل المسؤوليات فهذا مفيد جداً. إذا فعلنا الأشياء نفسها لفترة طويلة فسنعتاد عليها، ونمل، والمنفعة الجدية أو الاستفادة منها تتناقص، ونتوقف عن التطور. الوجه الآخر للتغيير، فإنه ولو كان عنصر واحد في حياتك، فإنك تستخرج كل شيء من التجربة السابقة ثم تضيف عليه، وهذا يمكن أن يخلق شيئا فريدا من نوعه عند الربط بين التجارب”.
قام رشيد بتوسيع أعماله في مصر عبر شركته العائلية، والتي كانت تعمل بالأساس في مجال الشحن، إلا أنه أضاف إليها تصنيع السلع الغذائية والعديد من العلامات مثل “فاين فودز” و”دريم”، ثم الدخول في شراكة مع “كوكاكولا” لتعبئة وتوزيع المشروبات الغازية، تلاه التحالف مع شركة “يونيليفر”. بعد 4 سنوات من الشراكة مع يونيليفر، عرضت عليه الشركة الانضمام لها كرئيس تنفيذ مسؤول عن إدارة أعمال بقيمة 60 مليار دولار، لتكون المرة الأولى التي يترك فيها أعماله العائلية للعمل في شركة عالمية ضخمة لديها استراتيجية توسعية في مجال السلع الاستهلاكية.
انتهت تجربة رشيد محمد رشيد مع “يونيليفر” بعرض حكومي مصري لقيادة ملف وزارة التجارة والصناعة. “لم يكن لدي أي استعداد أو توقع لتولي المهمة، اتصل بي رئيس الوزراء المصري، وكان من المفترض أن أتواجد خلال 24 ساعة”، بحسب ما قاله رشيد لمجلة “إنيغما”. أضاف “كنت عضواً في مجلس إدارة 26 شركة ولدي مسؤوليات، لكن الحكومات حينما تتشكل لا يمكن طلب وقت للتجهيز مثل شهر أو شهرين فقط 24 ساعة”.
وقال رشيد: “بعد تفكير والتشاور مع العائلة.. قررت الانضمام للحكومة كأول وزير من القطاع الخاص في مصر منذ عام 1952.. اتخذت القرار بنفس الروح المنفتحة لتجربة مرحلة جديدة من حياتي”.
تعرض وزير التجارة والصناعة الأسبق إلى العديد من الاتهامات بعد ثورة 25 يناير 2011، وتمت تبرئته من جميع التهم.
“لم أندم قط على قراري، لأنني كنت أقول لنفسي ولبناتي وعائلتي، إحداث تغيير إيجابي في حياة شخص واحد مكسب عظيم”. وأضاف رشيد: “خلال فترة عملي في الحكومة ساهمت في العديد من التطورات الإيجابية والإنجازات التي أكدت لي وجود أثر إيجابي لمساهماتي، ليس فقط في قطاع الصناعة، والتجارة والتصدير، والتنمية، والإبداع، بل أيضاً في عقول وقلوب الشباب الصغير”.
حافظ على شخصيتك
كشف رشيد خلال المقابلة عن أو صدام له بين ما تعلمه في مجال الأعمال، والانتقال إلى مجال السياسية كوزير. وقال: “خلال الاجتماعات كنت نشيطاً للغاية وأحاول الوصول إلى نتائج، وبعض زملائي في الوزارة تساءلوا عما أحاول تحقيقه.. وكانت إجابتي الوصول إلى نتائج مثلما تعلمت في البيزنس”. وأضاف “زملائي أخبروني بأن السياسة لا تهتم بالنتائج، ولكن تركز على النشاط، النتائج لا تعنينا، حاول أن تهدأ قليلاً”.
