لماذا لا ينبغي أن تمثل استضافة السعودية لمونديال 2034 مفاجأة؟

بدأ الحديث عن إمكانية تنظيم نهائيات كأس العالم 2034 في السعودية منذ سنوات، نظرا للأموال الضخمة التي استثمرتها الحكومة السعودية في الرياضة، من أجل تحقيق هذا الهدف.

ولم ينتبه أحد إلى ما فعلته السعودية في رياضة الغولف، ثم بدأت تسيطر على منافسات الملاكمة العالمية. كما توسعت استثماراتها بشكل كبير في سوق الانتقالات في كرة القدم.

وعلى الرغم من طموحات السعودية الكبيرة في مجال كرة القدم، فإن فكرة تنظيمها لنهائيات كأس العالم تبقى مفاجئة للكثيرين.

ومع اقتراب السعودية من استضافة البطولة في عام 2034، فإن هذه الخطوة ستثير جدلا أكثر مما أثاره تنظيم قطر لمونديال العام الماضي، وذلك بسبب قضايا حقوق الإنسان، والطريقة التي اعتمدها الاتحاد الدولي لاختيار المرشحين، فضلا عن تغيير المواعيد وتأثيره على سلامة اللاعبين، لأن النهائيات ستقام مرة أخرى في الشتاء بسبب الحرارة الشديدة في البلاد.

والواقع أن تنظيم دورة فيها 48 فريقا سيكون أصعب مما كان عليه في مونديال قطر 2022، هذا فضلا عن متطلبات أكبر في بناء المنشآت، والقلق المتزايد بشأن قضايا البيئة.

ويرى الكثيرون في هذا الحدث استغلالا للرياضة لتبييض صورة السعودية في المسرح العالمي، وهو نوع من القوة الناعمة يستعملها أكبر مصدر للنفط في العالم، للتغطية على انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتقييد حرية التعبير، وقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، وضلوع البلاد في النزاع اليمني.

وتنفي السلطات السعودية هذه الاتهامات، مؤكدة أن ترشحها يهدف إلى تطوير البلاد، وتوسيع ممارسة كرة القدم في أوساط الشباب، وتعزيز السياحة في البلاد، وتنويع الاقتصاد، لتقليل الاعتماد على النفط.

ويشير السعوديون إلى التقدم الذي حققوه في مجال كرة القدم النسائية، مثلا، وإلى أن تنظيم نهائيات كأس العالم تطور طبيعي، بعدما نجحوا في تنظيم العديد من الدورات والمنافسات الدولية، في مختلف الرياضات.

وأسسوا رابطة الدوري السعودي للمحترفين، وجعلوا منها قوة كروية عالمية، واشتروا نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، ويستعدون لاستضافة نهائيات كأس العالم للأندية، هذا الشتاء، وكذا نهائيات كأس أمم آسيا في 2027.

ولكن مهما كانت أهداف الحكام السعوديين الحقيقية، فإن ترشحها لوحدها لتنظيم دورة 2034 يطرح تساؤلات بشأن إجراءات الفيفا وقراراتها، إذ يرى مراقبون أن هذه النتيجة كانت بمثابة الأمر الواقع، في صفقة تنعدم فيها الشفافية والمحاسبة.

وأول أمر أثار استغراب الناس هو إعلان الفيفا مطلع هذا الشهر تقديم الترشيحات لاستضافة نهائيات كأس العالم 2034 بثلاث سنوات عن موعدها، وقرار الاتحاد أن تكون الدولة المستضيفة إما من آسيا أو أوقيانوسيا، ومنح 26 يوما فقط لتقديم ملفات الترشح.

والأمر الآخر هو موافقة الفيفا على تنظيم دورة 2030 مشتركة بين أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، على الرغم من اعتراض أنصار البيئة، وبالتالي منع القارات من الترشح لاستضافة دورة 2034، وفق سياسة التدوير التي يعتمدها الفيفا.

وبعدها بدقائق، أعلنت السعودية ترشحها رسميا لتنظيم نهائيات كأس العالم 2034، مصحوبا بدعم الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.

واتخذ الفيفا قرارا آخر يراه البعض بأنه لمساعدة ترشح السعودية، وهو إسقاط شرط بناء سبعة ملاعب على البلاد المترشحة، والاكتفاء بأربعة.

ويخشى البعض أن يكون قرار أستراليا عدم الترشح لاستضافة دورة 2034 مرده إلى اقتناعها بعدم جدوى منافسة السعودية.

ولو أن الفيفا عقد مؤتمرا صحفيا بعد إعلانه مطلع هذا الشهر، لربما دفع بأن منح الاستضافة لدولة واحدة دون منافس، أفضل مما كان معمولا به في السابق، في عمليات انتقاء على مدار سنوات يشوبها تبادل الأصوات والرشوة والفساد.

ولكن الطريقة التي فسح فيها الطريق واسعا للسعودية لا تروق للجميع.

وعبر منتدى روابط الدوريات العالمية في كرة القدم في مارس/آذار عن قلقه من عدم استشارته في قرارات الفيفا، ومن بينها توسيع دورة نهائيات كأس العالم 2026، والصيغة الجديدة لكأس العالم للأندية.

ولا تختلف مواقف ممثلي اللاعبين والمشجعين من قرارات الفيفا في هذا الخصوص.

واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الفيفا بتجاهل قواعده الخاصة، قائلة إن “إمكانية منح استضافة نهائيات كأس العالم 2034 للسعودية على الرغم من سجلها المخزي في حقوق الإنسان، يجعل التزام الفيفا باحترام حقوق الإنسان مجرد وهم”.

ورفض الفيفا التعليق على هذه الادعاءات، ولكنه يصر في الأحاديث الخاصة على أن حقوق الإنسان في صميم إجراءات اختيار المرشحين.

والحقيقة أن السعودية ليست الدولة الوحيدة المثيرة للجدل التي استضافت منافسات ودورات دولية، في الأعوام الأخيرة.

ويواصل السعوديون في كل الأحوال الدفاع عن أنفسهم ضد ما يسمونه النفاق، مشيرين إلى الصفقات التجارية التي لا تتردد الدول الغربية في عقدها معهم، ملمحين إلى الجهل بالأمور، مثلما أشار الملاكم تايسون فيوري بعد منازلته في الرياض.

وتسعى السعودية إلى مقارنة تنظيمها بتجربة قطر، التي تعرضت لانتقادات واسعة، ورغم ذلك تمكنت من تقديم بطولة ناجحة بكل المقاييس، حسب الكثيرين.

ويرى آخرون أن التغطية الإعلامية التي تصحب الحدث الرياضي الكبير قد تدفع نحو التغيير في البلاد، مثلما يراه اللاعب جوردان هندرسون ردا على الانتقادات التي تعرض لها بسبب انتقاله إلى الدوري السعودي للمحترفين.

ولكن الكثيرين يعتقدون بأن هذه الآراء غير عقلانية، وأن تنظيم السعودية لنهائيات كأس العالم فيه إهمال لملف حقوق الإنسان، وآمال الكثير من المشجعين، الذين يحرصون على أن تؤخذ حقوق الإنسان بعين الاعتبار في منح استضافة المنافسات الكبرى.

وأمام السعودية والفيفا 11 عاما لإقناع المشككين، ولكن من المستبعد أن تغفل أعين المراقبين عما يجري في البلاد.

متابعات 

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى