الشوربجي ليس الأول.. لماذا يقرر رياضيون مصريون تمثيل دول أخرى؟

لم يكن لاعب الاسكواش المصري، المصنف الأول على العالم سابقا، محمد الشوربجي، أول الرياضيين المصريين الذين يقررون تمثيل بلاد أخرى، ورفع علم غير الذي اعتادوا عليه عند الفوز بالألقاب، لكن قراره أثار تساؤلات عدة بشأن دوافع مثل هذه التحولات.

وسبَّب قرار الشوربجي، 31 عاما، بتمثيل إنكلترا، فيما تبقى من مسيرته الرياضية، صدمة، خاصة أنه أول من يقدم على ذلك في تاريخ هذه اللعبة التي تتميز فيها مصر، وقد بات قراره خبرا تداولته وسائل الإعلام الدولية، فيما عبر الاتحاد الإنكليزي للاسكواش عن ثقته في قدرة اللاعب على “إلهام وتشجيع الأجيال الحالية والمستقبلية من المواهب الإنكليزية”.

وسيشارك الشوربجي لأول مرة تحت علم إنكلترا في بطولة موريشيوس المفتوحة بين 7-11 يونيو، وهي إحدى جولات بطولة PSA العالمية، يليها المشاركة في بطولة بريطانيا للإسكواش في مانشستر بين 14 و 18 يونيو.
“لاعبون آخرون”
وعبر لاعب الاسكواش الدولي المصري السابق، أحمد برادة، عن خشيته من تكرار سيناريو التجنيس مع لاعبين آخرين في المنتخب الوطني للاسكواش.

وقال في تصريحات تلفزيونية: “خوفي من أن الأجيال الصغيرة تكرر ما فعله الشوربجي، وأعلم أن هناك حديثا يجري حاليا مع لاعبين آخرين، من جانب دول أخرى”، مشيرا إلى أنه تحدث مع الشوربجي بعد قراره كما تحدث مع العديد من اللاعبين الحاليين للوقوف على المشكلات الموجودة.

وأعرب برادة عن صدمته في “أول لاعب اسكواش مصري يفعل ذلك، وأنا لست مع ما فعله الشوربجي، لكنني عندما تحدثت معه شعرت بأنه مظلوم ومدى الجرح الذي يحس به، وكان يجب احتضانه”، واصفا الأمر بأنها كانت “مكالمة صعبة”.
وأضاف أن اللاعب اشتكى من عدم وجود رعاة له، وأنه يناشد الاتحاد بشأن متطلباته منذ أربع سنوات لكن لا جدوى ولا دعم، مشيرا إلى أنه شعر في اتصاله معه “بأن هناك خطأ كبيرا يحدث”، وأن “هناك أشياء لا يستطيع التحدث عنها على الهواء”.

لكن رئيس اتحاد الاسكواش المصري، عاصم خليفة، رد على برادة قائلا: “نحن كاتحاد لا نتدخل في الرعاية، بل قدمنا له عرضا ورفضه، وقبله شقيقه اللاعب مروان الشوربجي، وأنا لا أستطيع فهم الدعم الذي يريد أن يحصل عليه، هو لاعب محترف، ينفق من فوزه بالبطولات، من جانبنا كنا ندفع له تذاكر السفر عندما يمثلنا، وكنا ندفع له الاشتراك السنوي في منظمة اللاعبين المحترفين PSA”.

وتساءل خليفة: “كيف أحتضنه، وهو يعيش في إنكلترا وحياته هناك، وهذا قراره الشخصي”.

لكن برادة كشف أنه يحمل الجنسية البريطانية أيضا، وعاش في إنكلترا 15 عاما، لكنه قرر تمثيل مصر حتى نهاية مسيرته الرياضية.

وقلل اتحاد الاسكواش المصري من أهمية قرار الشوربجي، مشيرا إلى أن “مصر لديها العديد من اللاعبين الموهوبين بدليل وجود 6 لاعبين مصريين ضمن أفضل 10 على مستوى العالم في التصنيف الدولي، جميعهم محترفون وكل لاعب محترف له قناعاته الشخصية حيث يعتمد في دخله على جوائزه المالية”.

لكن الخبير الرياضي، ياسر أيوب، في حديثه مع موقع “الحرة”، يرى أن “المشكلة في أننا خسرنا لاعبين في ألعاب أخرى ليس لدينا بدائل فيها رغم أن هذا ليس مبررا، ومن الصعب أن نخسر أي لاعب أساسا”.

فعلى سبيل المثال، “خسرنا لاعبين في كرة اليد والمصارعة ورفع الأثقال فازوا بميداليات باسم دول أخرى كنا نحتاجهم بشدة”.
ويعدد الصحفي الرياضي، محمد قلبة، في حديثه مع موقع “الحرة”، الكثير من أسماء الرياضيين المصريين، الذين قرروا اللعب تحت اسم دول أخرى.