الدرس الذي تعلمه رشيد من بداية عمله في “يونيليفر” في لندن، دفعه للالتزام بما تعود على فعله واستمر في الوزارة بنفس الشخصية التي اعتاد عليها. قال رشيد: “يونيليفر أشبه بدولة، حيث يعمل بها 600 ألف موظف، والفارق بينها وبين شركتي العائلية، هو أنني كنت رئيس نفسي وأتعامل بحرية تامة، ولكن مع التنظيم المختلف حاولت التأقلم مع الوضع الجديد، وعندما سألني رئيس “يونيليفر” في لندن عن رأيي في العمل مع الشركة، أجبته بأنني أحاول التأقلم. ولكنه بادرني لا تحاول، فقط افعل ما كنت تفعله بنفس الطريقة.. تم اختيارك لشخصيتك وطريقتك في فعل الأشياء، وليس عليك تغييرها”.
وأوضح رشيد أن الدرس كان له قيمة غالية، ولذلك حافظت على شخصيتي والطريقة التي أعمل بها، وألا أقلد الآخرين. “لو فعلت الأشياء بالطريقة التي يفعلها الآخرون، بغض النظر عن صحتها من عدمه، فلن يصبح الأمر مميزا. حاولت فقط أن أكون على طبيعتي وأن أفعل الأشياء بالطريقة التي أراها صحيحة”.
الطريقة التي يبقى فيها المسؤولون في أماكنهم، ليس فقط في مصر، ولكن في العديد من الحكومات حول العالم، سواء كان ذلك في دول متقدمة أو دول ناشئة، هي إرضاء الجماهير، للحصول على شعبية، وإرضاء الرؤساء للحصول على التقدير والبقاء، وفقاً لرشيد.
خلال فترة وزارته، وقعت مصر العديد من الاتفاقيات التجارية، والتي لا تزال قائمة إلى الآن، من بينها اتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة QIZ مع الولايات المتحدة، والماركيسور مع دول أميركا الجنوبية، واتفاقية التجارة مع الدول الإفريقية، واتفاقيات التجارة مع الدول العربية، وسويسرا، وتركيا.
وقال رشيد، إنه حتى إذا اعتبر البعض أن تلك الاتفاقيات ليست إيجابية في وضعنا بسبب زيادة المنافسة، فإن ذلك بالتحديد كان الهدف: “لا يمكن لدولة التقدم في حال قررت الانعزال عن العالم، يجب أن تتعامل مع العالم الحقيقي والدخول في المنافسة، للارتقاء لمستوى المنافسة”.
ومن وجهة نظر رشيد محمد رشيد، فإن المشكلة الحقيقية التي كانت تواجه عملية التنمية في مصر وفي العالم، هي توافق مخرجات عملية التعليم مع احتياجات سوق العمل، وبالتالي كانت تنمية الكوادر على رأس تلك الأولويات. وقال رشيد: “الناس هم من يصنعون الفارق في أي بلد”.
إحدى المشكلات الأخرى التي يراها رشيد في العديد من المجتمعات، وبغض النظر عن دولة بعينها هي: “انغلاق الناس وسجنهم داخل عقولهم”. وبحسب رشيد، فإن رفض التغيير ورفض التنوع، أزمة تهدد العديد من المجتمعات، ويجب أن تنفتح العقول للتغير وتقبل الغير. “حتى في أوروبا، فإن العديد من الدول تحاول منع المهاجرين والأجانب، وهذا برأيي أزمة”.
القيم والنزاهة أهم من أخلاقيات الشارع
درس آخر، أضافه رشيد، خلال حواره مع مجلة “إنيغما”، والذى بدا خلاله هادئاً للغاية، رغم حديثه عن فترة طويلة تعرض لها إلى الظلم والتجريح. حيث قال إن الأهم خلال تلك التجربة القاسية في الحياة، هو أن تدرك أن الحفاظ على المبادئ والقيم ينتصران في النهاية وطالما كنت نزيهاً فإن الله سيقف إلى جانبك.
“البعض يظن أن الفهلوة وأخلاق الشارع ستكسب أبناءهم مهارات معيشية ويهملون القيم والنزاهة، وهذا غير صحيح، فأنا عشت التجربة كاملة، ومن الضروري أن تعيد النظر في أولوياتك لترى الأمور بشكل أوضح وتشعر بالسلام الداخلي”.
