تكيف الحيوانات المنوية أسلوب سباحتها لتتغلب بأقصى قدر ممكن من السرعة والكفاءة على مختلف ظروف السوائل التي تسبح بها. وهذه هي النتيجة التي انتهت إليها دراسة أسترالية منشورة في مجلة “سيل ريبورتس فيزيكال ساينس”. ففي الوقت نفسه، تسلط دراسة ألمانية الضوء على بنية بروتينات شديدة الخصوصية تمنح الحيوانات المنوية قدرتها على الحركة.
وتعد قدرة الحيوانات المنوية على الحركة إلى جانب شكلها وعددها من العوامل المهمة بالنسبة إلى خصوبة الرجل. ويتطلب الفوز بسباق الوصول إلى البويضة أن تتمتع خلايا الحيوانات المنوية بالسرعة والرشاقة حتى في ظل ظروف معاكسة. وخلال الجماع يتم إفراز كمية متزايدة من المخاط في قناة فالوب الأمر الذي يحفز حركة السائل نحو الرحم. ويسهم هذا التدفق في منع دخول مسببات الأمراض إلى الجهاز التناسلي عن طريق غمر هذه المسببات بهذا السائل المخاطي، وبالتالي تحظى الحيوانات المنوية بميزة حيث تكون قادرة على السباحة ضد هذا التيار للوصول إلى البويضة.
وكتب فريق البحث برئاسة العالم رضا نصراتي من جامعة موناش الأسترالية في مجلة “سيل ريبورتس فيزيكال ساينس” أنه لم يتم حتى الآن إجراء فحص كاف لتوضيح كيفية تأثير لزوجة السائل الموجود في الجهاز التناسلي وظروف تدفقه والمعروفة أيضا بمعدلات القص على حركات الحيوانات المنوية، وذلك بسبب القيود المفروضة على طرق الفحص المجهري التقليدية.
ولاكتشاف كيف تغيّر الحيوانات المنوية أسلوبها في السباحة، أنشأ العلماء نوعًا من ساحة الاختبار عبارة عن حوض به سائل مخاطي يمكن تغيير ظروف تدفقه ولزوجته. ثم سمح الباحثون لحيوانات منوية من حيوان الثور بالسباحة داخل ساحة الاختبار وصوّروا حركتها باستخدام مجاهر عالية السرعة. وتسجل هذه المجاهر 200 صورة في الثانية. وعندئذٍ لاحظ الفريق كيف تقوم الحيوانات المنوية بتحريك أسواطها، أي ذيولها.
وتبين العلماء أن حركة الأسواط تأثرت بالدرجة الأولى بلزوجة السائل وتأثرت بمقدار أقل بمعدلات القص، فكلما زادت لزوجة السائل زادت حركة ذيول الحيوانات المنوية صعودا وهبوطا على الأقل في حالة ضعف تدفق التيار. أما في حال كان تدفق التيار قويا فإن حركة الذيول تقل في هذه الحالة. وبشكل عام، كانت حركة الأسواط تصل إلى أقصى سرعة عندما تتشابه الظروف المحيطة بها مع تلك التي تسود في المهبل قبل الوصول إلى البويضة مباشرة.
وكما كتب فريق البحث، كانت الحيوانات المنوية تتحرك بشكل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من خلال تكييف ردود أفعالها حسب اختلافات اللزوجة ومعدلات القص. ويعتزم العلماء الآن تحسين تصميم البحث في دراسات المتابعة من أجل تحسين علاجات الخصوبة لدى الإنسان على المدى الطويل.