وقال قلبة إن من بين هؤلاء اللاعبين، فارس حسونة، بطل رفع الأثقال، الذي شارك باسم قطر وفاز بميدالية ذهبية في أوليمبياد طوكيو الأخيرة، وثنائي الفروسية سامح الدهان وعبد القادر سعيد المصنفان عالميا، اللذان قررا اللعب باسم المملكة المتحدة وبلجيكا، على الترتيب، وطارق عبد السلام بطل المصارعة الرومانية، الذي لعب باسم بلغاريا، فضلا عن محمد فوزي بطل المصارعة الرومانية، الذي لعب باسم الولايات المتحدة.

وأشار كذلك إلى 3 لاعبين مصريين انضموا للمنتخب القطري لكرة اليد، هم الثنائي “عواض” بلال وحازم، بالإضافة إلى محمود زكي.
لماذا يحدث ذلك؟
وعزا أيوب، لجوء بعض اللاعبين المصريين إلى إغراءات مادية ومشكلات إدارية وفنية بين اللاعبين والاتحادات.

وقال: “هناك أسباب عدة لسعي بعض اللاعبين للحصول على جنسية أخرى واللعب تحت علمها، هناك من واجهوا مشكلات في مصر، سواء مع الاتحاد أو مع مدربيهم أو تجاهلهم، فاتجهوا لهذا الطريق، وهناك من سعى لذلك من أجل المال، فضلا عن أن هناك من يريد أن يعيش خارج مصر”.

وأضاف “مثلا في رفع الأثقال والمصارعة، أو كرة اليد، معظم من تحولوا إلى جنسيات أخرى أقدموا على ذلك بسبب عروض مادية قوية من دول عربية أخرى مثل قطر”.
أما في الفروسية، “فقد لجأ لهذا الطريق بعض من كانت لديهم مشكلات مع اتحاد الفروسية المصري، ومجاملات كانت شخصية لبعض اللاعبين ما قبل أولمبياد طوكيو، فاضطروا للعب باسم دول أخرى يحملون جنسيتها”، بحسب أيوب.

واختار عبدالقادر سعيد، المصنف 40 عالميا، في الفروسية، تمثيل بلجيكا بدلا من مصر.

وفي عام 2021 أعلن سامح الدهان لاعب المنتخب المصري للفروسية، أنه سيمثل الاتحاد الإنجليزي تحت العلم البريطاني بدلا من المصري، بعد استبعاده من تمثيل مصر في دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو.

“الكثير من الصعوبات”
كن قلبة يرى أن أبرز العوامل التي تدفع اللاعب المصري للتفكير في “التجنيس” أو بالأحرى المشاركة في البطولات الدولية تحت علم بلد آخر في رياضته التي تميز فيها، هي “عدم الاهتمام”، موضحا أنه “اللاعب المصري لا يلقى أي اهتمام، سواء معنوي أو مادي في بلده”.

ويرى قلبة أن اللاعب في مصر يواجه الكثير من الصعوبات من أجل الوصول إلى حلمه، بداية من الإمكانات في التدريب التي تساعده على الوصول إلى مستوى مميز في اللعبة التي يمارسها سواء كانت فردية أو جماعية، مروراً بالمناخ العام الذي يوفره له اتحاد اللعبة من أجل التركيز في تدريباته، نهاية بالمقابل المادي أو المكافأة التي سيحصل عليها في حالة الفوز بميدالية أو حصد لقب بطولة”.
ورأى أحد المغردين أن قصة الشوربجي، “تشبه لحد كبير قصة المصارع، طارق عبد السلام، الذي كان يلعب باسم مصر حين تعرض للإصابة، ونتيجة الإهمال وعدم العلاج اعتزل اللعبة وسافر بلغاريا، وعمل في مطعم للشاورما، وعندما علم البلغاريون بأنه بطل أولمبي عالجوه وحصل على جنسيتها وحقق لبلغاريا الميدالية الذهبية في بطولة أوروبا 2017”.
وقد حصل عبد السلام على الميدالية الأغلى، بعد تغلبه على بطل روسيا تشينغيز لابازانوف، في المباراة النهائية بنتيجة 4-1 لوزن تحت 75 كيلو غراما، رافعا علم بلغاريا حينها.

وكان عبدالسلام قد شارك في العديد من البطولات مع منتخب مصر وحقق العديد من الميداليات منها: ذهبية بطولة الألعاب الأفريقية التي أقيمت بالكونغو برازفيل، والميدالية الفضية في بطولة بلغاريا الدولية “نيقولا بتروف ودانكلوف”، وبرونزية دورة البحر المتوسط بتركيا، وبرونزية بطولة العالم للشباب بمدينة صوفيا البلغارية، بحسب موقع “يلا كورة”.
وفي حالة الشوربجي، كشف اللاعب أنه كان يشعر بـ”الضيق الشديد” عندما كان يصل على مطار القاهرة ويرى صور زملائه المصريين المحترفين في الاسكواش على سبيل الاحتفاء بهم، “لكنني الوحيد غير الموجود في هذه الصور، رغم أنني فزت بـ44 بطولة، وأكثر لاعب مصري يفوز ببطولات للمحترفين، وظللت لخمسين شهرا المصنف الأول على العالم ما يعني أنني أكثر مصري في التاريخ تربع على عرش الاسكواش”.