التكيف
اعتبر وزير الصناعة المصري الأسبق، أن القدرة على التكيف هي واحدة من أهم ما يميز البشر، ونصح بضرورة تقبل الأفكار والمعطيات الجديدة والتعايش معها ومحاولة التكيف. “إذا كنت تستطيع تطويع البيئة من حولك لقدراتك والتكيف معها فستصبح أكثر قوة”.
اختيار رجالك
واحدة من أغرب التحولات التي جرت في حياة رشيد محمد رشيد، كانت مرتبطة بعودته إلى عالم الأعمال بعد تبرئته من جميع الاتهامات التي تعرض إليها. في الفترة التي سبقتها كان على رجل الأعمال والملياردير المصري والوزير السابق، أن يتعامل مع ثروة ضائعة وأموال لم يعد بإمكانه الوصول إليها، وبالتالي التفكير في بداية جديدة في بلد جديد.
وبحسب رشيد، فإن التفكير في تكوين ثروة لم يكن هو الهدف، ولكن العودة إلى عالم الأعمال وممارسة ما يحبه، وجاء ذلك بمساعدة زوجته في التركيز على الهدف من البداية الجديدة. وقال رشيد إن علاقته التجارية القديمة قادته للعودة عبر إيطالياً ومن خلال مساعدة المستثمرين له في الاستحواذ على حصة من شركة “فالنتينو” – وهي شركة أزياء متخصصة في السلع الفاخرة – ثم استحوذ على عدد من العلامات التجارية للسلع الفاخرة في مراحل لاحقة.
وعلى عكس خبراته السابقة في مجال السلع الاستهلاكية، والتي تبني محفظة منتجاتها عبر فرق التسويق ودراسة سلوك المستهلك واحتياجاته لتكون القائد لعملية التصنيع والابتكار عبر تقديم المنتجات التي تلبي تلك الاحتياجات، فإن في قطاع السلع الفاخرة، يكون الأمر مقلوباً رأس على عقب. وتابع “لا يكون هناك استطلاعات للرأي أو دراسة لاحتياجات الزبائن، ولكن تركز السلع الفاخرة على تقديم أشياء صادمة وإبداعية لهذا القطاع، وبالتالي تبدأ رحلتها”.
“تعلمت سريعاً، لأن جميع قراراتي في الأسابيع الأولى كانت خاطئة، فما اعتقدت أنه سينجح كان يفشل، وما كنت أراه غير ملائم كان يحقق نجاحات هائلة في هذا القطاع الجديد عليّ”، بحسب رشيد، والذي أضاف “الفضل في النجاحات التي حققتها فالنتينو وبالمين، بفضل فريق العمل. كل ما عليك فعله هو اختيار فريق عمل قادر على القيام بدوره بشكل استراتيجي، والتنفيذ سيكون مسؤوليتهم وستتفاجأ”. “دوري هو، تحديد الرؤية، واختيار الأشخاص المناسبين، وتهيئة بيئة العمل الناجحة لهم”.
يجب أن تخاطر
يرى رشيد، أنه يجب أن تخاطر، وحتى أن تفشل، فإذا لم تفشل فلن تتعلم الكثير، ولهذا تركز واحدة من شركاته العديدة حالياً والتي تديرها إحدى بناته على المشروعات الناشئة وريادة الأعمال.
وقال رشيد: “الناس لديها الكثير لتتعلمه من الفشل، ولكن بشرط أن يكون لديهم الإرادة على النهوض والاستمرار، والمثابرة، والشعور بأنك ستنجح”.
اختار شريك حياتك بشكل صحيح ومبكر
وكان آخر ما ذكره رشيد في مقابلته، بأنه أكثر النعم التي حصل عليها في حياته كانت عائلته، والحياة نفسها بتحدياتها، ووجه رسالة إلى رجال الأعمال والشباب في سن مبكرة، بأن يركزوا بشكل كبير على اختيار شريك حياتهم بشكل صحيح وفي وقت أبكر.
ويرى رشيد أن الحياة تحتاج إلى هذا التوازن بين الاستقرار والصراع للنجاح، ووجود شريك سوف يجعل الرحلة أفضل وأيسر.
متابعات