وتقول المؤلفة المشاركة في الدراسة يزدان باراست “من خلال محاكاة الظروف التي تحيط باختيار الحيوانات المنوية، قد نصبح قادرين على تحديد وعزل الحيوانات المنوية التي تُظْهِر سلوك السباحة الأمثل في ظل ظروف مماثلة لتلك الموجودة في الجهاز التناسلي للأنثى”. من ناحية أخرى، أظهرت نتائج دراسة ألمانية نُشِرَتْ في مجلة “نيتشر”، وهي الدراسة التي أجراها مركز الكيمياء الحيوية بجامعة هايدلبرج تحت إشراف كريستينا باولينو، وتناولت بنية خلايا الحيوانات المنوية، أن هناك إمكانية لعلاج العقم. وحسب الدراسة، تختلف هذه البنية ووظيفتها عن جميع أنواع الخلايا الأخرى نظرًا إلى أن الوظيفة الوحيدة لخلايا الحيوانات المنوية هي العثور على البويضة والاندماج معها.
وكما أوضحت مجموعة البحث في بيان، فإن الحيوانات المنوية لا تصل إلى كامل نشاطها إلا خلال المرحلة المعروفة باسم مرحلة القدرة التلقيحية، أي عندما تنضج خلايا الحيوانات المنوية. وفي نهاية هذه العملية البيوكيميائية، يجب زيادة حركة الحيوانات المنوية، ذلك أنه دون وجود قدرة كافية على الحركة، لن تتمكن خلايا الحيوانات المنوية من الوصول إلى البويضات وتخصيبها.
وفي هذه المرحلة، تكتسب بروتينات خاصة موجودة في غلاف الحيوانات المنوية، أهمية من نوع خاص، وهذه البروتينات هي الناقلات الغشائية، وهي مسؤولة على سبيل المثال عن نقل المواد الغذائية إلى داخل الخلية أو خارجها. وقالت كريستينا باولينو في بيان “في الحيوانات المنوية، يؤدي نقل أيونات معينة إلى الخلية إلى زيادة في حركتها. ومن ثم ترتبط البروتينات المسؤولة عن النقل ارتباطًا مباشرًا بخصوبة الحيوان المنوي وبالتالي بخصوبة الذكر”.
وباستخدام الناقلات الغشائية لقنافذ البحر، وهو نظام نموذجي لأبحاث الحيوانات المنوية، وبمساعدة المجهر الإلكتروني المبرد، تمكّنت مجموعة البحث من فك شفرة بنية ناقل غشائي مهم للحيوانات المنوية على المستوى الجزيئي.
وقالت فاليريا كالينكوفا المشاركة في إعداد الدراسة “لقد لاحظنا أن البروتين المهم يتكون من وحدات بناء مختلفة مثل لعبة الليجو. هذه المكونات معروفة بشكل أساسي من بروتينات أخرى، غير أننا لم نرها معًا من قبل أبدًا. باستخدام هذه المعلومات، تمكنا من فك رموز آلية هذا الناقل لأول مرة”.
وأضافت كالينكوفا أنه من الممكن لمثل هذا الفهم الأفضل أن يساعد في الخطوة التالية في تطوير مواد محتملة تؤثر على هذه الآلية الأمر الذي سيؤدي إلى تنشيط أو إلغاء تنشيط وظائف البروتينات. لكن كالينكوفا رأت أنه لا يزال يتعين إجراء بحوث حول مدى إمكانية نقل هذه النتائج إلى آلية الحيوانات المنوية البشرية، لافتة إلى أنه على المدى الطويل ستنطوي هذه النتائج على إمكانية فتح آفاق جديدة في علاج العقم، أو على العكس من ذلك، في المنع المتعمد لتخصيب البويضة بواسطة الحيوانات المنوية.
وتعتمد صحة الحيوانات المنوية على العديد من العوامل، من بينها كمية الحيوانات المنوية وحركتها وبنيتها. وتزيد فرص التخصيب إذا كان السائل المنوي الذي يخرج خلال عملية قذف واحدة يحتوي على 15 مليون حيوان منوي على الأقل لكل ملليلتر. ومع انخفاض كمية الحيوانات المنوية المقذوفة أثناء عملية قذف واحدة إلى حد كبير، تزداد صعوبة حدوث حمل بسبب تراجع كمية الحيوانات المنوية المرشحة لتخصيب البويضة.