لكن أيوب يقول إن “الشوربجي على سبيل المثال، حصل على أعلى وسام في البلد، ليس هناك اهتمام أكبر من ذلك في اعتقادي”.

غياب التقدير
بينما يرى قلبة أنه بعد تجاوز اللاعب كافة الصعاب التي يواجهها في مرحلة الإعداد، وتحمله مواقف كثيرة من أجل تحقيق حلمه، تأتي معضلة أخرى، حيث يصطدم بعدم التقدير المادي الذي لايتماشى مع قيمة الإنجاز الذي حققه، أو حتى المجهود الذي بذله.
ويوضح أن “اللاعب يعلم في قرارة نفسه أنه إذا تغلّب على الصعاب وتحدى الظروف ووصل إلى حلمه، فإن كل ذلك إلى زوال، ولن يتذكره أحد بعد مرور شهر على الأكثر، وسيعود الوضع كما هو عليه، بينما لو أن ما يحدث هو اهتمام المسئولين بأبطالهم ورعاية الاتحادات الرياضية بلاعبيهم، سنرى بطلا عل الأقل سنوياً في كل لعبة”.

ويتفق معه أيوب الذي يقول: نور الشربيني اختيرت أعظم لاعبة اسكواش في تاريخ اللعبة العام الماضي، وحصلت مؤخرا على بطولة العالم للمرة الثالثة، لم يتحدث عنها أحد، لكن إذا قررت الشربيني أن تلعب باسم الولايات المتحدة، ستصبح قضية في البرامج والإعلام كله لأننا نهتم فقط بأخبار الأهلي والزمالك وكرة القدم فقط”.

ويسلط أيوب الضوء على مثال آخر، لاعبة مصارعة، تدعى سمر حمزة، “حدثت مشكلة مع مدربها تطورت إلى مشاجرة كبيرة في المركز الأولمبي في المعادي أثناء الإعداد لأولمبياد طوكيو، حتى أنها وصلت إلى قسم الشرطة ومحاضر وتوقيع غرامات من الجنة الأولمبية لاحقا، هذه القصة سيطرت على الإعلام الرياضي لفترة طويلة جدا.

وفي طوكيو لم تحقق سمر أي ميدالية، “فأصيبت باكتئاب وأعلنت اعتزالها، ثم بدأ مدربها في احتوائها ومعالجتها نفسيا وإعادتها للعبة”.
سافرت سمر العام الماضي للمشاركة في بطولة العالم للمصارعة في النرويج وفازت بالمركز الثالث وحصلت على الميدالية البرونزية”.

لكن الإعلام الرياضي لم يهتم حينها بخبر فوزها، بحسب أيوب، حيث نشر خبرا من سطرين في بعض الصحف فقط ولم تذكر هذه البطلة مرة أخرى، رغم أنها حققت أول ميدالية نسائية في بطولة العالم للمصارعة لمصر، في حين أن تفاصيل المشاجرة ظلت متداولة في الإعلام لنحو شهرين أو ثلاثة.

أزمة مادية
وكان الشوربجي أكد أن قراره ليس له أي علاقة بالأمور المادية، لكنه قال إنه كان يحتاج إلى طبيب ومدرب في البطولات التي يخوضها.

من جهته قال أيوب إن “لعبة الاسكواش تحديدا لدينا الكثير من الأبطال فيها، وتوفير طبيب بإمكانات خاصة لكل لاعب منهم، أمر يفوق ميزانية الاتحاد المصري للاسكواش”، مشيرا إلى أنها ميزانية ضعيفة للغاية.

وكشف خليفة أن ميزانية الاتحاد في العام تبلغ خمسة ملايين جنيه فقط (نحو 270 ألف دولار).
وقال أيوب: “لدينا بعض الاتحادات لا تجيد التعامل مع لاعبيها، جزء كبير من الأزمة اتحاداتنا هي السبب فيها، حيث يتم أحيانا عدم الاهتمام بلاعب مميز من أجل المساواة بين اللاعبين”.

أما الإغراء المالي والعروض التي تقدم لبعض اللاعبين من أجل اللعب باسم دول أخرى، فقال “هذا من الصعب الوقوف أمامه لأن مصر لا تستطيع توفره ولا تقديم بديل له”.

وحمل قلبة، مسؤولية سعي بعض اللاعبين للعب باسم دول أخرى، لوزارة الشباب والرياضة، والاتحادات الرياضية.

ولم يرد وزير الشباب والرياضة على تساؤلات موقع “الحرة”.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى